Author

قطاع الكهرباء بحاجة إلى أوامر ملكية (1 من 2)

|
صدرت خلال الشهرين الماضيين مجموعة من الأوامر الملكية لمعالجة أزمات تواجه شريحة واسعة من المواطنين. التحدي الأكبر يتمثل ليس في تنفيذ هذه الحزمة من القرارات على أرض الواقع فحسب, بل إن التحدي الحقيقي يتمثل في فهم العوامل التي أسهمت في وجود مشكلات اليوم تتمثل في نقص في الخدمات الأساسية، ومن ثم العمل على إقرار حلول واقعية ومستدامة لتلافي تكرار حدوث الأزمات. كيف يمكن معالجة هذه المشكلات؟ طبعا يمكن الإجابة عن سؤال كهذا من عدة زوايا, لكن حتى نفهم ماهية العوامل التي خلقت مشكلات اليوم بتشعباتها، سيتم التركيز على السياسة الاقتصادية المتبعة في المملكة لربطها بأسباب عدم قدرة صناعة الكهرباء على توفير احتياجات المستهلكين في الحاضر وربما في المستقبل. اقتصاد المملكة ما زال يعتمد منذ عقود على ريع صادرات النفط بشكل أساس، ومن حينها لم ننجح في تنويع مصادر الدخل, وبالتالي حماية اقتصادنا من تبعات تذبذب أسعار النفط وما لها من آثار سياسية واجتماعية متفاوتة وتباطؤ واضح لتنفيذ المشاريع التنموية. وفي الجهة المقابلة منذ أن زاد إنتاج المملكة للنفط وأصبحت قادرة على التصدير بكميات تجارية، توسعت الدولة في تولي مسؤولية تقديم الخدمات العامة للمواطنين, ومن ضمن تلك الخدمات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء. ورغم أن تقديم خدمة الكهرباء كان قائما على أساس تجاري بحت، إلا أن الدولة رأت تحمل جزء كبير من تكاليف إنتاج الكهرباء إلى أن قامت بالسيطرة الكاملة على إدارة هذا القطاع الحيوي. ومن حينها وإلى يومنا هذا وقطاع الكهرباء يمر بأزمات متصاعدة تتمثل في شح الموارد المالية اللازمة لتجديد وحدات التوليد المتقادمة والمتهالكة, إضافة إلى سد الفجوة المتنامية والمتسارعة بين الطلب والإمدادات اللازمة للكهرباء. أحد الحلول المطروحة لإنقاذ القطاع من أزماته الفنية والمالية يتمثل في تحرير سوق الكهرباء ودخول القطاع الخاص للاستثمار في أنشطة إنتاج وإيصال خدمة الكهرباء من خلال التنافس بين المستثمرين. والغرض الرئيس من دخول القطاع الخاص تحسين الكفاءة الاقتصادية لتشغيل قطاع الكهرباء من خلال الاستغلال الأمثل للموارد المالية, وبالتالي تخفيض تكلفة إنتاج الكهرباء وتحسين جودة الخدمة. إلا أن أحد أهم أسباب تعقيد أزمة قطاع الكهرباء هو عدم جدية الدولة في منح القطاع الخاص حقه في التكسب المشروع. فمن المؤسف أن نجد رجال أعمال سعوديين يعلنون تطلعهم إلى الاستثمار في كهرباء نيجيريا مثلا بينما تواجه الشركة السعودية للكهرباء صعوبات لإقناع رجال الأعمال للاستثمار في بلادنا بشروط ـــ حسب شركة الكهرباء ـــ معقولة. طبعا هناك شواهد عدة منعت القطاع الخاص من الاستثمار بقوة في قطاع الكهرباء. تاريخيا كان لتدخل الدولة في فرض تخفيضات متتالية لتعرفة الخدمة وعدم القدرة على الوفاء نحو تقديم نسبة الأرباح الثابتة للمساهمين، أثر واضح في تمسك المستثمرين في الوقت الحاضر بشروط تعتبرها شركة الكهرباء صعبة، ومن ضمنها الالتزام بشراء كامل إنتاج المنتجين المستقلين على مدى 20 إلى 25 سنة (أي كامل العمر الافتراضي لمحطة الإنتاج). وتجربة تحرير سوق الطيران في المملكة ـــ إن صح التعبير ـــ لم تكن مثالية. فبعد إغلاق ''طيران سما''، اتضح أن هناك خرقا واضحا لأحد أصول المنافسة العادلة, حيث عاملت الدولة ''الخطوط السعودية'' معاملة خاصة عندما رفعت الدولة دعمها لأسعار الوقود عن شركتي سما وناس دون إعطاء أي منهما حق تخطي سقف معين لأسعار التذاكر لتعويض تكلفة الوقود. وهذا في حد ذاته مؤشر لخطورة الاستثمار في القطاعات الخدمية التي تسيطر عليها الدولة، ما يطرح تساؤلات حول جدية الدولة في خصخصة الخدمات العامة ومن ثم تحويلها إلى أسواق حرة تقوم على التنافس العادل. وطالما أصرت الدولة على تثبيت تعرفة خدمة الكهرباء يظل السؤال قائما: من سيدفع الفرق بين مصروفات الإنتاج والتشغيل وإيرادات البيع؟
إنشرها