Author

منظمة «أوبك» .. 50 عاماً حافلة بالأزمات والإنجازات

|

رئيس المعهد الدولي للطاقة والبئية والتوقعات الاستراتيجية

[email protected]

 

بحلول شهر أيلول (سبتمبر) من العام الجاري تحتفل منظمة الدول المصدرة للنفط والمعروفة اختصارا بمنظمة ''أوبك''، بمرور 50 عاماً على تأسيسها من خلال مؤتمر عقد في بغداد بين الـعاشر والرابع عشر من شهر أيلول (سبتمبر) 1960م. ومنظمة ''أوبك'' هي كيان قانوني دولي تم إنشاؤه بمقتضى مبادرة من أطرافه من الدول ورغبه منهم ليكون كيانا مختصاً ومستقلا عن كل دولة عضو فيه ليحقق أهدافهم وسياساتهم الجماعية، وتم إبرام المعاهدة أو ''عقد تأسيس أوبك'' بيت خمسة بلدان مؤسسة تمثل أهم الدول المصدرة للبترول في ذلك الحين، وهي المملكة العربية السعودية وإيران والعراق والكويت وفنزويلا. ثم زاد عدد الأعضاء فيما بعد تباعا من خمسة أعضاء إلى 13 عضواً، بعد انضمام كل من قطر عام 1961م، ثم إندونيسيا عام 1962م ومن ثم انسحابها عام 2009م بسبب تلاشي الفائض من إنتاج الخام للتصدير، تلتها في الانضمام ليبيا 1962م، ثم الإمارات العربية المتحدة 1967، والجزائر 1969، ونيجيريا 1971م، والجابون 1975 - 1994م، وأنجولا 2007م، والإكوادور التي بدورها انسحبت من المنظمة عام 1992م احتجاجاً على نظام الحصص في المنظمة قبل أن تستعيد عضويتها خلال قمة ''أوبك'' الثالثة التي عقد أخيراً بالرياض، ومن المتوقع في المستقبل القريب انضمام كل من سوريا والسودان والمكسيك ومصر وبوليفيا وربما روسيا. والاتفاقية لتأسيس منظمة أوبك مثلها مثل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية الأخرى والمنشئة للمنظمات الدولية، أي أن معاهدة منظمة أوبك تمت وفقاً للنظام الدولي وبموجب المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة، والمعاهدة التي أنشأت أوبك ذات طبيعة مزدوجة أي أن لها وجها دوليا وآخر دستورياً، فهي من ناحية تعتبر معاهده دولية أنشئت وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وترتب آثارها في مواجهة الدول الأعضاء فقط وليس في مواجهة الدول غير الأعضاء، ومن ناحية أخرى تتميز بطبيعتها الدستورية، كونها القانون الأساسي للمنظمة وبالتالي مقيدة لأعضائها ومحددة لهيكلها وتوزيع الاختصاصات بين فروعها وأجهزتها. وبطبيعة الحال يترتب على المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية قيمتها الدستورية و تبؤوها الصدارة على أية معاهدة أخرى تبرمها الدول الأعضاء في شأن من شؤون المنظمة نفسها، وبالتالي فإن أي تعديل على المعاهدة المنشئة للمنظمة الدولية ــ كقاعدة عامة ــ يخضع لموافقة وتصديق جميع الدول الأعضاء. ويهدف ميثاق منظمة الأوبك إلى تحقيق غايات وأهداف ومصالح دولية مشتركة في المجال الاقتصادي النفطي بين الدول الأعضاء وبالتعاون الدولي بينها لتحقيقها، وذلك من خلال الأدوات والوسائل وممارسة السلطات والوظائف والاختصاصات المنصوص عليها في الاتفاق المنشئ لمنظمة أوبك أو تعديلاتها سواء كانت تعديلات صريحة أو تعديلات عرفية اقتضتها ضرورات الممارسات العملية أو تلك الأدوات والوسائل والممارسات التي توجبها حاجات تحقيق الغايات و الأهداف والمصالح المشتركة المنصوص عليها أو المنوه عنها في اتفاق إنشاء منظمة الأوبك أو أي اتفاق لاحق مكمل أو معدل. ومن سمات منظمة أوبك إضافة إلى ميثاقها وطابعها الدولي، استقلال الإدارة الذاتية، و استمراريتها، وغاياتها وأهدافها العلنية ذات المصالح والتعاون المشتركة بين أعضائها من خلال تبنيها الأساليب والمناهج المشروعة دولياً. ومنظمة أوبك ليست مؤسسة تجارية ولا تدخل في عمليات مادية وتجارية، أو أن لديها نقاط بيع أو ما شابه ذلك كما هي الحال مع الشركات البترولية العالمية، وبموجب ميثاق أوبك، فإن المنظمة تتكون من ثلاثة أجهزة، المجلس الوزاري الذي يمثل السلطة العليا للمنظمة، ويمثله وزراء الدول الأعضاء أو ممثليهم، وينعقد مرتين كل سنة باجتماعين عاديين، وربما أكثر إذا تطلب الأمر دورات غير عادية بناء على طلب أي دولة عضو في المنظمة من خلال الأمين العام للمنظمة الذي يقوم بالتشاور مع رئيس المؤتمر لعقد المجلس الوزاري في دورات غير عادية، ومن ضمن اختصاصات المجلس الوزاري هذا أن يشكل أجهزة متخصصة كلما تطلبت الظروف ذلك، أما الجهاز الثاني للمنظمة فهو مجلس المحافظين الذي بتكون من مندوبين يرشحون من قبل‌ حكوماتهم، والجهاز الثالث هو الأمانة العامة للمنظمة وتتكون من خمسة أقسام رئيسة وتشمل الأمين العام للمنظمة وهو الشخص القانوني المسؤول عن أعمال المنظمة، كما تشمل الأمانة العامة جميع رؤساء الإدارات، وبقية الموظفين من الدول الأعضاء، ويعد موظفيها موظفين مدنيين دوليين، وتباشر أعمالها ونشاطها ضمن حدود النصوص القانونية الخاصة بها في ''دستور المنظمة'' وفي ضوء تعليمات مجلس المحافظين. ومنذ إنشاء منظمة أوبك، لكسر احتكار شركات النفط العالمية والمعروفة اختصاراً آنذاك بـ ''الأخوات السبع''، وهدفها الأساسي هو صيانة الحقوق المشروعه دولياً لأعضائها على ثرواتهم الطبيعية، وتبلورت أغراضها تلك في ''إعلان المبادئ الخاص بالسياسة البترولية في الدول الأعضاء'' عام 1968م، والتي وافق الأعضاء على اتخاذ مجموعة من الخطوات بقدر إمكانية كل عضو، وتلخصت تلك المبادئ في قيام الأعضاء بالتنقيب المباشر عن الموارد الهيدروكربونية وتطويرها، والمشاركة في ملكية اتفاقيات الامتياز القائمة، والتخلي التدريجي والسريع عن المساحات الموجودة في المناطق المتعاقد عليها حالياً، والبدء في وضع قوانين حماية وصيانة من أجل تقيد شركات البترول العاملة في دول المنظمة بها، وتحديد أسعار معلنة أو فرض ضرائب على الأسعار من قبل حكومات الدول الأعضاء في المنظمة، من أجل منع تدهور العلاقة بين أسعار البترول وأسعار البضائع المصنعة التي تتم المتاجرة فيها دوليا. ولقد عززت تلك المبادئ الاعتقاد السائد والمتوقع من الدول الكبرى بأن أوبك هي في حقيقتها تكتل معاد لمصالح الدول الكبرى وشركاتها وأنها لا تعدو كونها منظمة ذات أجندة سرية لتحقيق أهداف وأغراض دولها الأعضاء، كون إنشاءها بحد ذاته يعتبر معادياً لمصالح الغرب وشركاته، وأنه لا يمكن الوثوق بها أو الاطمئنان لها أو لأعمالها وتكرست تلك الشكوك الغربية المعادية لأوبك عندما خيمت غيوم الحرب الباردة بين العالمين الشرقي والغربي، وحجبت الحرب الباردة تطوير العلاقات بين الدول الرأسمالية المستهلكة وبين أوبك وأعضائها من الدول النامية التي في الأساس تسعى حكوماتها لتقليل المعاناة وحالات الفقر والبؤس والجهل والمرض التي تواجهها شعويها في ذلك الحين، وكذلك من أجل تحفيز اقتصادياتها على النمو والازدهار ومن خلال التعاون الدولي، ولسنا هنا بصدد إحصاء وذكر الحوادث والمحطات التي كادت تنهي منظمة أوبك برمتها، ولكن ما يهمنا هنا هو حيادية منظمة أوبك في تعاملها الدولي وعدم انجرافها لأي من القطبين أثناء الحرب الباردة، ومقدرتها على اجتياز كل المحن واستمراريتها وبقائها قوية متماسكة في عامها الـ 50، كما أن المبادئ الثلاثة التي تبنتها منظمة أوبك في قممها الثلاث شاهداً على عدالتها ومصداقيتها وتحملها مسؤوليتها العالمية مع حمايتها لمصالح أعضائها، ففي القمة الأولى لقادة دول أوبك التي انعقدت في الجزائر في (آذار) مارس 1975م، تم خلالها تبني إعلان مبادئ أكدت فيها أوبك على ضرورة إتباع إرشادات جديدة فيما يتعلق بالسياسات البترولية، وذلك في ضوء تغير نمط العلاقات بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، وأنه يتعين على منظمة أوبك، من خلال التشاور والتنسيق مع بقية دول العالم، أن تسعى إلى تأسيس نظام اقتصادي عالمي جديد، مبنيٍ على أسس العدالة والتفاهم المشترك والاهتمام برفاهية جميع الشعوب وازدهارها، أما إعلان المبادئ الثاني الذي تبنته أوبك أثناء انعقاد القمة الثانية في عام 2000م في فنزويلا، فلقد أكدت الدول الأعضاء في المنظمة التزامها بالمبادئ الاسترشادية للمنظمة والعمل على تحقيق نظام واستقرار دائمين في أسواق النفط العالمية بأسعار معقولة وعوائد مجزية للمستثمرين، ولتعزيز دور النفط في مجال الطلب العالمي على الطاقة في المستقبل، مع التأكيد على الرابطة القوية التي تربط بين أمن الواردات وأمن الطلب على النفط وشفافيته، كما أكدوا الحاجة إلى تحسين سبل الحوار والتعاون بين جميع الأطراف العاملة في هذا القطاع وأعادوا طرح موضوع الخدمة التي يقدمها النفط للعالم بصفة عامة، والحاجة إلى ربط واردات الطاقة بالتنمية الاقتصادية والتوافق والانسجام في المسائل البيئية، لغرض المساعدة في رفع المعاناة وتقلبل حالات الفقر التي تواجهها الدول النامية، وكذلك من أجل تحفيز اقتصاداتها على النمو والازدهار، وأخيرا إعلان المبادئ الثالث الذي تبنته القمة الثالثة التي انعقدت في الرياض، حيث أعاد التأكيد على المبادئ السابقة المتضمنة في إعلاني الجزائر وكاراكاس، وعلى الاستمرار في توفير النفط بشكل كاف وموثوق ومناسب للأسواق العالمية، والعمل مع جميع الأطراف من أجل أسواق عالمية متوازنة للطاقة، والتأكيد على أهمية السلام العالمي في تقوية الاستثمار في مجال الطاقة، و تأكيد العلاقة المتبادلة بين الأمن العالمي لتوفير النفط وأمن الطلب، وتقوية وتوسيع الحوار بين المنتجين والمستهلكين للطاقة، واستمرار التنسيق مع الدول الأخرى المصدرة للنفط، وأن تبذل منظمة أوبك جهوداً كبيرة للحفاظ على استقرار أسواق النفط العالمية وذلك من خلال نظام الحصص الملزم. فإضافة إلى هدف أوبك الأساسي وهو حماية مصالح الدول الأعضاء، فهي تكرس جهودها المباشرة وكذلك الجهود غير المباشرة من خلال أعضائها والمتعاونين معها لحماية الاقتصاد العالمي من الهزات المفاجئة في سعر النفط وتوفيره، وهنالك من الأمثلة الكثيرة على تمسك المنظمة بذلك النهج وقدمت الكثير على حساب مصالحها ومصالح أعضائها الآنية، وذلك من مسؤوليتها الدولية وإدراكا منها أن الاقتصاد العالمي هو وحدة واحدة، وكانت على الدوام تؤكد أنها تتبنى إستراتيجية طويلة المدى ترتكز على احترام آليات السوق والتزام أعضائها بضمان استقرار الأسواق النفطية وأنها تعمل بجد مع جميع الأطراف من أجل تأمين استقرار الأسواق النفطية وبأسعار معقولة لا تضر الاقتصاد العالمي وتكون مجزية للمنتج والمستهلك على السواء، وشتان بين أحوال العالم عند إنشاء المنظمة عام 1960م وبين أحوالنا هذا اليوم، فلقد تغيّرت معالم البلدان والحضارات، وبادت بعضها ونهضت أخرى، وتلاشت دول وتكتلات ومنظمات عالمية وتبلورت محلها منظمات أخرى، وأعظم من هذا وذاك تقاربت القارات وأصبحت كأحياء في قرية كونية تكنولوجية، وبقيت منظمة أوبك شامخة منذ إنشائها، وبالرغم من الصعاب والتحديات الجليلة والتي كادت تعصف بها من جذورها. لقد أصبحت منظمة أوبك الآن وعلى رغم ما يحدث من بعض التوترات في العلاقات بين بعض الدول الأعضاء وتباين مصالحهم وعلاقاتهم السياسية، أصبحت الآن أداة استقرار أساسية وبثقل عالمي في استقرار أسواق النفط الدولية ومكوناً اقتصاديا أساسياً في رخاء العالم ونموه، وبالأهمية نفسها ما زال دورها المعلن منذ إنشائها قائم وهو حماية الموارد المالية لأعضائها، وبالأهمية نفسها لم تغفل منظمة أوبك الدول النامية بشكل عام وخصصت لتلك الدول حصة من واردات أعضائها المالية، و من خلال صندوق أوبك للتنمية الدولية ''أوفيد'' الذي أنشأته أوبك لغرض الحد من انتشار الفقر ويولي أهمية بالغة لمسألة تأمين الطاقة للفقراء، حيث ساهم ولا يزال يساهم منذ إنشائه في تمويل عديد من المشاريع المعنية بشؤون الطاقة في بعض الدول النامية وفي تمويل مجموعة من المشاريع في عدد من القطاعات المهمة كقطاعات الطاقة، والصناعة، والتعدين، والتربية، والصحة والزراعة للدول النامية. لقد اجتازت منظمة أوبك كل الصعاب والتحديات وحققت تلك النجاحات بفضل عملها الدؤوب على حياديتها السياسية الدولية وخصوصاً أثناء الحرب الباردة بين العالمين الغربي والشرقي، ونجاحها في إقصاء العنصر السياسي بقدر الإمكان من علاقاتها مع الآخرين ومقدرتها، بل حتى تفوقها في إدارة أعمالها بمسؤولية وبمهنية واحترافية عالية حققت نوعاً من الرضا لكل من المستهلكين والمنتجين على حد سواء وحافظت على مستويات إنتاجها من الخام في حدود إمكاناتها لتحقيق استقرار الإمدادات والأسعار في الأسواق العالمية وعند مستويات مقبولة لطرفي المعادلة، المستهلك والمنتج. إن تنامي دور النفط في التنمية الاقتصادية العالمية منذ بداية القرن المنصرم إلى أن أصبح محركاً أساسياً في الوقائع في بداية السبعينيات، دفع بمنظمة أوبك لمركز الصدارة ولكن بقيت إمكاناتها محدودة في فرض تسعيرة مناسبة لطرفي المعادلة أي المنتج والمستهلك. وكان ارتفاع الأسعار بين الحين والآخر ليس بسبب ''أوبك'' وتقنينها الإنتاج كما يوحي البعض، بل لظروف لا تتحكم أصلاً فيها أوبك، فلنأخذ مثلاً ارتفاع الأسعار عام 2008م الذي بلغ ذروته بالرغم من أن أعضاء أوبك قد بلغوا الحد الأقصى في الإنتاج ولم يكن هنالك تأثير على مستوى الأسعار الذي وصل إلى ما يقارب 150 دولاراً للبرميل، وبالرغم من أن أوبك بلغت حدها الأقصى في الإنتاج إلا أن ذلك لم يمنع الدول الصناعية الكبرى من توجيه اللوم وتحميل المسؤولية وراء ذلك الارتفاع لمنظمة ''أوبك''، بالرغم من أن ارتفاع أسعار البترول هو في حقيقته ناتج عن عدة عوامل خارجة عن سياسات أوبك ويأتي في مقدمتها الانخفاض التاريخي لأسعار النفط بدرجة غير طبيعية في السابق وأوصلتها إلى مستويات متدنية جداً وعلى فترة طويلة من الزمن بلغت أقل من عشرة دولارات أمريكية للبرميل عام 1998م. مما أدى ألى عدم توجيه الاستثمارات اللازمة في الدول المنتجة للحفاظ على القطاع النفطي لقلة المردود، والذي كما شاهدناه أضر بالمستهلكين حين ازداد الطلب على النفط الذي لم يوازيه ارتفاع في المعروض، ناهيك عن الضرر البالغ للدول المصدرة من جراء انخفاض أسعار النفط الذي لا تعكس التضحيات المباشرة وغير المباشرة التي يتحملها المالك من جراء إنتاج أو استخراج مورد طبيعي ناضب. حيث إن الندرة لهذا الاحتياطي تزداد كلما زاد معدل الاستخراج بينما تزداد تكلفة الاستخراج كلما امتد الاستخراج إلى مخزونات أو احتياطيات ذات جودة أو نقاء أقل، فضلاً عن الأسباب الأخرى مثل حجم الطلب المتزايد على النفط من جانب الدول ذات الاقتصادات الناهضة، ولا سيما الصين والهند والمكسيك، والأوضاع السياسية والمضاربات، ودور الشركات العالمية الكبرى ونقص طاقات التكرير، وضرائب الكربون التي تفرضها الدول الغربية. وفي حقيقة الأمر، فإن نجاح منظمة أوبك يكمن في تبنيها النهج العقلاني الشامل لقطاع النفط من منظور تتغلب فيه الحكمة على النزعة الديماغوجية، ومن خلال إبراز أهميتها للعالم وكذلك للدول الأعضاء على حد سواء، وهذا النهج هو في حقيقته النهج الذي تتبعه المملكة العربية السعودية ودعت إلى تبنيه عند إنشاء منظمة أوبك، فلا شك أن أهمية المملكة لأوبك وللعالم أجمع جعل منهج المملكة هو المنهج الأكثر قبولاً ونجاحاً لمنظمة أوبك كون المملكة العربية السعودية تتربع على عرش المنتج المرجح Swing Producer، وتتبنى في الوقت نفسه نهجاً متزناً في علاقاتها الدولية وتعمل حثيثاً لاستقرار أسعار النفط من واقع مكانتها العالمية، فالمملكة تنتج وحدها نحو ثلث مجمل إنتاج مجموعة أوبك والمنتج المرجح في أوبك، أي أنه إذا كانت السعودية تنتج ما بين 9 و 11 مليون برميل في اليوم فإن معظم دول أوبك تنتج ما بين 1 و3 ملايين برميل يومياً .. أي أن هناك بوناً شاسعاً بين الدولة التي تحتل المرتبة الثانية (إيران) والدولة التي تحتل المرتبة الأولى (السعودية). إن تماسك منظمة أوبك وبقاءها لاعباً فاعلاً على مدى ال 50 عاماً هو بحد ذاته نجاح لهذه المنظمة الدولية. فمنظمة أوبك الآن منظمة عالمية ناجحة بجميع المعايير ولها اليد الطولى في الرخاء العالمي، وهي مفخرة ليس فقط لأعضائها من الدول المنتسبين إليها بل لدول العالم النامي أجمع، وبفتحها صفحة جديدة مع الدول الصناعية المستهلكة بعد زوال العالم السوفياتي وزوال غيمة الشك التي كانت تحيط بعلاقتها مع الغرب، فإن منظمة أوبك بحكم أنها الأداة الوحيدة في صناعة القرار في السوق النفطية العالمية فإنها ستسطر في الصفحة رقم الواحد 51 والصفحات التي تتلو من عمرها ستسطر بعد جديداً في العلاقات الدولية، فاجتماعاتها وأعمالها الآن تحظى ببالغ الاهتمام الإعلامي على صعيد العالم كافة كونها أداة فاعله في الإمدادات النفطية العالمية وتزود العالم بنحو النصف (40 في المائة) من احتياجاته وهي أداة استقرار في سوق النفط العالمية والحامي للموارد المالية للدول النامية، وكانت رسالتها دائماً هي التأكيد على التزامها بتوفير إمدادات كافية من النفط، والمساهمة في تحقيق رخاء اقتصادي عالمي، وذلك في حدود إمكانات وقدرات أعضائها، مما يجعلها تعد من أشهر المنظمات الدولية في العالم، ومن ثم فالكل يعلم دورها وأهميتها ويترقب اجتماعاتها التي يغلب عليها منهج الحكمة والمسؤولية الدولية، وهي الآن مؤهلة لأن ترقى في مستوى أهميتها للعالم، إلى مستوى أهمية منظمات الأمم المتحدة.
إنشرها