Author

مواجهة التحديات الحالية.. على قدر أهل العزم تأتي العزائم (2 من 2)

|

رئيس المعهد الدولي للطاقة والبئية والتوقعات الاستراتيجية

[email protected]

 

في الحلقة الأولى تطرقنا إلى ما يجرى من تغييرات في الوطن العربي، ووصفناه بأنه تحول قسري للديمقراطية من خلال النظام نفسه، وبضغوطات من القاعدة الاجتماعية، وبدعم من النظام العالمي الجديد. والمقال لا يسعي إلى تبرير أعمال الأنظمة العربية المتهالكة، التي حضت على دعم أمريكا خلال العقود الماضية، ولكنه يوضح الأصابع الخارجية في دعم تلك التغييرات وبشكل منهجي ومفاجئ، ما يثير حفيظة الأنظمة، التي لا تتورع في خلق حروب أهلية في بعض المجتمعات العربية التي يكون فيها الاختلافات عمودية وليست أفقية، كما هي الحال في مصر وتونس. بقي أن نعي أن الغرب يريد ديمقراطية في تونس ومصر وباقي الدول العربية، ولكن ليس الكثير من الديمقراطية التي ربما تأتي بالإسلاميين غير المرغوب فيهم، كما هي الحال في التجربة الديمقراطية الجزائرية التي أفرزت في أوائل تسعينيات القرن الماضي، وصول الإسلاميين واحتمال فوزهم في الجولة الثانية من الانتخابات، والتي عاجل الغرب إلى دعم الحكومة التي يساندها الجيش ضد وصول الإسلاميين للسلطة، التي أشعلت حربا أهلية حصدت أرواح أكثر من 150 ألف شخص، وأصبحت التجربة الجزائرية كابوساً أحبط الجزائريين والمغرب العربي خلال العقدين الماضيين، ولكن ما حدث في تونس سيبعث روح التفاؤل مرة أخرى في الجزائر، وربما تخوض الجزائر تجربة مماثلة، كما أن الدولة الأخرى المجاورة لتونس ستكون بلا شك مؤهلة هي الأخرى لانتفاضة شبيهة بما حدث في تونس وهلم جرا في الشمال الإفريقي. فبالنظر إلى الشرارة الأولى التي غيرت الأوضاع في تونس، فإنها كانت برقيات السفارة الأمريكية في تونس التي نشرها موقع ويكيليكس، وذكرت وجود مشكلات وفساد متنام، خصوصا في قطاع الأعمال التجارية الخاصة، أو كما نعتتها السفارة الأمريكية في تونس بـ''عصابة'' عائلة الرئيس التونسي السابق و''الجشع المروع والفساد المستشري'' في أوساط المقربين من الرئيس التونسي السابق. لقد كانت تلك البرقيات المنشورة في موقع ويكيليكس الإلكتروني وتناقلته الـ''نيويورك تايمز''، ومعظم الصحف الأوروبية، بالإشارة التي فهمها الشعب التونسي بأن الرئيس التونسي السابق لم يعد يحظى بالدعم الأمريكي أو الفرنسي الذي كان يحظاه في السابق، وانتهى دوره بنجاحه في إقصاء الحركات الإسلامية، وتحصين تونس من القوى الإسلامية من السياسة التونسية، لقد بدأت المطالب الشعبية التونسية بإيجاد وظائف للعاطلين عن العمل ثم استمرت برفع سقف مطالبها وهروب بن علي، ولا زالت المطالب مستمرة إلى أن يتم القضاء على رموز السلطة السابقة ورجالاتها. أما الشرارة الأولى في مصر فكانت عبر التواصل الاجتماعي الذي بدأه الشاب المصري وائل غنيم، مدير شركة جوجل في الشرق الأوسط، والمتزوج من أمريكية. لقد كانت البرقيات التي نشرها ''ويكيليكس'' توضح أن الغرب لا يزال على نهجه، ولا بد من الوقوف عند هذه الظاهرة أي الـ''ويكيليكس''، التي نكاد أن نجزم بأنها أم المؤامرات. لقد تم استخدام الـ''ويكيليكس''، ومن خلال الـ''ويكيليكيس'' تم إثارة وتوجيه الرأي العام العربي توجيهاً يكاد يكون مباشراً لمن ترغب أمريكا في توجيه التغييرات له، وإلا لماذا لم نسمع بأي تسريبات تخص إسرائيل أو الأنظمة التي لا ترغب أمريكا بتغييرها؟ يبدوا أن مؤامرة الـ''ويكيليكس'' أو أم المؤامرات، بدأت بعد أن كشفت التسريبات في مراحلها الأولى بخصوص الجرائم في العراق وأفغانستان، التي لا نشك في أنها حقيقية، ولكن بعد أن اكتشفت أمريكا تلك التسريبات في مراحلها الأولى استمرت في التسريبات الموجهة، وكأنها لا تعلم بتلك التسريبات، وبدأت توجهها بقدر ما كانت ''سايكس بيكو'' مؤامرة مدروسة أطلقت الشرارة لتقسيم الوطن العربي. إن سنة الحياة هي في التغير، والأيام دول تتداول بين الناس وأدرك الغرب ذلك وامتطى صهوة التغيير لتوجيهه، كما يريد، كما هي الحال في ''سايكس بيكو''، والآن الــ''ويكيليكس''. إننا بالفعل نشعر بالهبوب من حولنا، التي نرجو ألا تكون عواصف، حيث إنه بالنظر إلى أمورنا نحن هنا في هذه البلاد الطيبة الطاهرة، فإن نقطة انطلاقتنا يجب أن تكون من منطلق الأساس الأزلي، وهو الحفاظ على السلم والأمن الاجتماعي، مهما كلفنا الأمر من تضحيات، كون أن الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان نعمتان لا تدركان إلا بعد زوالهما. لذا فالواجب يحتم علينا ككتلة واحدة قيادة وشعباً نتفاعل مع بعضنا بعضا، ونواجه تلك التحديات العظيمة بشفافية مطلقة تفادياً للقلاقل، ووأداً للفتن ما ظهر منها وما بطن. إن سقوط أكبر دولة عربية، أي مصر العروبة، وما يجري الآن من فتن وقلاقل تدور حوالينا بدءا بالعراق الممزق منذ سبع سنين، وما يحدث الآن في الأردن، وفي البحرين، وفي اليمن، وفي ليبيا لهي أمور خطيرة جداً، ولا يجب أن نتجاهلها، فكما يقال: إذا حلقت لحية جارك بدون قبوله، ولم تفعل لنفسك شيئا احترازياً فرطب لحيتك استعدادا لحلاقتها رغماً عنك. لذا فيجب علينا قيادة وشعباً أن نواجه الحدث بالقوة ذاتها، وعلى الصعيدين الخارجي والداخلي. فمن الناحية الخارجية يتوجب علينا صد ذلك الهجوم الخارجي على أمننا واستقرارنا من خلال التركيز على المعاملة الغربية وغير المتوازنة، والكيل بمكيالين بين تمييز الكيان الإسرائيلي من جهة والإهانة لكل ما يتعلق بالعرب وحقوقهم المشروعة في العيش بسلام، وألا يسمح لهم بإثارة الفتن والضغائن بين أبناء الشعب، وبأي عذر كان. فالفتن لم تمت منذ أن خلق الله الأرض، وما عليها ولكنها نائمة وفي سبات عميق، وقد لعن الله من أيقظها أو حتى من يحاول إيقاظها، وها نحن نرى التدخلات الخارجية والإعلام الموجه البغيض يوقظ الفتن بلداً تلو الآخر، ولكن ليس في إسرائيل التي هي أم الفتن، ولكن العالم يرضخ لشعارها بـ''عدم الإزعاج''. وعلى الرغم من أننا لا نريد خلق صدامات مع هذا وذاك، ولكننا أمام مطلب تاريخي وهو وجوب مراعاة الشعور العربي بشكل عام وعدم الكيل بمكيالين أو التدخل في أمورنا بعذر حقوق الإنسان، والحق في الحياة للعرب مهدور في فلسطين الغالية. وهذا بالطبع ليس تبريراً لظلم الأنظمة التي حظيت بدعم الغرب لها حين من الدهر، ولكن رفضاً لفجائية التغيير في المواقف وبث الفوضى التي يطلقون عليها ''الفوضى الخلاقة''. نحن مع الإصلاحات الفورية، ولكننا ضد إثارة الفتن والقلاقل، ولو كانت خلاقة أو إبداعية. إن المتمعن جيداً في التاريخ لا يساوره أي شك بأن آفاق أي فتن أو قلاقل في جزيرة العرب مهد الإسلام والمسلمين سيترتب عليه قلاقل وحروب عالمية ولا محالة حتمية سقوط الحضارة الغربية برمتها. أما على الصعيد الداخلي، فإن الكيفية التي يجب علينا قيادة وشعبا أن نعي لها وبلحمة وطنية متماسكة ووحدة واحدة، فهي التعامل مع تلك الظروف الاستثنائية بمبادرات استثنائية ترقى للتعامل مع الحدث نفسه، وأول تلك الأمور هي سرعة رفع معاناة المواطنين في أموره الأساسية، وذلك بالدعم المالي المباشر، ولتكن 100 ألف ريال لكل أسرة سعودية، وكذلك توزيع منح أراض لجميع المواطنين الذين لم يمنحوا إلى الآن، وتسهيل القروض العقارية لمن يرغب في الشروع في البناء. كما أنه لا يضار بأن تفتتح جميع الملفات بروح من التعاون والشفافية المطلقة، ونواجه تلك التحديات التاريخية بروح عصرية وبشفافية مطلقة لا يكون فيها أحد منا غالباً أو مغلوب، بل التفاهم سيدنا، والعقل هو حكمنا، والأمن هو إطارنا، وذلك من خلال تكوين لجان تظلمات في الأحياء الرئيسة في مدن وقرى السعودية، وذلك للنظر في جميع تظلمات المواطنين، ورفع مرئياتهم عن كل مظلمة بعد دراستها فوراً، وفي خلال مدة لا تتجاوز أسبوعا لصاحب الشأن من الوزراء والمسؤولين. وتتكون كل لجنة من أعضاء معينين من تلك الأحياء ومعروفين بورعهم، ويتخذون من المساجد أو المدارس مقراً لهم. أما على المديين المتوسط والبعيد فهو البدء بوضع الآليات التي تضمن الشفافية والمحاسبة لحل الأزمات الحالية والمستقبلية، ويتبين من تجارب الشعوب الحضارية الأخرى بأن قوة شعوبها وتماسكها ونموها نابعة من الشفافية والمحاسبة التي هي نتاج التطبيق الفعال لمشاركة أفراد المجتمع في صنع القرار الذي يمس المواطن ومراقبة تنفيذه بشكل منظم وبشفافية فعالة تقضي على الهدر والخلل الإداري والمالي وضمان التوزيع العادل للثروات القومية على أبناء الوطن مما يكفل بناء مجتمع متماسك سليم وبلحمة وطنية محصنة ـــ إن شاء الله ـــ من الفتن والقلاقل ومن التدخلات الخارجية.
إنشرها