Author

حماية المستهلك في العقود الدولية

|
لقد ظهرت في الواقع العملي للتجارة الدولية مصطلحات لعقود أطلق عليها الفقه القانوني تسمية عقود الاستهلاك Contrats de consummation, وهي عقود تقليدية في حقيقتها؛ لأن كل مشتر لسلعة هو مستهلك لها. ولكن اقترن بهذا النوع من العقود جانب التدخل التشريعي لحماية الطرف الضعيف فيها, عندما يكون موضوعها توريد أو تقديم أشياء منقولة مادية أو خدمات للغير وهو المستهلك, وذلك من أجل استخدامه الشخصي أو العادي, والذي لا صلة له بنشاطه التجاري أو المهني. والحكمة من تمييز هذا النوع من العقود وتسميتها بهذا المصطلح هي الرغبة في حماية المستهلك في ظل تنوع السلع والخدمات, وإغراق الأسواق المحلية والدولية ببضائع ومنتجات ضخمة, مع الضغط الإعلامي, والهجوم المتواصل بالوسائل المسموعة كافة, والمقروءة, والمرئية من المنتجين والموزعين, من أجل الترويج إلى تلك السلع والخدمات, لحث المستهلك على شرائها. حتى أن شبكة الإنترنت أضحت من أهم الوسائل الدعائية للسلع والمنتجات, فقد بلغت نسبة العمليات الدعائية للسلع والخدمات نحو 25 في المائة من مجموع العمليات التجارية التي تتم على تلك الشبكة. والسؤال الذي يُطرح بعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية TWO: هل هنالك وسائل لحماية المستهلك في هذا النوع من العقود الدولية؟ يتضمن القانون الدولي الخاص بالعقود الدولية قواعد لحماية أطراف هذه العقود, من خلال النص على منح القضاء الوطني سلطة الفصل في المنازعات الناشئة عنها في حالات معينة, منها حالة كون المدعى عليه يتوطن أو يقيم في الدولة, وحالة الاتفاق بين أطراف العقد على منحها الاختصاص بنظر المنازعة, أو إذا تم إبرام العقد أو تنفيذه في الدولة. وهذا ما يأخذ به نظام المرافعات الشرعية السعودي في الباب الثاني في المواد 25 و26 و28, حيث تختص المحاكم السعودية طبقاً لهذه المواد إذا كان للمدعى عليه محل إقامة عام أو مختار في المملكة, أو إذا كانت الدعوى متعلقة بالتزام تُعتبر المملكة محل نشوئه أو تنفيذه, أو إذا قبل المتداعيان ولايتها, ولو لم تكن داخلة في اختصاصها. والحقيقة أن هذه النصوص وتلك القواعد لا تحقق حماية كافية للمستهلك في عقود الاستهلاك الدولية, وذلك بالنظر إلى أنها تحمي المدعى عليه, والذي يكون في الغالب هو المنتج أو الموزع أو البائع للسلعة أو مقدم الخدمة, أما المستهلك فيكون غالباً هو المدعي لأنه يُضار من السلعة أو المنتج الذي حصل عليه. ولهذا فإن بعض القوانين الحديثة تُضيف نصاً خاصاً إلى جانب النصوص التقليدية, بمقتضاه تحمي المستهلك في عقود الاستهلاك, مثالها المادة 114 من القانون الدولي الخاص السويسري لعام 1987م الذي يُعطي للمستهلك الحق في رفع دعواه باختياره أمام محكمة موطنه أو محل إقامته العادية أو أمام محكمة موطن مقدم السلعة أو الخدمة, وعند غيابه أمام المحكمة التي يقيم هذا الأخير في دائرة اختصاصها. بل إن هذه المادة قد ذهبت, في سبيل تأكيد الحرية للمستهلك والعمل على كفالة حمايته, إلى عدم فاعلية شرط الخضوع الاختياري للمحاكم, فقررت أنه لا يسوغ للمستهلك أن يتنازل مقدماً عن اختصاص محكمة موطنه أو محل إقامته العادية. وهذا ما أخذت به اتفاقية بروكسل المبرمة في 27 أيلول (سبتمبر) 1968م والمتعلقة بتحديد القانون الواجب التطبيق على الالتزامات التعاقدية بين دول السوق الأوروبية المشتركة في المادة 13, بل إنها تُجيز كذلك اختصاص محكمة موطن المستهلك, إذا كان إبرام العقد قد سبقه في دولة موطن المستهلك تقديم عرض خاص أو إعلان, أو إذا كان المستهلك قد قام في تلك الدولة بالأعمال اللازمة لإبرام العقد. وتُضيف في مادتيها 14 و15 أنه لا يُمكن رفع الدعوى على المستهلك من الطرف الآخر المتعاقد معه إلا أمام محاكم الدولة المتعاقدة التي يتوطن بها المستهلك, ولا يجوز الخروج على قواعد الاختصاص السابقة إلا باتفاق لاحق على نشأة النزاع , أما قبل ذلك فلا. وفي ضوء ذلك فإننا نرى أنه بعد الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية, والانفتاح على الأسواق الدولية, واقتحام المنتجات الأجنبية للأسواق الوطنية, إن حماية المستهلك في العقود الدولية أضحت أمراً ضرورياً, وأن تلك الحماية تتطلب وضع نصوص تحمي المستهلك, بحيث تنص على اختصاص المحاكم السعودية بالفصل في المنازعات التي يكون المستهلك طرفاً فيها, متى كان له موطن أو محل إقامة في المملكة, وذلك خروجاً على القواعد العامة للاختصاص القضائي الدولي التي يقررها نظام المرافعات الشرعية, ولاسيما أن هذا الاتجاه الرامي إلى حماية المستهلك تأخذ به القوانين الحديثة والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية السوق الأوروبية المشتركة المشار إليها, ولا يتعارض مع التزامات المملكة طبقاًً لاتفاقيات منظمة التجارة الدولية, إذ لا يُمكن أن يُتصور أن يُكلف المستهلك بأن يذهب إلى دولة أخرى ليرفع دعواه على تاجر أجنبي مقيم هناك, فموارد المستهلك وإمكانياته الاقتصادية لا تُمكنه من ذلك, ومن ثم فإن تكليفه برفع دعواه ضد منتج السلعة أو موردها الأجنبي قد يقعده عن طلب حماية حقوقه, مما يُعد نوعاً من إنكار العدالة, ويجعل أية محكمة خلاف محكمة موطنه أو محل إقامته محكمة غير ملائمة, فهل يُمكن إضافة نص إلى نظام المرافعات الشرعية على هذا النحو يحمي المستهلك السعودي في العقود الدولية؟
إنشرها