Author

أيها السعوديون .. تأهبوا لقيادة المستقبل (1 من 2)

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
بدأت وتيرة التطوير الجذري في هذه البلاد بالانطلاق المتسارع مع بزوغ شمس بداية السبعينيات الميلادية، وفق الخطط والبرامج التنموية الخمسية التي تم تدشينها حينذاك واستمرّت حتى اليوم، مع الإشارة إلى أهمية ما سبقها من جهود منذ التأسيس بُذلت لذات الهدف. مرّت السعودية بالعديد من المراحل الحضارية المهمة خلال تلك الفترة الممتدة إلى نحو 40 عاماً، تخللها الكثير والكثير جداً من التطورات والأحداث التي تركت أثرها العميق على نسيج الحياة السعودية المعاصرة، بدءاً من الفرد مروراً بالأسرة وانتهاء بكيان الدولة والمجتمع السعودي. الصورة الراهنة اليوم للمجتمع والدولة في السعودية سبقها مخاضاتٌ عملاقة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مخاضاتٌ كبرى استطاعت أن تُبلور بكثافةٍ وعمق آثارها وجهاً حضارياً متجدداً للسعودية، قائم على التوازن بين أصالة هذه البلاد المرتكزة إلى الإسلام والعروبة والمتطلبات المعاصرة التي أفرزتها بغزارة الحضارة العالمية الحديثة. الآن ونحن ننطلق مجدداً من خلال بوابة الألفية الثالثة للإنسانية؛ تسارعت وتتسارع وتيرة تغير الرتم الحضاري العالمي، والسعودية بما تمثله من وزنٍ ثقيل في الميزان الدولي اليوم مشاركة ومتأثرة برياح تلك التطورات حول العالم، بل إنها في مقدمة الركب الذي يطمح إلى ترسيخ أقدامه بوصفها جوهر ومركز إشعاع العالمين الإسلامي والعربي. مقدمةٌ لا بد من ذكرها وإن كان بشيء من الاختصار قبل التوسع في هذا الموضوع البالغ الأهمية، تاريخ وحاضر هذه البلاد قيادةً وشعباً معروف ومحفور في صفحات التاريخ، كُتب وخُلّد في ذاكرة التاريخ الإنساني بمداد المجد والإنجاز. أيها السعوديون لست بصدد إنشاء كلمات يسكن إيمانها في قلب كل فردٍ منا، إن هي إلا كلماتٌ من القلب إلى القلب، تستحثُ الهمم لأجل اجتياز أمواج المستقبل الهادرة. اعتادت الأمم الطامحة نحو ترسيخ أقدامها في فضاءات المستقبل الرحبة على إعداد ووضع التصورات المحتملة والممكنة لما ستكون عليه ملامح ذلك الوجه المغيب، وصل مدى تلك الدراسات التنبؤية إلى 100 عام! ونحن لا نقلُّ بأي حالٍ من الأحوال عنها، خاصةً أن كثيراً من ملامح مستقبلنا القريب في منظور السنوات الـ 20 المقبلة قد بدأت في الكشف عن حقائقها؛ ولحسن الحظ أن أغلبها يحمل في طياته مؤشرات مبشرة وموجبة؛ خاصةً في المجال الاقتصادي! حتى نكون أكثر تحديداً؛ لنضع هذه التساؤلات أو المفاتيح التي يمكن أن تساعد على معرفة نقاط الدخول فيما يُسمى بنظام محاكاة الواقع الذي سيكون عليه المستقبل. على الصعيد الخارجي، إلى أين يتجه التطور العالمي؟ ما التصورات أو السيناريوهات المحتملة التي ستخضع لها الصورة المستقبلية للعالم؟ ثم، مَن سيبقى مِن مراكز القوى العالمية اليوم في خريطة القوى المستقبلية؟ وهل ستبرز على تلك الخريطة مراكز قوى جديدة وتختفي أخرى؟ وما أثر ذلك في الصورة المحتملة لمستقبل العالم؟ أيضاً، ما حقيقة ونوع تلك المصادر التي ستستمد منها تلك القوى نفوذها وسيطرتها؟ هل هي سياسية، أم عسكرية، أم اقتصادية، أم تكنولوجية، أم ماذا؟ وإذا كانت مزيجاً من تلك المصادر وغيرها، فما العامل الأكثر تأثيراً في تلك التركيبة؟ على الصعيد الداخلي، ماذا أنجزنا وماذا نمتلك من قدرات وموارد في كافّة المجالات السابقة أعلاه؟ ما الطبيعة والخصائص الراهنة لنسيجنا الحضاري والتشكّلات البنيوية داخله سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً؟ وهل تمتلك القدرة على التطور والتكيف مع التغيرات والتطورات المتسارعة محلياً وعالمياً؟ ثم، إذا اكتشفنا مواقع الضعف والقوة في تلك القدرات المتوافرة، كيف نقوي ونعالج مواقع الضعف إن وجدت، وكيف نحافظ ونعزز من قدرات القوى التي نمتلكها؟ وما السيناريو الأفضل للعبور والوصول رابحين إلى فضاءات المستقبل؟ أسئلةٌ كثيرة، ومفاتيح جمّة نستطيع عقلانياً وعلمياً الانتقال بسلام إلى تلك الفضاءات. إذا اتضحت تلك التفاصيل في مخيلة كل فردٍ منا بقدرٍ معقول من الفهم والإدراك والوعي والمسؤولية؛ يمكن القول إن الخطوة الأولى للمرور والتقدم الفاعل قد تحققت! يأتي بعدها خطوة توزيع المهام والأدوار والمسؤوليات على كل فردٍ فينا، واضطلاع كل منّا بمسؤولياته وواجباته بما يُمليه علينا ولاؤنا ووطنيتنا وأحلامنا لأجل بلادنا ومستقبلها، بما يكفل لها ولأبنائنا والأجيال المقبلة حياةً آمنة ومستقرة رفيعة المستوى على الأصعدة كافة. مؤدى هذه الكلمات الأخيرة أن علينا صياغة حلمنا المستقبلي المشترك معاً، وأن دور كل فردٍ منا رئيس! وألا وجود للأدوار الثانوية بيننا. مؤداها أننا إذا أردنا الوصول بأمان إلى شواطئ أرض المستقبل أن يُجدّف كل منا بكل قواه في بحرِ الأعوام المقبلة. مؤداها أن كل منا قائد لمستقبله الجزئي؛ الذي يُشتق من مستقبلنا المشترك، وذلك ما عنيته تماماً بعبارة "قيادة المستقبل"، والتي ستؤهلنا بالتأكيد للنجاح في مشاركة أقوياء الحاضر والغد بفاعلية قيادتهم للعالم، بما نعتز به من قيم وحضارةٍ أصيلة النبع والجوهر. ما يجول في ذهني في هذا الخصوص بصورةٍ أكبر وبحكم الاختصاص؛ هو الشأن الاقتصادي، أمّا بقية المجالات فهناك مَن هو أكفأ وأعلم مني فيها، مع الإشارة إلى أن هناك أيضاً الكثير جداً ممن هم أكفأ مني في المجال الاقتصادي، ولا يخرج ما أطرحه هنا عن الاجتهاد القابل للخطأ الذي أحاول تجنبه، والقابل أيضاً للصواب وذاك ما أصبو صادقاً إليه. في ضوء ما سبق، سأستكمل - بإذن الله - في الجزء الثاني من هذا المقال بعض ملامح الطريق القادم على المستوى الاقتصادي، والذي أثبت الواقع الراهن للعالم اليوم أنه في مقدمة مصادر القوة والتمكن وأول أسباب التفوق، وأن تأثيره مستقبلاً سيشهد مزيداً من الاتساع والتغلغل في كل جزئية من جزئيات المستقبل. عضو جمعية الاقتصاد السعودية [email protected]
إنشرها