Author

جولة الملك وتطلعات المواطنين

|
قبل بضعة عقود قام معالي الأستاذ حسن المشاري، وزير الزراعة والمياه في حينه، بزيارة إلى محافظة الزلفي يتفقد فيها مشاريع وزارته وخاصة مشاريع المياه، والتي كانت مناطق المملكة في أمس الحاجة إليها في ذلك الوقت ولا تزال مناطق تفتقر إليها خاصة في موسم الصيف، حيث يضطر الناس إلى شراء الماء وبأسعار غالية. وأتذكر أن الأهالي في وقتها كانوا فرحين مسرورين لهذه الزيارة وأقاموا خيمة ألقيت فيها كلمات وقصائد ترحيباً بالمسؤول وتعبيراً عن المشاعر، خاصة أن هذا المسؤول يرتبط بالماء والذي هو سر الحياة "وجعلنا من الماء كل شيء حي". ولا غرابة في تلك الفرحة وذلك السرور، خاصة إذا علمنا قلة زيارات المسؤولين في ذلك الوقت لعدة أسباب، أهمها بعد المسافات، وصعوبتها خاصة أن الطرق لم تكن معبدة في ذلك الوقت. تذكرت هذا الحدث هذه الأيام، حيث إن الرجل الأول في البلاد يقوم بزيارة مجموعة من مناطق المملكة، إذ يقوم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - يحفظه الله - بجولة على مجموعة من مناطق المملكة يستهلها بزيارة للمنطقة الشرقية العاصمة الاقتصادية للبلاد، ثم القصيم، وحائل ويليها مناطق أخرى، أعتقد أنها على جدول أعمال الملك عبد الله بن عبد العزيز. وتأتي هذه الزيارة تجسيداً لرغبة الملك عبد الله في الوقوف بنفسه على أوضاع المناطق والمواطنين فيها من جميع الجوانب، الاقتصادية، والتنموية، والمعيشية، والخدمات. ولقد بدأت المناطق التي ستتم زيارتها بالاستعداد بغرض استقبال الملك استقبالا يليق به كقائد للبلاد يستحق من مواطنيه الكثير والكثير من الفرحة والابتهاج. ونظراً لأن الاستعداد للزيارة في الغالب يمثل وضعاً غير اعتيادي، حيث أقواس النصر، ونظافة الشوارع، وتشجيرها، والإنارة، واللافتات ذات الطابع الترحيبي، كل هذا وقبله المواطنون بقلوبهم ومشاعرهم في استقبال الملك في كل منطقة يزورها. وبحكم ما عرف عن الملك من اهتمام بالأوضاع الحقيقية للمواطنين، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى زيارته المفاجئة لبعض أحياء الرياض الفقيرة، حيث وقف بنفسه على أحوال المواطنين في تلك الأحياء، ورأى بأم عينه بيوتهم كيف هي، وأثاثهم، وملابسهم وجميع ظروفهم التي أساءته في حينها وأساءت الكثير من الغيورين على الوطن وأبنائه. ولقد أحدثت تلك الزيارة تحريكاً للماء الراكد، كما يقال في شأن هذه الشريحة من المواطنين التي تعاني الفقر والعوز حيث أوجد صندوق خاص لمعالجة الفقر كما تم تبني مشاريع إسكان تقدم خصيصاً للفقراء في هذا الوطن. ثم جاءت زيادة الرواتب بنسبة 15 في المائة، وكذا تخفيض أسعار البنزين، والديزل، والمشتقات البترولية الأخرى، وذلك بغرض التخفيف عن كاهل المواطنين شيئاً ولو يسيراً من تكاليف الحياة. وحتى يكون للزيارة آثارها الملموسة التي يتطلع إليها المواطنون فيما له علاقة بمناطقهم وحياتهم اليومية، لذا فإن الأمر يستوجب وقوف الملك على جميع الحقائق وتفاصيلها بشأن المناطق والمواطنين، إذ إن عواصم المناطق التي ستتم زيارتها لا تمثل واقع المناطق، فالمناطق بمدنها وقراها وهجرها تمثل واقعاً قد يختلف عن حاضرة أو عاصمة المنطقة فيما يتعلق بتوفر الخدمات من ماء وكهرباء، وخدمات صحية، وتعليمية، وطرق، وجميع جوانب التنمية، فما يوجد في المدينة ربما لا يكون متوافراً في المدن الأخرى والقرى الموجودة في المنطقة. واقترح على أمراء المناطق التي تتم زيارتها اعطاء تفصيل حول المنطقة من حيث مساحتها وعدد مدنها، وقراها، وهجرها، والكثافة السكانية، والخدمات المتوافرة في كل مدينة وقرية، ونسبة الفقر، وذلك بناءً على المسجلين في الضمان الاجتماعي، ومن تقدم لهم الخدمة من قبل الجمعيات الخيرية، كما أقترح أن تعطى فرصة للمواطنين من المناطق نفسها للحديث عن احتياجات مدنهم وقراهم ولا يكتفى بالترحيب، والقصائد المعبرة عن الفرحة، فالملك يقوم بزيارة عمل همه الأساس الوقوف على الحقائق التي تساعده، وتساعد الوزارات المعنية على توفير الخدمات وسد الثغرات الموجودة في بعض المجالات ذات العلاقة بالمواطنين وحياتهم. الزيارة هذه ليست زيارة سياحة وترفيه، بل زيارة معاينة وتقص، ولذا فأمراء المناطق ومسؤولوها معنيون ومطالبون في الوقت ذاته بوضع النقاط على الحروف، وإيضاح الحقيقة للملك بشأن احتياجات المناطق وأوضاعها التنموية، فالزمن ليس بزمن حجب الحقائق ولا إظهار الأمور خلاف ما هي عليه. جميل أن تحتفي المناطق بملكها وتعبر عن فرحها، ولكني أعتقد أن ما يسعد الملك أكثر هو معرفته ما يحتاج إليه المواطنون من خدمات، وتسهيل في الإجراءات الإدارية، وقرب المسؤولين للمواطنين وانفتاحهم عليهم، وتقصي ومعرفة همومهم ومشاكلهم، فنحن أمة ليست بغريبة على هذه الممارسات، ولنا في عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – قدوة، حيث يتجول في طرقات المدينة يتلمس الاحتياجات، ويتعرف على الأوضاع، وكما ورد في القصة المشهورة يحمل على رأسه الطعام إلى المرأة وأولادها الجياع ويخبز لهم ويطعمهم ولا يرضى لغيره أن يقوم بهذه المهمة. كما أن قصة جولته في المدينة في ليلة من الليالي وسماعه الحوار بين المرأة وابنتها بشأن اللبن دليل آخر، وسجل تاريخي بارز في حياة هذه الأمة. إن ارتفاع أسعار النفط فرصة للوطن بكامل مناطقه لتستكمل جميع الاحتياجات والخدمات فتؤسس المدارس، والمستشفيات، وتعبد الطرق، وننشئ محطات الكهرباء، ونحفر آبار المياه، ونقيم محطات التحلية، ونعيد تقييم أوضاع ما هو قائم من منشآت، ونشجع الاستثمار في الداخل، وبالأخص الاستثمار الصناعي بغرض التحرر من الاعتماد على الآخرين. وما جولة الملك إلا تأكيد على حرص القيادة على معرفة الاحتياجات، وحتى لا تفوت فرصة الوفرة المالية كما فاتت على بعض الجهات الحكومية في السابق وترتب عليها تأخر بعض المجالات وتأخر بعض المناطق عن ركب التنمية الذي كان من الواجب تحقيقه قبل ثلاثين سنة حين حدثت الطفرة الأولى. لذا فإن الشفافية مطلوبة من المسؤولين ومن المواطنين دونما تردد أو مجاملة. إن الزيارة فرصة حقيقية لإظهار المشاعر والترحيب وهي في الوقت نفسه فرصة للانطلاق نحو مرحلة بناء جديدة تحيا بها البلاد وينعم بخيرها العباد.
إنشرها