Author

تحديات تحرير سوق الكهرباء في المملكة (1)

|
منذ أكثر من ثلاثة عقود بدأ الحديث عن ضرورة إجراء إصلاحات في الأنشطة الاقتصادية كافة في مختلف بلدان العالم لرفع كفاءة الخدمات المقدمة. رفع كفاءة النشاط الاقتصادي يعني بكل بساطة تقليص نفقات تأسيس وتشغيل مرافق خدمات ذاك النشاط إضافة إلى تحسين جودة الخدمة للمستهلك النهائي. ومن المتعارف عليه أن إصلاح أي صناعة أو نشاط اقتصادي يبدأ بتغيير شامل للهيكلة الإدارية قبل المرور بعملية الخصخصة ونقل السيطرة الإدارية والالتزامات المالية للدولة نحو الصناعة المراد إصلاحها إلى القطاع الخاص من خلال فتح باب المنافسة للمستثمرين وحصر دور الدولة كمراقبة لضبط سلوك المستثمرين والمتنافسين ـ من خلال إنشاء هيئات مستقلة وإقرار التشريعات والقوانين المناسبة لحفظ حقوق المستهلكين ومقدمي الخدمات. موجة الإصلاحات طالت قطاعات عديدة في مختلف دول العالم كالنقل الجوي والمطارات والسكك الحديدية والموانئ والرعاية الصحية والبنوك والاتصالات والطاقة. إلا أن نجاح إصلاح أي من الأنشطة الاقتصادية ــ أيا كانت المعايير ــ ونقلها كليا من إدارة الدولة ذات الكفاءة المتدنية إلى إدارة القطاع الخاص مرتبط بعوامل معقدة جدا. هذه السلسلة من المقالات ستركز نحو شواهد وملاحظات قد تشكل معوقات أساسية وستعطل إلى حد كبير من تنفيذ خطط هيئة تنظيم الكهرباء والإنتاج المزدوج لتحرير صناعة الكهرباء في المملكة. فالهيئة ذكرت في تقريرها السنوي الأخير أن تنفيذ خطة تحرير صناعة الكهرباء وتحويلها إلى سوق يتبع آلية العرض والطلب سوف يستغرق ثمانية أعوام. إلا أن تنفيذ الخطة سيتم عبر ثلاث مراحل مختلفة، واشترطت الهيئة البدء بتنفيذ المرحلة التالية بنجاح تنفيذ المرحلة التي تسبقها وهكذا. وفي ذلك تصريح ضمني لوجود تحديات سيتم تناولها في المقالات القادمة بالتفصيل. وقبل الخوض في تحديات تحرير صناعة الكهرباء في المملكة، هناك بعض الخصائص الفنية للكهرباء لا بد من استيعابها لتقدير حجم مشكلات هذه الصناعة بالتحديد. الخاصية الأولى تكمن في أن الكهرباء كمنتج – لا يمكن تخزينه – بشكل اقتصادي على الأقل – كغيره من المنتجات الأخرى (كالنفط والغاز والفحم والمواد الغذائية إلخ) ما يعني ضرورة توفير إمدادات الكهرباء بشكل لحظي لسد الطلب. وهذه الخاصية بالتحديد زادت من خطر الاستثمار في مشاريع إنتاج الكهرباء في المملكة بسبب تباين الطلب بشكل متفاوت. فالفرق بين الطلب على الكهرباء في الصيف وغيره من المواسم في المملكة وصل إلى أكثر من 40 في المائة ما يعني أن بعض محطات الإنتاج المكلفة يتم تشغيلها لعدة أشهر فقط وبعضها لأيام عدة لا تتجاوز أسبوعين ما أثر بشكل بالغ في العائد الاستثماري لتلك المحطات. وهناك خاصية أخرى تشكل فرقا أساسيا بين صناعة الكهرباء وأي صناعة أخرى. فرغم تعدد استخدامات الكهرباء وتراوح منافعها إلا أن شكل المنتج النهائي واحد (كهرباء) على عكس صناعة الاتصالات على سبيل المثال. فرغم أن الاتصالات تعتمد اعتمادا كليا على الكهرباء إلا أن تعدد منتجات شركات الاتصالات والتطور الفني السريع للتكنولوجيا خلقتا أجواء تنافسية حامية بين تلك الشركات. فهناك خطوط الاتصالات الثابتة، والجوال، والرسائل النصية، ومتعددة الوسائط، وخدمات الإنترنت، عدا الخدمات التي سنراها قريبا بفضل تسارع التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات. ويمكن القول إن التنافس بين شركات الاتصالات على هذه الخدمات المتنوعة أدى إلى تخفيض تكلفة تشغيلها، إضافة إلى تحسن ملحوظ في جودتها. بينما صناعة الكهرباء لم تتعرض لثورة تكنولوجية أو تنوع واضح وصريح في الخدمات، كما هو الحال في الاتصالات وغيرها ما جعل التنافس في هذه الصناعة أمرا أكثر صعوبة. ورغم تلك الخصائص الفنية للكهرباء التي لا تخدم التنافس في مجال إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، توجد عقبات أخرى ستواجه المستثمرين من القطاع الخاص في المملكة لا بد من إدراكها في المقالات القادمة.
إنشرها