Author

أيتها السحابة .. شرّقي أو غرّبي فسوف يأتيني خراجك

|
تجربة فريدة ونتائج مبهرة حققتها المصارف المتوافقة مع الشريعة سواء من حيث الانتشار، فلا توجد قارة أو دولة إلا وفيها مصرف أو فرع أو منفذ يقدم الخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة، بل يسعى عديد من دول العالم للفوز بأن تكون مركزا للمصرفية الإسلامية، ليس هذا فحسب فهناك زيادة غير مسبوقة في موجودات وأرباح تلك المصارف، بل أكثر من ذلك واقع المصارف المتوافقة مع الشريعة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية يشير إلى أنها كانت الأفضل أداء، وقد تجاوزت الأزمة بأقل حالات من التعثر، هذه النجاحات دعت كثيرين العالم للمطالبة بتطبيق هذا النهج للاستفادة من أخلاقيات الاقتصاد الإسلامي، أليس أحرى بنا أن نسعد بأن التجربة ولدت ونجحت في دولنا الإسلامية؟ أعتقد أن من صالحنا أن ينعقد عزم المخلصين للفكرة للاهتمام بتطبيق التوصيات المعتبرة التي تخرج من الندوات التي تهتم بصناعة المصرفية المتوافقة مع الشريعة دون النظر إلى مكان صدور تلك التوصيات .. «أيتها السحابة .. شرّقي أو غرّبي فأي الأماكن تمطريها سوف يأتيني خراجك». وأشير إلى رأي وشهادة المنظمات العالمية المعنية بالمصارف والاقتصاد في المصارف المتوافقة مع الشريعة التي ترى أنه بالرغم من حداثة التجربة إلا أنها أصبحت تمثل أمرا واقعا في الحياة المصرفية المحلية والدولية، وذلك بعد أن شقت طريقها بصعوبة في بيئات مصرفية، بعيدة في أسسها وأنظمتها وآليات العمل فيها عن الروح والقواعد التي تدار بها المصارف الإسلامية. تبين في الأونة الأخيرة أن البعض من الباحثين أو المهتمين «بصناعة المصرفية المتوافقة مع الشريعة» تتعالى أصواتهم وتزيد تساؤلاتهم وكتاباتهم حول: لماذا أنعقد هذا المؤتمر أو المنتدى في هذه الدولة أو تلك.. وكان أحرى أن ينعقد في دولة ما.. سأنجو بنفسي ولن أتطرق إلى فقرات من تلك الكتابات أو الاعتراضات، إلا أنني سأنحو منحى آخر يتمثل في نقل أجمل ما كتب في الموضوع في رسالة من الغيورين على صناعة المصارف الإسلامية وأعطي لنفسي الحق في نقل أجزاء منها، حيث جاء فيها «نحن وطننا الإسلام وإن ابتغينا غيره فقد ضللنا الطريق والتجربة المصرفية الإسلامية بما فيها من مزايا أو قصور، إلا أنها تعتبر تجربة فريدة ومن واجبنا العمل على التصحيح .. فالكمال لله وحدة .. وأن كنا ننشده في تطوير المعاملات - الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها. فماذا يضير لو أخذنا جميعا من التجربة السعودية، أو المصرية، أو الماليزية، أو غيرها وصوبنا ما فيها من أخطأ وسددنا فجوة قصورها، أليس لنا الأجر في ذلك؟ بل لما نأخذ هذا المنحى فإن مصارفنا المتوافقة مع الشريعة بدأت في الانفتاح على العالم بفتح مصارف مستقلة أو فروع لها .. ألا تمثل تلك الخطوة نجاحا! ولنستفد من الوقت في تقييم التجربة في مجملها، دون التفاف وتحايل واستغلال عاطفة الناس، ولنعمل متفائلين .. ولنعلم أن كثرة السقوط تعلم الوقوف، ولننظر إلى نصف الكوب المملوء عند الانتقاد، وأن يكون النقد من أجل تصحيح المسار، ونعترف بأننا نواجه عقبات وتحديات يجب العمل على تذليلها أو ستكون الصيرفة المتوافقة مع الشريعة مهددة بمخاطر فقدان الثقة، ويكفينا فخرا أن ديننا يحض على المحافظة على المال شأنه شأن باقي الأصول الخمسة (الدين، النفس، العقل، النسل، المال)، وبدلا من أن نضيع الوقت في التقسمات والشرذمة فلنشحذ الهمم في تبنى آليات واستراتيجيات لتأسيس مزيد من مؤسسات البنية التحتية الداعمة للمصارف الإسلامية كإحدى الأدوات الداعمة، مثل إنشاء مجلس أعلى للفتوى يتكون من صفوة من شيوخنا وعلمائنا ذوى المعرفة الرفيعة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية، ليسهم في إثراء القرارات الشرعية. كذلك تطبيق معايير المحاسبة والمراجعة وقواعد السلوك المهني الصادرة عن الجمعيات والهيئات الإسلامية ذات العلاقة بهذا الشأن، وتفعيل دور المؤسسات التي تتولى التحقق من الالتزام بالمعايير والضوابط الشرعية. وأذكركم .. من منا لا يعرف المهاجرين والأنصار وفضلهم الكبير على الإسلام ولكن عندما اختلف رجلان مع بعضهما نادى المهاجر قال: يا للمهاجرين ونادى الأنصاري: يا للأنصار وأريد بذلك التحزب، فسمع ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم فقال ما بال دعوى الجاهلية، وفي الحديث أيضا قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دعوها فإنها منتنة. وإذا نظر الناظر إلى العالم الإسلامي من زوايا مختلفة يرى أن دعوى الجاهلية قد انتشرت وتوزع فسادها في بعض المجالات، وتشرذم وتخبط، فلنخرج أنفسنا من سجن التقسيم وضيق الأفق فإن الفرقة أساس الضعف وأساس استعباد الدول القوية لنا.. قال تعالى «إِنَّ فِرْعَوْنَ علا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» القصص4. نعم لقد نهى الإسلام عن الفرقة ودعا إلى الاجتماع .. أما الفرقة والشرذمة والتقسيمات التي ما أنزل الله بها من سلطان .. حتى في المصرفية! «دعوها فإنها منتنة»، ولنتفق على أن السحابة سواء شرقت أو غربت فسوف يأتينا جميعا خراجها.
إنشرها