Author

إيجاز في .. إدارة اللاإنجاز

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
إنه أمرٌ أشبه ما يكون بالشلل الذي أصاب أغلب حلقات الدوائر الإدارية المحلية، انغلاقٌ للفكر الإداري حَجَب أي رؤية خلاقة منطلقة، تفتح مع أشعتها نوافذ فسيحة على الأفكار والتجارب الأخرى التي تتفوق كثيراً على التجارب المنغلقة والمكررة إلى حدِّ التوقف الرهيب عن تحقيق أي درجةٍ من التقدّم! لا يُمكن استيعاب النتائج المدمّرة لهذا الجمود القاتل في أروقة النشاط الإداري، الذي عمّت وتعم بلواه جميع الحلقات دون استثناء؛ حتى تلك الإدارات الخالية من شوائب الجمود والانغلاق، ومما يزيد من أعباء هذا التحدي الجسيم أن أي محاولة لإحداث أي تغيير في بنية هذا الحجر الصلب؛ ستفاجأ بقوة مقاومتها الهائلة وتصدّيها الشرس لأي محاولةٍ طموحة نحو إحداث أي انفراج في سمائها الملبدة بالسحب السوداء. عادات وسلوكيات تنظيمية وإدارية تكدست صورها المثبطة للهمم أمامنا حتى منعت بتراكمها المروع مرور أي شعاع من النور على مستقبل مئات الآلاف من الموارد البشرية في بيئات العمل المحلية، ومما يبعث على كثير من القلق أن مسألة التزحزح عن تلك الخنادق مرتبطٌ بقوة "المركزية القرارية" التي يقبض عليها رأس الهرم الإداري بصورةٍ خنقت أي روحٍ طامحة أو مبتكرة ترزح تحت وطأة هذه القبضة الفولاذية التي لم ولن تتنازل عن مصدر "إنجازها" المصطنع الذي لا يوجد على أرض الواقع حتى دليل واحد يدل على وجود ما يمكن تسميته بـ "إنجاز"! لا أود الاستمرار في التنظير الفكري لتشخيص تلك الوقائع المتكررة يومياً بل لحظة بلحظة، فالأصوب هنا إذا أردنا فعلاً تقديم فكرة حقيقية وجوهرية لتضاف إلى بقية الأفكار المضيئة في هذا الشأن، أن نتجه مباشرة نحو المراكز الفاعلة الأساسية المتسببة في استمرار هذا الشلل الإداري، فما الأقطاب الأساسية التي تتحكم في إخراج الصورة النهائية أمامنا في هذا الصدد؟! لعل من أهمها وأعقدها الثقافة الإدارية السائدة والمتراكمة عبر عشرات السنوات الماضية، وتعاقب على صناعتها وتشكيل نسيجها أجيالٌ من البشر الذين مرّوا بأروقة تلك الدوائر الضيقة، تاركين خلفهم إرثاً يتوارث من بعدهم؛ تنتقل دفّة القرار من السلف القديم إلى الخلف الجديد ممن هم أقرب فكراً وتوجهاً إلى التيار القديم. تلك الثقافة التي تتحكم كأيديولوجيا دوغمائية في العقل الإداري الراهن، اصطدمت معها الأفكار الإبداعية الجديدة، وللأسف أنها حتى ساعة إعداد هذه المقالة في موقع المنتصر. وبالنظر من حولنا وملاحظة مدى التغيير الذي هبّت رياحه على البيئات التنظيمية الحديثة، والصبغة المعلوماتية التي طغت على جميع المعطيات في تلك الإدارة باختلاف مستوياتها، إنها تغيرات عميقة وجذرية تتم من حولنا، لا يمكن تجاهلها أو التغافل عنها، وتنبثق الحاجة في ظل هذا الاصطدام القائم الآن؛ والمتوقع ارتفاع وتيرته مستقبلاً دون أدنى شك بين تحولاتٍ جديدة هائلة قادمة من خارج البيئات الإدارية المحلية من جهة، ومن جهة أخرى عقليات مديرين تسيطر عليها ثقافة بائدة إدارياً فاقدة تماماً القدرة على التفاعل مع تلك التحولات، أؤكد أننا بحاجةٍ بالغة إلى إفساح المجال أمام العقليات الجديدة الابتكارية التي تتوافر لديها القدرة والكفاءة على التعامل الذكي والعملي مع تلك التحديات الجسيمة. يقول Alvin Toffler : عندما تجتاح المجتمع والاقتصاد مثل هذه الموجات العظيمة من التغيير، يكون مصير المديرين التقليديين، الذين تعودوا الخوض في المياه الآمنة، أن تلفظهم مؤسساتهم، فعاداتهم التي مارسوها على مدى حياتهم التي ساعدتهم على النجاح تصبح اليوم عقبة أمام الإنتاج والتطور .. لهذا فالقاعدة الذهبية للبقاء تصبح "ليس هناك اليوم ما هو أخطر من نجاحات الأمس"! إننا بحاجة ماسّة إلى وضع "خريطة" دقيقة وفاعلة نتحرك وننزح بالاعتماد عليها من الأراضي البور التي جفّت من الإنجاز وأجدبت إلى مرابع الفيض والغزارة الإنجازية الكفء، وتظهر هنا الحاجة إلى "القيادات" ذات الرؤى المنفتحة والإبداعية القادرة على السير والتقدم نحو تلك المواقع المطلوبة. الخروج من قمقم الإدارة الجامدة لن يتم بالتراخي والمجاملة المحسوبة على حساب مصلحة "الكل" لأجل "فرد" محروسٌ بعناية أحد الرعاة أو الحاضنين من الأقارب أو المعارف، الذين لا يبدو أن اعتبارات المصلحة العامّة للوطن والمجتمع ومستقبل أجيالنا المقبلة ترتقي إلى مستوى اهتماماتهم! لذا وفي ظل هذه الصورة، يجب أولاً: البدء من النقطة الأساسية المتمثلة في كل "فردٍ" منا تعليماً وتدريباً وتأهيلاً؛ بمعنى التركيز على "الاستثمار في الإنسان"، ثانياً: خلق بيئات العمل الملائمة، والخالية من أية شوائب تؤثر سلباً على التقييم الحقيقي لكفاءة وقدرة الموارد المالية والبشرية المتوافرة، والمؤدى الحقيقي لهذا التوجّه هو اجتثاث كل ما من شأنه إبقاء "ثقافة الجمود" الإداري في موقعها المسيطر على بيئات العمل المحلية، وإفساح الطريق أمام إشعاعات الإبداع الفكري والإداري والتطويري التي تضيء طريق التنمية والازدهار والتقدم، الكفيلة بوضعنا في مواقع منافسة تتغلب على المعوقات الداخلية والخارجية على حدٍ سواء. ثالثاً: انفتاح تلك البيئات المحلية على التجارب الأخرى المتقدمة يُعد مطلبا أساسيا وجوهريا، ومنطلقا واسع المنافذ نحو المستقبل المتسارع التغيير، وما سبق ذكره أعلاه كفيلٌ بتحقيق هذا المطلب، وكفيلٌ أيضاً بإيجاد الوسائل والقنوات التي تُمكّن بيئة العمل لدينا من التكيف مع تلك المتغيرات المحيطة، بما يخدم مصلحتها ويجنبها الوقوع في مستنقعات التأخر والجمود. ختاماً؛ نهار أروقتنا الإدارية سعيد و "جديد".
إنشرها