Author

ملاحظات وآمال حول السياحة

|
يتلهف الناس هذه الأيام للإجازة الصيفية، ويتطلعون لها بكل شوق، خاصة أنهم مروا بمشوار سنة طويل فيه الكثير من العمل والجد. الطلاب وإرهاق الدراسة، والوالدان والعمل، ومتابعة الأبناء، والقيام بواجبات ولاية الأمر، الكل بحاجة للراحة والاستجمام واستعادة القوى من أجل عام آخر تعود فيه الأسرة لمواصلة مشوار الحياة مرة أخرى. بجانب الحديث عن الاختبارات، وأداء الطلاب، واستثمار الوقت أولاً بأول كنصائح توجه من الآباء للأبناء، يتخلل الوقت أحاديث حول الإجازة، وكيف سيتم قضاؤها. الأبناء يطرحون أفكاراً، والآباء يطرحون هم كذلك أفكاراً، هذا يقول نسافر خارج البلاد، وآخر يرى أن يكون السفر داخلياً، نسافر لمكة والمدينة والطائف، نسافر لأبها والباحة.. وهكذا اقتراحات واقتراحات مضادة وأخذ ورد واتفاق وتعارض، لكن هموم الاختبارات لا تفارق الجميع. ينصرف الأبناء للمذاكرة، أما الآباء فإنهم يتجهون لإنجاز أعمالهم، أو استكمال مستلزمات المنزل، ومع ذلك تبقى اقتراحات الأبناء تتردد في الأذن، وتشغل البال. يفتح الأب الحاسب الآلي يقلب في مواقع السياحة طمعاً في عرض من هنا أو هناك، تذاكر سفر مخفضة، أو سكن مناسب بسعر مناسب، أو خدمات سياحية أفضل من تلك التي حصل عليها في السنوات الماضية. الدول العربية التي تعتمد على السياحة مثل مصر، سورية، لبنان، تونس، المغرب، دبي، هي بعض الوجهات التي يتجه إليها السعوديون، وتتأثر السياحة في هذه البلدان إيجاباً وسلباً بحضور السعوديين، أو غيابهم، لكن الملاحظ أن البرامج السياحية التي تقدم في هذه الدول، لا تأخذ في اعتبارها السائح السعودي في الحسبان عند التخطيط أو البرمجة للأنشطة السياحية وفعاليتها. السائح السعودي له ثقافته، وقيمه، وعاداته، وتقاليده، وعليه فلا بد من مراعاة هذه الأمور من قبل مخططي ومنفذي السياحة في هذه البلدان، لأن عدم مراعاة هذه الأشياء قد تكون نتائجه انكفاء السائح السعودي، وبحثه عن بدائل أخرى يجد في مناشطها وفعالياتها السياحية ما يتفق مع منظومته الثقافية، والقيمية، إضافة إلى الاحترام، والتقدير، وعدم النظر للسائح السعودي على أنه مصدر للمال يجب استغلاله والتحايل عليه بشتى الطرق، بل وأبشعها في بعض الأحيان، ومن قبل ضعاف النفوس في بعض البلدان. السائح خارج بلده يتعامل مع شرائح متعددة مع سائق التاكسي، ومع موظف الفندق، أو السكن، ومع التاجر في متجره، ومع المضيف في المطعم، ومع غيرهم كثير، كيف ينظر هؤلاء إلى السائح؟ وكيف يتعاملون معه؟ أسئلة مهمة، إجابتها مهمة للسائح. تصرفات بعض هذه الفئات تنفر السائح وتخرجه عن طوره، لأن هذه التصرفات لا يشعر معها بالسعادة التي خرج من بلده بحثاً عنها، حيث تتحول هذه التصرفات إلى نكد، وعناء، ومصدر ضيق، لا يمكن قبوله. هذه التصرفات، لا تشعر السائح بإنسانيته بقدر ما تشعره وكأنه جهاز صراف آلي جاء ليصرف الأموال. تصفحت في مواقع الإنترنت بغرض التعرف على العروض السياحية سواء في السكن، أو التذاكر، أو كافة الخدمات الأخرى، وأول ما لفت نظري، أن أسعار العروض والخدمات المقدمة تعرض بالدولار الأمريكي، فتوقفت متسائلاً: ما السبب؟ خاصة إذا علمنا أن السائح المستهدف عربي والجهة التي تقدم العرض عربية وفي بلد عربي. حقاً إنه أمر محير، هل عملاتنا المحلية لم يعد لها قيمة في نظرنا؟ أم أن تقديم العروض بالدولار أكثر وجاهة؟ أم أن تقديمها بالدولار يحقق مكاسب أكبر لا يمكن تحقيقها عند تقديم الأسعار بالعملات المحلية؟ إذ إن عملية حساب التكلفة بالدولار ومن ثم التحويل إلى العملة المحلية يترتب عليه فروقات تحقق مكاسب، لا يحس بها طالب الخدمة الذي هو بالطبع السائح، وهذا يتأكد إذا علمنا أن ابن البلد الذي يقصده السائح قد يسكن في نفس المكان لكنه يعامل بسعر مختلف ويحسب له السعر بالعملة المحلية. ومما لفت نظري وانتباهي وأزعجني في ذات الوقت، أن العروض السياحية تقدم للسائح الغربي بصورة مختلفة تماماً عن الصورة التي تقدم بها للسائح العربي، عروض السكن في دبي على سبيل المثال لا الحصر، يكتب أمام الأسعار، هذه الأسعار لا تنطبق على مواطني مجلس التعاون الخليجي، فالمواطن الخليجي يفترض أن يدفع أسعاراً أكثر، وإذا أدركنا أن أكثر السياح الذين يقصدون دولة الإمارات العربية المتحدة هم من السعوديين، فيحق لنا أن نتساءل، لماذا علينا أن ندفع أكثر في أسعار السكن، إذا قدر لنا أن نختار دولة عربية بل خليجية لقضاء جزء من إجازتنا هناك؟! وما يقال عن إيجار السكن، يقال عن المواصلات الداخلية في البلد الذي تتم زيارته التي تؤمن للسياح الأجانب والوجبات وأنشطة الترفيه المجانية، بالإضافة إلى المرافقين السياحيين، بينما كل هذه الأشياء يطالب السائح العربي بدفع أسعارها، وبقيم مرتفعة. تأملت في الموضوع محاولاً تفسيره والبحث عن أسبابه فألفيت الأمر لا يخرج عن سببين، السبب الأول نحن السياح العرب وبالذات السعوديين يفوتنا الحرص والدقة ونتصرف أحياناً بصورة تجعلنا مطمعاً للآخرين، إذ لا بد من الحذاقة في التعامل، وتأكيد الذات، وإشعار الطرف الآخر، أن الخدمة موجودة لدى الآخرين، وليس هو الوحيد الذي يقدم الخدمة، وأنه يمكننا أن نترك المكان، ونذهب للسياحة في مكان آخر، ونغير وجهة سفرنا متى ما شعرنا باختلاف المعاملة، فالاحترام يجب أن يقدم للجميع، والأسعار يجب أن تكون متساوية مع ما يعطى للسائح الأجنبي، إن لم تكن الأفضلية لنا إذا علمنا اشتراكنا في منظومة مجلس التعاون أو اشتراكنا في الدين والعروبة، إن لم يكن بلد السياحة الذي نقصده خارج دول مجلس التعاون، أو الدول العربية الأخرى. أما السبب الثاني فهو في نظري مرتبط بمقدم الخدمة الذي قد يغلب الطمع والجشع عليه في فترة من الفترات ظناً منه أنه يكسب بصورة أسرع، لكنه في النهاية يفقد ثقة السائحين ويفقد معهم كل شيء خطط لتحصيله. إن تشكيل ثقافة سياحية لدى المواطنين ترتسم فيها أهداف واضحة للسياحة وإجراءات تنظيمية يقدم عليها السائح بفترة كافيه بحيث لا تكون سياحته وليدة الصدفة كما يحدث للكثير منا، حتى أن الارتجالية تكون هي السمة الغالبة، وإذا قارنا أنفسنا بالسياح الأجانب نجد البون الشاسع بيننا وبينهم فهم يخططون للرحلة السياحية بسنوات، بل إن بعضهم يخطط لرحلاته السياحية بعد التقاعد، وهو على رأس العمل إذ يحدد الأماكن التي سيزورها، ويضع الميزانية لذلك ويختار الصحبة، وهكذا مع كافة الأمور، إن افتقادنا الثقافة السياحية والوعي هو الذي يوقعنا في الكثير من المشكلات مما يحول الرحلة إلى نكد وعناء وخسارة مال. وحيث وجدت في بلادنا هيئة للسياحة، لذا فإني أعتقد أن من أولويات أعمالها إيجاد ثقافة سياحية واعية، يغرس من خلالها الأهداف السامية للسياحة، بحيث يكون الاطلاع والوعي بثقافة الآخرين وتاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم ونظمهم جزءا مهما من السياحة حتى لا تتحول سياحتنا إلى عبث يسيء لصورتنا أمام الآخرين ويقلل من شأننا وقيمتنا ويضيع أموالنا. أرجو أن تكون هذه الملاحظات وغيرها الكثير سبباً لإعادة النظر في كيف نختار وجهات سياحتنا وكيف نخطط وكيف نتعامل وبالشكل الذي يحفظ لنا كرامتنا ويوفر أموالنا.
إنشرها