Author

ملايين التأشيرات.. لوظيفةٍ واحدة!

|
.. أتقدم بطلبٍ لوزارة العمل، نرجو الموافقة عليه لأنه لن يؤذي سياساتِ السعودة، ونعدهم أنه لن يُفرح رجالَ الأعمال (لا قدّر الله). ولأنه لا جدوى من توظيف سعوديٍّ عليها، فهي ليست وظيفة منتجة، وليست مهمة مرموقة، ولا تتطلب خبرة، وليست حتى قابلة لأن تتطور، أو أن يُفتح من أجلها المعاهد أو مراكز التدريب، إنها تأتي هكذا مع كثير من الناس كإضافةٍ لازمة، وتأتي مع البعض الآخر إكسسواراً معروضا للاختيار. ولكني أرجو أن تتفهم الوزراة أننا سنحتاج لملايين التأشيرات.. كلها تحت مسمى واحد. وهي لن تخسِّرنا في النهاية حتى لو تم تحويل أموالها للخارج، لأنها ستعطينا كأمّةٍ وكشعبٍ مزيداً من الوقت لنعمل، ورحابة من الراحة النفسية لنفكر، وإرادة عقلية كي نركز.. وتعرف وزارة العمل بطبيعة عملها كما نحسب، ومن حكمة العقول الكبار التي تقوم بتسييرها، أن معادلة طرفها عمل + فكر + تركيز، فإن في الطرف الآخر لابد أن يكون: الإنتاج والتقدم. تسألوني ولكن كيف سيتأتّى لنا هذا؟ كيف نستطيع يا أخانا أن نعمل وفي قلوبنا الكثير من الحسرة، كيف نفكر وفي أذهاننا كثير من اللوم، كيف نركز والشكوى تشتت ما يبقى من نشاط أدمغتنا.. فأقول لكم: بالضبط! بالضبط، هذا ما نحتاج إليه من واقع هذا اللوم وهذه الحسرة وتلك الشكوى.. فأوقاتنا وعقولنا يأكلها التذمّرُ، فأكثرنا، وأنا من الذين يستحقون جائزة خاصة في هذا، يصرم وقته في التذمّر، فلا يبقى وقتٌ للعمل، ولا حماسةٌ للتفكير، ولا قدرةٌ على التركيز.. لأن التذمرَ يلاحقنا كظلـِّنا.. أو أنه الشبح الذي نراه أحيانا يطاردنا، وفي معظم الأحيان لا نراه ولكنه كالريح يلامسُ مسامَّنا من كل الجهات. إن أكبر عصاً تلجم عجلة التطور الاجتماعي لدينا هي عصا التذمر، وتروسنا لا تسير كما هو موصوف بكتيّب التشغيل، لأن التذمرَ يقف بين التروس فيجفف زيتـَها. ولكن.. هل نحن مُحِقـّون في التذمر، أم واهمون؟ هل نحن نتذمر من مشكلات ضئيلةٍ ولكننا نكبّرها، أم من مشكلات حقيقية بحجم مرادم السدود؟ سؤالٌ يحتاج طاقة أخرى من التذمر.. ولكني مستعينا بالله سأنضو عني غطاءَ التذمر للحظات، لأجيب.. لا، قد نكون محقون فعلا في كل شكوى، وفي كل حسرة.. فالقصورُ واضحٌ في أكثر من مجال، ولا يعني هذا أن تروسَ الأمّة لا تعمل، ولكنها لا تعمل كما يجب، بل إن بعض التروس تعمل ولكن بطريقةٍ معاكسةٍ فتعطل باقي التروس أو تحاول تكسير أطرافها.. أو أن بعضَ التروس تدور وتدو تدور، ولكن تماما مثل جنزير العجلة الهوائية عندما ينفرط من ترسيه فيدور ويدور، ولكن.. بلا ملمترٍ واحد للأمام. وفي طريقٍ يجب أن يُستمر في الصعود إليه، فإن دوران الجنزير في الفراغ لن يوقف العجلة.. يا ليت، بل إن الطريقَ الصاعد هو أيضاً منحدر أيضا في ذات الوقت.. لذا فإن العجلة لا يمكن أن تقف، حتى لو أردنا لها إيقافا، فهي ستتراجع إلى الخلف بطاقة الجذب الحُرّة.. ثم سنتذمر لأن عندنا التروس وعندنا العجلة وعندنا الدراجة ولكنها لا ترتبط معا بأجزائها فتعصي أحلام الأمة للنهوض، أو التقدم أو السباق مع بقية الدراجات في طرق الحياة الصاعدة. ولكن.. ليس هذا مبرِّرا، فمع أن معظم تذمرنا هو من تجارب مُعاشة ودلائل متحقِّقة، فلسنا مصابين بالذهان، ولا رعب التشاؤم، إلا أن هذه الصفة وإن كانت تثبت صفة أهليتنا الذهنية السليمة.. إلا أنها لا تشكل في النهاية إلا عبئاً جديدا على أعباء، إلا ثُقلا على أثقال.. إلا سهماً جديدا يتكسر فوق كومة سهام.. لماذا؟ لأنها أخذت منا عافية التفكير، واستلت منا غريزة أن نفكر في الحلول واختراع الحلول بما أن الحاجة أم كل اختراع. لذا لا نرى حلاًّ إلا باللجوء لوزراة العمل للموافقة على طلبنا بعدة ملايين من التأشيرات.. ولكن ستسألنا وزراة العمل المنضبطة بخانات تقديم الطلبات لملء خانة: "اسم الوظيفة." حسَنٌ، اسم الوظيفة: "متذمّر". نريد الموافقة على استقدام ملايين المتذمرين، ويكفي متذمرٌ واحد لكل عائلة لا يتعدى عدد أعضائها ستة متذمرين حاليين.. لذا والواحد منا يقود سيارته سكون بجانبه متذمر بالتناوب لكي يتذمر من المطبات والحواجز والمنعطفات غير الموجهة وخلافه، ولما تأتي مواسمُ الجامعات المدارس يكون هناك متذمرون أجانب على الأبواب لينشدوا كل قصائد التذمر ضد المشكلات التي نتوقعها كل مرة، ثم تحدث كل مرة! وهكذا. ويُمنع (طبعاً) منعا باتا التستّر على المتذمرين، فيجب أن يوكل مشاريع العمل التذمري جهارا بعين النهار.. ولن نأبه لمنظمة حقوق الإنسان، فالمتذمِّرُ المستقدَمُ يجب أن يكون شغّالا لمعظم اليوم، إن لم يكن كله! ولما تنتقل وظيفة التذمر من عندنا إلى متذمرين بالتعاقد.. سنحقق المعادلة التي طرفها التفكير والتركيز والعمل.. وطرفها الآخر: الإنتاج والتقدم! يوووه، انتهت الصفحة ( متذمراً!)
إنشرها