Author

مواجهة التحديات الحالية.. على قدر أهل العزم تأتي العزائم (1 من 2)

|

رئيس المعهد الدولي للطاقة والبئية والتوقعات الاستراتيجية

[email protected]

 

تواجه شعوب المنطقة الآن تحديات عظيمة وفتنا وقلاقل ومحنا عصفت ببعضها وتعصف بالبعض الآخر. إن قوة التحديات ''الاستثنائية'' الحالية والمتراكمة التي تواجهنا الآن توجب مبادرات عاجلة وشجاعة و''استثنائية'' تكون معاكسة لتلك التحديات في الاتجاه والقوة. الأوضاع التي تمر بها دول العالم خلال الـ 30 عاماً بدءاًًً بسقوط الشاه ثم الغزو السوفياتي لأفغانستان, الذي أدى إلى سقوط أعظم إمبراطورية عالمية آنذاك، ومروراً بغزو العراق للكويت, الذي أدى بدوره إلى سقوط أقوى دولة إقليمية في الشرق الأوسط أمام الغزو الأمريكي للعراق والذي كذلك أدى بدوره إلى حدوث أكبر أزمة مالية شهدها التاريخ وتسبب في زلزلة النظام الرأسمالي بجملته ونتج عنه إفلاس قوى اقتصادية عالمية ومعانات معيشية لأكثرية دول العالم بشرائحها الفقيرة والمتوسطة, ما تسبب في إلحاح المجتمعات لإعادة النظر في توزيع الثروات توزيعاً عادلا, ما تسبب في إحداث شروخ في النسق الاجتماعي وزعزعة في الأنظمة القائمة وسقوط البعض منها. وها نحن أمام منظر مرعب ومخيف وهو تساقط الأنظمة العربية واحدا تلو الآخر بشكل منهجي ومريب وبتدخل خارجي مبطن بعد أن واجه الهزائم بالتدخل المباشر كما هو الحال في العراق، وظاهر هذا التدخل هو الحفاظ على حقوق الإنسان (وكأن الشعب الفلسطيني ليس لهم حقوق أمام المارد الإسرائيلي كونه شعبا مختارا، أما باطن هذا التدخل الغربي فهو إثارة الفتن والضغائن بين الشعوب العربية أنفسها, لكن في الحدود التي شكلتها مؤامرة سايكس بيكو ووعد بلفور. كل هذه الأمور المتسارعة الحدوث التي نحن في قلبها تدل على أننا أمام أوضاع استثنائية جليلة وخطط استعمارية جديدة ومفصل من المفاصل التاريخية العظيمة, التي لا محالة ستغير الاتجاه التاريخي الذي يمر به العالم بوجه عام والوطن العربي بشكل خاص. العوامل المشتركة بين بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كثيرة وتكاد تكون متطابقة ويأتي على رأسها البنية السكانية الشبابية والسريعة النمو، وتفشي البطالة بينها لعدم توافر الأعمال لها في ظل غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأزمة في الإسكان وفساد متفش وقلة التمثيل السياسي لشرائح المجتمع، وفرض رقابة صارمة على مواطنيها فيما يخص التعبير أو انتقاد النظام الإداري. في تلك المجتمعات التي يحكمها حكام همهم فقط الاستمرار في الحكم، هذا بشكل عام، كما نرى بعض بلدان الشرق الأوسط التي توصف نفسها بالجمهوريات أو الجماهيريات وتفاخر بإرثها التاريخي ''الثوري'' التقدمي نراهم يحتكرون الجاه والسلطة بشكل شبه كامل. في ظل تلك الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة لا بد أن تتحول مشاعر الإحباط الشديد عند المواطنين إلى حركة احتجاجات واسعة النطاق تلهبها وتكرسها تقنية الاتصالات الحديثة وعالم الإنترنت والبث الإعلامي الحي الذي يتيح لهم تغيير حياتهم البائسة من خلال العمل السياسي والمشاركة في المظاهرات السياسية. فلا يزال يوجد حكام في المنطقة يوصف بعضهم بأنهم أقدم حكام في إفريقيا والشرق الأوسط، ومن أكثر الحكام استبدادا ويمنع منعاً باتاً وعلى نحو صارم أي احتجاجات مهما كان نوعها، وبدل أن يتعظوا من الأحداث التونسية قاموا وبشكل سافر وتعابير مضحكة تنم عن شدة الذعر والخوف، بالتهجم على الشعب التونسي وأن انتفاضة الشعب التونسي ''جعلت من تونس الخضراء فحمة سوداء''، فلا يجب عليهم تصديق ''الكلينيكس'' أي ''الويكيليكس'' أو الإنترنت، وأنه ''ليس هناك أفضل من الزين'' أي (زين العابدين بن علي) لحكم تونس, وهذا بالطبع ناجم عن الخوف والذعر الشديدين من حتمية التغييرات المجاورة. نجاح الشعب أم تخلي الغرب؟ إن الاحتجاجات التي حدثت في تونس وأزاحت زين العابدين بن علي عن السلطة تفرض علينا طرح سؤال مهم وهو: لماذا لم تسفر تجربة الجزائر التي شهدت عام 1988 ''ثورة سلطة الشعب'' عن طرد السلطة الجزائرية كما هي الحال في تونس؟! يبدو أن شعوب المنطقة كافة على قناعة تامة بأن العامل الخارجي والدعم السياسي الغربي من عدمه هو معيار البقاء أو الفناء للأنظمة السياسية المستبدة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وبدأ يتضح جلياً أن الغرب على استعداد لإيقاف الدعم عن تلك السلطات المستبدة والسماح لشعوب المنطقة بالتحرر من سلطانها المستبد القمعي الذي يفرز التشدد والتعصب، يشرط أن تحصن الشعوب نفسها من المد ''الإسلامي المتطرف'' الذي لا يخفي عداءه للغرب، إضافة إلى أجندتهم الإقصائية واستفرادهم بالسلطة وتقويضهم الديمقراطية التي أوصلتهم إلى السلطة.
إنشرها