Author

تحديات تحرير سوق الكهرباء في المملكة .. العائد المالي والاقتصادي (3)

|
من أهم المؤشرات التي تجيز لأي مشروع المضي قدما نحو التنفيذ المؤشرات الاقتصادية. المستثمرون يركزون بشكل خاص على المردود المالي كأهم عائد لاستثماراتهم في أي مشروع بينما تنظر الدولة لطبيعة دورها لمؤشرات أكثر شمولية فتهتم بالمنافع الاجتماعية والآثار الاقتصادية العامة. المعضلة التي تواجه أغلب الخدمات التي ترغب الدولة في خصخصتها هي الموازنة بين المردود المالي لمستثمري القطاع الخاص وإدراك المنفعة الاقتصادية المرجوة من الخصخصة. وإذا ركزنا في أحوال قطاع الكهرباء في المملكة نجد أن السياسة المتبعة لإدارة وتشغيل الخدمة أصبحت تشكل مصدر قلق محلي وعالمي. فكما ذكر الدكتور أنس الحجي في مقال "أسعار النفط بين كهرباء الصين وكهرباء الخليج" المنشور في الاقتصادية (24 مايو 2011)، هناك علاقة طردية بين العجز في الكهرباء في الدول النفطية وأسعار النفط في الأعوام الأخيرة. وأشار كذلك إلى أن من آثار العجز في الكهرباء في الدول النفطية زيادة الاستهلاك المحلي للنفط الخام على حساب الصادرات، خاصة في فصل الصيف. هذا إضافة إلى لجوء بعض السكان للتبريد من خلال السيارات الأمر الذي زاد من استهلاك البنزين. وبما أننا أصبحنا نستورد أكثر من ثلث احتياجاتنا من البنزين من الخارج، فنحن إذن في ورطة اقتصادية خطيرة. والذي سيزيد الأمر سوءا خلال الأعوام المقبلة – وأتمنى أن أكون مخطئا – هو تزامن موسمي رمضان والصيف. ومع تزايد الطلب على الكهرباء في تلك المواسم وتقادم وحدات التوليد وشبكة النقل والتوزيع قد نرى انقطاعات أكثر تكرارا من الأعوام السابقة. هناك خلط واضح في الإعلام المحلي نحو أنواع الدعم المقدمة من الدولة لقطاع الكهرباء فالقول إنه بالرغم من أن الدولة تدعم شركة الكهرباء من خلال تخفيض أسعار النفط والغاز المستخدمة لتوليد الكهرباء فإن الشركة تعاني خسائر كبيرة سنويا يحتاج إلى وقفة وتفصيل. صحيح أن القصد الرئيس من دعم أسعار الوقود هو خفض تكاليف الإنتاج حتى يحصل المستهلك النهائي على أسعار مخفضة إلا أن هناك فجوة متسعة أخلت بالتوازن بين دعم أسعار الوقود والتسعير الحكومي لخدمة الكهرباء. لو كان لدعم أسعار الوقود المبيعة على شركة الكهرباء عائد اقتصادي ملموس كان ذلك الدعم مبررا. إلا أن المردود الاقتصادي للأسف منخفض جدا إذا ما قورن بالموارد اللازمة لتأسيس وتشغيل مشاريع الكهرباء. فعلى سبيل المثال، يشكل استهلاك قطاعي التجارة والصناعة في المملكة مجتمعين 30 في المائة من إجمالي إنتاج الكهرباء (التقرير السنوي لهيئة تنظيم الكهرباء 2009) بينما تستهلك الصناعة الصينية وحدها نحو 75 في المائة من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة بالرغم من الكثافة السكانية الهائلة. والمؤشر الأكثر دلالة على ضعف العائد الاقتصادي لاستثمارات قطاع الكهرباء في المملكة هو أن نحو 70 في المائة من إجمالي الطاقة الكهربائية المنتجة تستهلكها أجهزة التكييف. ويوجد أيضا مؤشر كثافة الطاقة الأكثر اعتمادا لقياس العائد الاقتصادي إلا أنه للأسف لم يتح لي الحصول على معلومات قبل النشر. ما يهمنا هنا أن الدولة تسعى الآن لتقويم وتحسين أرقام هذه المؤشرات حتى يصبح لنمو الطلب المحلي على الكهرباء قيمة اقتصادية مضافة وذلك من خلال تشجيع الصناعات كافة وجذب المستثمرين من الخارج لتوطين مختلف التقنيات. هذا إضافة إلى الجهود القائمة لرسم سياسة واضحة لتخفيض تسارع نسب الاستهلاك المحلي للنفط وذلك من مهام القائمين على مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. وبعيدا عن شمولية العائد الاقتصادي الناجم عن دعم أسعار الوقود وبالرغم من أن أسعار تلك الوقود المبيعة على شركة الكهرباء تعتبر رمزية، إلا أن ضعف العائد المالي لاستثمارات مشاريع الكهرباء يعد أكبر عقبة تواجه مستثمري القطاع الخاص لتحقيق حلم تحرير سوق الكهرباء في المملكة. ضعف العائد المالي ناتج عن الفجوة الواسعة بين تكاليف إنتاج وإيصال خدمة الكهرباء وتعرفة الخدمة الخاضعة للتسعير الحكومي التي هي أقل في يومنا الحاضر مما كانت عليه قبل أكثر من خمسين عاما. وهناك مؤشرات بأن تعديل التعرفة لن يكون قريبا لأسباب اجتماعية وسياسية مختلفة. ومن أبرز الدلائل على ضعف العائد المادي لاستثمارات مشاريع الكهرباء أن الدولة قامت بإلزام شركة الكهرباء بتغطية التكاليف المتعلقة بالوقود لتشغيل محطات المنتجين المستقلين ومع ذلك هناك نفور واضح من دخول المستثمرين بقوة في سوق الكهرباء. وهذا دليل واضح على أن دعم أسعار الوقود غير كاف لتشغيل قطاع الكهرباء، خاصة إذا علمنا أن شركة الكهرباء عجزت حتى الآن عن تسديد قيمة الوقود. ومع تردد المستثمرين وتنامي الطلب على الكهرباء بشكل متسارع اضطرت الدولة لإنقاذ الموقف مرات عديدة من خلال إقراض شركة الكهرباء بشكل عاجل لتنفيذ مشاريع مستعجلة. وكانت آخر هذه القروض الحسنة بمبلغ 51 مليار ريال إضافة إلى 15 مليار ريال قبل عدة أشهر. ما لا يعرفه المستهلك أن العجز المتوقع لتنفيذ مشاريع تعزيز النظام الكهربائي بين عامي 2009 و 2018 يبلغ أكثر من 118 مليار ريال حسب تقدير شركة الكهرباء. تلك القروض الحسنة إضافة إلى القروض التجارية من بعض البنوك الخارجية لن تفي بكامل احتياجات الشركة لتنفيذ المشاريع التوسعية ما يعني أن الشركة ستضطر للاقتراض مرة أخرى من الدولة خلال الأعوام القليلة المقبلة. لا بد من التنويه بأن هناك مواطن كثيرة يمكن فيها تخفيض تكاليف إنتاج وإيصال الخدمة في شركة الكهرباء لكن لن نعرف طبيعة تلك التكاليف الزائدة عن حدها المعقول إلا من خلال طرف خارجي كهيئة تنظيم الكهرباء. لكن طبيعة العلاقة بين الطرفين هي ليست مشجعة حيث لم تتعاون الشركة حسب هيئة تنظيم الكهرباء في توفير معلومات وبيانات أقل حساسية فماذا لو طلبت منها مراجعة وتدقيق حساباتها. إضافة إلى التسعير الحكومي المنخفض وتكاليف المشاريع والتشغيل المرتفعة هناك أيضا مشكلة تحصيل قيمة الفواتير من فئة وصفتهم شركة الكهرباء بكبار الشخصيات فالشركة تطالب كبار الشخصيات أطال الله في أعمارهم بحوالي ملياري ريال (خلاف الديون المعدومة والمشكوك في تحصيلها). من الطبيعي أن شركات القطاع الخاص لن تتهاون - حال تحقق حلم تحرير سوق الكهرباء - في تحصيل مبلغ كهذا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الآلية التي تستطيع من خلالها أي شركة أن تحصل مستحقاتها من هذه الفئة من دون أن تفصل عنهم الكهرباء أو تشرب بحر؟ التسعير الحكومي المنخفض للخدمة وغموض حقيقة تكاليف الإنتاج والتشغيل وغياب آلية تحصيل قيمة استهلاك الخدمة خاصة من النافذين ستؤخر حتما إقناع أي مستثمر بالاستثمار في صناعة الكهرباء.
إنشرها