Author

المسؤولية البيئية لشركات المناجم والتعدين

|
إن نشاط المناجم والتعدين كغيرهما من الأنشطة الصناعية هما بالتأكيد من الدواعم المؤثرة في الاقتصاد وتمثل نقطة مهمة في عجلة التنمية المحلية والدولية أيضا، ولكن لا يخفى على القارئ العزيز ما يتعلق بتلك الأنشطة من أنظمة ومعايير بيئية وصحية نحاول التركيز عليها في هذا المقال. وفي المقابل فإن الأنشطة الصناعية والتعدينية والتنقيبية هي بلا شك أحد المصادر الرئيسة للنفايات الخطرة, وهناك عدد من العوامل والتحديات والقوانين الدولية والإقليمية والمحلية والتي سنحاول التطرق إلى بعضها في عدد من النقاط. فالعامل الاقتصادي للتلوث من منظور ميزانية معالجة التلوث في حد ذاته والتكنولوجيا المتطورة والتكلفة الباهظة لمعالجة المشاكل البيئية الصادرة من النشاط الصناعي، إضافة إلى قيمة علاج المواطنين المتأثرين من نتائج التلوث المحيط, ناهيك عن تكلفة علاج العمال في النشاط نفسه، قد تصل إلى مبالغ كبيرة جدا تحد من الربح الناتج من التوجه غير المسؤول أو أحادي البعد مدعوماً من ملاك الشركة أنفسهم عند غياب الوعي البيئي والرؤية بعيدة الأمد. والتحدي الثاني متمثل في غياب العامل الاجتماعي السياسي ونتحدث هنا عما يسمى بمتلازمة نيمبي NIMBY والتي ظهرت عام 1980 وانتشرت بعد ذلك عن طريق وزير البيئة البريطاني نيكولاس رايدلي والمعنى هنا الذي يشير إلى not in my backyard، والذي يعطي الحق للمجتمع المحلي رفض أي أنشطة كيماوية أو حفر أو شق أو ما يتعلق بذلك من أنشطة صناعية أو تنقيبية في أن تكون ضمن نطاقهم المحلي العمراني وبالتالي يمثل دور استقلالية المجتمع باختيار الأنشطة التي تقع في محيطة القروي أو المدني. علاوة على النقص في الوعي البيئي قد يتسبب بعواقب وخيمة للمجتمعات خصوصا ما إذا استغلت الشركات غياب الرقابة الوطنية أو عدم وجود ميكانيكيات أو جهاز وزاري ذي كفاءة ليس فقط في سن القوانين بل وفي تنفيذ العقوبات وعمل المراقبة الدورية بأكمل وجه. ومن منطلق تشريعي دولي كان هناك عدد من الاتفاقيات وعلى رأسها قمة ريو أو قمة الأرض هي قمة نظمتها الأمم المتحدة بريو دي جانيرو بالبرازيل من أجل البيئة والتقدم.وكان ذلك في الفترة من 3 حتى 14 حزيران (يونيو) 1992 والتي تمركزت حول على عدد من المحاور أهمها: أنماط الإنتاج للمكونات السامة — وخاصة إنتاج مثل الرصاص في البنزين أو المواد السامة والنفايات — يجري فحصها بطريقة منتظمة من الأمم المتحدة والمنظمات الشبه حكومية. العثور على مصادر بديلة للطاقة، والاستعاضة عن استخدام الوقود الأحفوري المرتبط بالتغيرات المناخية. الاعتماد بشكل أكبر على وسائل النقل العامة لتقليل انبعاث المركبات والاختناقات المرورية في المدن، والتي تسبب مشكلات صحية ناجمة عن تلوث الهواء أو الضباب والدخان. القلق المتنامي والوعي إزاء تنامي مشكلة ندرة المياه. وما يهمنا في مبحثنا هذا, هو المحور الأول: إنتاج المواد السامة, والإنتاج هنا قد يكون مباشرا أي بنشاط الصناعة نفسه أو غير مباشر كنتيجة جزئية للنشاط الصناعي. ومن هذه النتائج الجزئية ما يتعلق بالهواء ونقائه والذي قد يتأثر بأعمال التنقيب والتعدين نظرا للغبار الذي قد يتهيج بجوار عمليات الحفر وما يتبعه من إصابات آنية قد تهدد سلامة العامل بل والمجتمع المحيط أو عواقب متراكمة على مدى السنين تؤثر سلباً في صحة الفرد العامل بالمنشأة الصناعية أو السكان المجاورين لها وتكون عامل تدهور لمستوى نظافة البيئة وتراكم الملوثات على مدى السنين. وعلى الرغم من النقص التشريعي الدولي خصوصا فيما يتعلق بالتربة كانت هناك اتفاقية بائسة تتعلق فقط بمكافحة التصحر, وتمثل اتفاقية بازل والتي حددت عددا من المعايير الدولية حول تنقل والاتجار بالنفايات الخطرة، وما يهمنا في مثل هذه الاتفاقية هي عمليات دفن التربة السامة أو النفايات السامة بالقرب من الحدود أو الموارد المائية أو حتى بالأرض ومعايير الدفن حتى لا تتأثر الحياة الفطرية السلمية ولا مصادر المياه والتي تمثل هاجسا كبيرا خصوصا في المملكة. #2# وعلى الصعيد الخليجي فإقرار سياسة خليجية ممثلة في نظام التقويم البيئي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/3 في 4/2/1421هـ المبني على قرار مجلس الوزراء رقم (23) وتاريخ 26/1/1421هـ, والتي تم اعتمادها مسبقا عام 1994. والذي أشار إلى أنه يصاحب النشاطات البشرية والعمرانية والصناعية في الغالب كثير من التأثيرات البيئية السلبية التي تؤدي إلى تأثير ضار على صحة الإنسان ونوعية البيئة وعلى قدرة الموارد الطبيعية على التجدد والاستمرار، كما تؤدي إلى تدهور أو تدمير البيئات الحساسة والفريدة التي تعتبر مواطن لمجموعة كبيرة من الأحياء. إضافة إلى أن الكثير من المشاريع إن لم تأخذ في الاعتبار العوامل البيئية أثناء التخطيط والتنفيذ لها يمكن أن تضر الصحة العامة والبيئة، إضافة إلى البيئات الطبيعية، المناطق الأثرية والتاريخية أو ذات القيمة العلمية أو الجمالية أو التعليمية. لذا فإن السلطة المختصة انطلاقاً من المسؤوليات المنوطة بها نحو صون وحماية البيئة والموارد الطبيعية والتزاماً بقرار المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية السادس بقمة مسقط في عمان عام 1985 الذي أقر في المادة (6) ''اعتماد مبدأ التقويم البيئي للمشاريع وإعداد دراسات التقويم البيئي ضمن دراسات الجدوى وربط ترخيص المشاريع والمرافق بموافقة الجهة المسؤولة عن حماية البيئة على نتائج هذه الدراسات: 1- المشاريع التي تتطلب إعداد وتقديم تقرير تقويم الآثار البيئية: وتضمنت الفقرة الرابعة: المشاريع المتضمنة تخصيص مناطق معينة لأنماط خاصة من التنمية مثل المدن (المناطق) والخدمات الصناعية والضواحي الجديدة. وأيضا: المشاريع المتضمنة إنشاء مصانع أو القيام بعمليات يحتمل أن تؤدي إلى تلوث الهواء أو الماء أو التربة بما في ذلك التلوث الكيماوي والبيولوجي والحراري والإشعاعي أو تؤدي إلى إحداث ضوضاء أو أي تلوث آخر محتمل. وتضمنت الفقرة ب ـ1- المشاريع ذات السعة الكافية لإحداث تأثير محسوس على جودة الهواء المحيط والتي تتضمن ما يلي: الصناعات التعدينية حيث تصهر المواد الخام لاستخلاص الفلزات أو المعادن. (ب) – 2- المشاريع ذات السعة الكافية لإحداث تلوث محسوس على جودة الماء، والتي تتضمن ما يلي: خزن ومعالجة وصرف النفايات باستخدام خليج أو بركة أو منطقة ري أو بئر أو محجر أو خندق. ويجب أن تشمل العوامل التي تؤخذ في الاعتبار عند تحليل التفاعلات البيئية المحتملة ما يلي: أ – أي أثر بيئي على صحة الإنسان والتجمعات السكانية. ب- أي أثر بيئي على الأنظمة الإيكولوجية في المنطقة التي يقع المشروع فيها أو أي أنظمة إيكولوجية أخرى قد تتأثر بالمشروع. ج – أي تأثير على منطقة، مكان أو مبنى له أهمية جمالية، أثرية أو ترفيهية أو إنتروبولوجية أو معمارية أو ثقافية أو تاريخية أو علمية أو اجتماعية أو أية خصائص بيئية أخرى لها قيمة خاصة بالنسبة للحاضر أو للأجيال المقبلة. د – أي تهديد لأي نوع من المجموعات الحيوانية والنباتية. هـ- أي تأثير على البيئة بعيد المدى. و – أي تغير في نوعية البيئة في المنطقة المعنية. ز – أي تدهور في نوعية البيئة. ح – أي تلوث للبيئة. ط – أي تهديد لسلامة البيئة. ي – أي تقليص لمدى الاستخدامات النافعة للبيئة. ك- أي مشاكل بيئية مرتبطة بالتخلص من النفايات. وعلى المستوى الوطني اعتمد النظام العام للبيئة والذي يهدف إلى تنمية العمل البيئي المتوازن بجانب الاهتمام بالبيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية ورفع مستوى الوعي البيئي في المجتمع وصولا إلى جعل التخطيط الشامل للتنمية في جميع قطاعاتها بما يحقق مفهوم التنمية المستدامة وهو الهدف الأسمى الذي تسعى إليه كل دول العالم. ونظام البيئة الصادر في 28/7/1422هـ برقم م/ 34 والذي يؤكد في المادة 5 أن على الجهات المختصة المرخصة التأكد من إجراء دراسات التقويم البيئي في مرحلة دراسات الجدوى للمشروع التي يمكن أن تحدث تأثيرات سلبية على البيئة. ويعرف تلوث البيئة قانونيا بحسب النظام السعودي بأنه: وجود مادة أو أكثر من المواد أو العوامل بكميات أو صفات أو لمدة زمنية تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى الإضرار بالصحة العامة أو الأحياء أو الموارد الطبيعية أو الممتلكات أو تؤثر سلبا على نوعية الحياة ورفاهية الإنسان. أما تلوث الأراضي فيعرف بـ: القيام بأي نشاط أو إدخال أي مواد بشكل مباشر أو غير مباشر في الأراضي والتربة بأنواعها المختلفة ينتج عنه ضرر بالخواص الفيزيائية أو الكيماوية أو البيولوجية أو بها جميعها أو يهدد صحة الإنسان أو يعوق من الأنشطة الزراعية أو العمرانية. والفقرة 3 من المادة 9 من نظام البيئة والتي تؤكد أن على كل شخص يشرف على مشروع أو مرفق يقوم بأعمال لها تأثيرات سلبية محتملة وضع خطط طوارئ لمنع أو تخفيف مخاطر تلك التأثيرات، وأن تكون لديه الوسائل الكفيلة بتنفيذ تلك الخطط. ونلاحظ هنا في تعليق حول هذه الفقرة أن عملية التخفيف من المخاطر تستلزم عمل فحص دوري للتأثيرات التي قد تطرأ خلال أعمال شركات التنقيب والتعدين ويجب عليهم تباعا لذلك اتخاذ إجراءات لتخفيف هذه الأضرار. وهذا ما تؤكده الفقرة الرابعة من المادة التاسعة والتي تؤكد على مراجعة دورية عن مدى ملاءمة خطط الطوارئ. وتلزم المادة 13 من نظام البيئة السعودي على اتخاذ التدابير اللازمة للمحافظة على التربية واليابسة والحد من تدهورها أو تلوثها، وهذا ما تطرقت إليه الفقرة الثانية من هذه المادة. وأما فيما يتعلق بالعقوبات فإن المادة السابعة عشرة من الفصل الثالث الفقرة 1/أ/ب والتي تلزم الجهات المختصة عند الإخلال بالمقاييس والمعايير التي تم النص عليها باللائحة التنفيذية فإنه يترتب التالي: إزالة أي تأثيرات سلبية وإيقافها ومعالجة آثارها بما يتفق مع المقاييس والمعايير البيئية خلال مدة معينة. تقديم تقرير عن الخطوات التي قام بها لمنع تكرار حدوث أي مخالفات لتلك المقاييس والمعايير في المستقبل، على أن تحظى هذه الخطوات بموافقة الجهة المختصة. وأما بالنسبة للمعايير المتعلقة بالمواد الكيماوية ونسبة التلوث والواردة في اللائحة التنفيذية لنظام البيئة فإنها نصت ألا تتعدى نسب المواد التالية أكثر من 5 في المائة فيما يتعلق بالمياه المستلمة للملوثات ومنطقة الخلط آمونيا, الزرنيخ, الكادميوم, النحاس, الزئبق, الأوكسجين المذاب, الكروم, الرصاص, الزنك.. وغيرها. أما فيما يتعلق بالتصريف غير المباشر فالمتوسط الشهري لمستويات التصريف المصرح بها كالتالي: أمونيا 1 ملغم/ لتر الزرنيخ 0.1 ملغم/ لتر الكادميوم 0.02 ملغم / لتر الزئبق 0.001 ملغم / لتر الرصاص 0.1 ملغم / لتر إرشادات خاصة بالمعالجة الأولية قبل التصريف إلى مرافق المعالجة المركزية, فإن الحد الأقصى الوارد في اللائحة كالتالي: الزرنيخ 1 ملغم/ لتر الكادميوم 0.5 ملغم/ لتر الرصاص 1 ملغم/ لتر وختاماً: إن الاعتراف بأهمية حماية البيئة من قبل المسؤولين الحكوميين ومسؤولي الشركات والمجتمع بمؤسساته وأفراده يمثل الخطوة الأولى في التوجه السليم نحو مجتمع يعي التحديات البيئية المعاصرة. وانطلاقا من هذا الاعتراف لهذه الأهمية، يتم التوجه إلى التطبيق الفعال بخطوات منهجية من الإعداد، فالتنفيذ ثم المراجعة وأخيرا إعادة دورة الحماية والرعاية والرقابة وكذلك النقد مرة أخرى وذلك ينبع من أهمية استمرارية العمل للحفاظ على البيئة وذلك كونها عاملاً متغيراً بحد ذاته لتغير وتفاعل عوامل الطبيعة نفسها وعاملا متغيراً بفعل غيره نظرا للأنشطة الصناعية والإنسانية التي تلامس هذه الطبيعة وتطرأ عليها وتشكل تفاعلا قد يغير من دورتها الأيكولوجية الطبيعية. ولذا فإن من الأهمية بمكان ألا تقتصر المعاهدات والأنظمة على حماية البيئة بطبيعتها وتطورها الأحيائي الطبيعي والعمل على حمايته بل أيضا عليها أن تحمي الطبيعة المهددة من قبل الأنشطة الإنسانية والتي قد تشكل خطراً حقيقياً على البيئة. على الشركات ألا تفكر فقط بالربح الخالص دون تحديد أوجه الخطر البيئي الذي قد يضر البيئة الخارجية أو قد تؤثر على الصحة العامة حاليا أو على صحة الأجيال المقبلة مع الوقت وتراكم مثل هذه المواد. من ناحية أخرى، يجب على مؤسسات المجتمع المدني والبلديات والباحثين الوقوف على مثل هذه التجاوزات القائمة من قبل الشركات والمشاركة في عمل وعي ثقافي بيئي للمواطنين. بل والمشاركة في نقد الشركات والتي تضر أنشطتها البيئة والصحة العامة. إضافة أن مثل هذه الشركات العاملة في مجال المناجم والتعدين يتحتم عليها ودون أدنى تقصير عدم الإخلال بأنظمة العمل ومسؤوليتها الاجتماعية والإنسانية تجاه العاملين لديها عند إصابتهم أو إيقافهم عن العمل متخلية بذلك عمن عملوا بها وقدموا جزءا من صحتهم وجهدهم في سبيل نجاح تلك الشركة، فإنه وإضافة إلى ما تمليه أنظمة العمل في تعويضات وحق العلاج فإنه يبقى عليها ألا تهمل في تقديم واجبها تجاه هؤلاء العمال أو الموظفين بما يضمن لهم العيش بكرامة إذا كانت هذه الإصابة تحجمهم عن العمل فيما بعد, ضاربة بذلك أنموذجا يحتذى به في تطبيق المسؤولية الاجتماعية والبيئية لشركات المناجم و التعدين. المراجع العربية: النظام العام للبيئة – المملكة العربية السعودية ـــــ 2001. نظام التقويم البيئي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ــــ 1994. المراجع الأجنبية: Basel convention : www.basel.int Thmoas CAREW and others,.The Nimby syndrome: a critical issue for America, Long Island University Center for Management Analysis, 1994 United Nations Conference on Environment and Development (UNCED), Rio de Janeiro, 3-14 June 1992 Earth summit http://www.un.org/geninfo/bp/enviro.html Maria TERESA,.Que fait le village planétaire de ses déchets dangereux ?, BRUYLANT, Bruxelle, 2001, p9 paragraphe 3 de l’article 2 de convention de Basel alexendre KISS, Jean-Pierre BEURIER,.Droit international de l’environnement, Pedone, Paris, 2004, p47
إنشرها