Author

الخبير الاقتصادي سبنس.. والخبيرتان أم محمود وأم حصة

|
نحن في أعقاب أزمة مالية، وأزمة اقتصادية، كان على أثرها زيادة أعداد الناس الذين يقعون تحت حزام الفقر في بعض بلدان العالم، أكثر من ذلك ازداد عدد الجوعى .. من لهؤلاء بعد الله؟.. أطمئنكم .. بعض من الناس يفكر في هذه الشريحة، أذكر منهم الخبير الاقتصادي مايكل سبنس والخبيرتين الاقتصاديتين أم محمود وأم حصة، دعونا نلقي الضوء عليهم. معظم المهتمين بعلم الاقتصاد يعرفون من هو الخبير الاقتصادي مايكل سبنس، إلا أنه لا أحد يعلم شيئا عن الخبيرتين أم محمود أو أم حصة، أرى أن هذا شيء طبيعي, فزامر الحي لا يطرب، مع العلم أنهما قدمتا الكثير من التمويل للاقتصاد المحلى وعلى مستوى العالم، بل أكثر من ذلك طريقتهما مجربة وحققت نجاحات، أما عن نظريات مايكل سبنس فما زالت أفكاره تحت التجربة ويعلم الله نتائجها.. أزيدكم من الشعر بيتاً.. هما لم تتسببا في أي من الأزمات المالية، ولا الاقتصادية، وأيضا لم تتسببا في الكساد العالمي عام 1929م، أو في أزمات النمور الآسيوية أو الإثنين الأسود، بل أكثر من ذلك لم تتهربا من سداد استخدامات بطاقات الائتمان في حياتهما. دعوني أعرفكم بهم ــ مايكل سبنس ــ هو زميل رفيع المستوى في مؤسسة هوفر وأستاذ في كلية الدراسات العليا في إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، وهو أستاذ سابق في كلية الاقتصاد في جامعة هارفارد، حصل عام 2001 على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، أما الخبيرتان الاقتصاديتان ـ أم محمود، وأم حصة ـ هب أنهما تمثلان أمهاتنا جميعا، وليكن ابنتي الحاج/ محمد عبد اللطيف، أو الشيخ/ عبد الله العتيبى، أكيد لم تدخلا الجامعة ولا تعرفان طريقها، كما أنهما لم تحصلا على جائزة نوبل في أي فرع، لكن حفظتا القدر اليسير من القرآن الكريم والأحاديث النبوية وتعلمتا قسطاً بسيطاً من القراءة والحساب في كُتَّاب الحي أو القرية، أجد الاستغراب باديا في عيون قرائي، ما أوجه المقارنة، دعوني أوضحها: يشترك سبنس مع أم محمود وأم حصة في ضرورة تراحم الناس بعضهم بعضا، وتقليل فجوة الفقر بين الناس، حيث يرى سبنس أنه يجب التركيز على تحقيق معدلات نمو مطردة وعالية لأنه شرط ضروري لبلوغ مجموعة من الأهداف التي تهم الناس والمجتمعات، ولا شك أن أحد هذه الأهداف يتمثل في تقليص الفقر، إلا أن هناك أهدافاً أخرى أكثر عمقا، منها توفير فرص العمل المنتجة، وكل هذا يعتمد اعتمادا شديدا على توافر الموارد والدخل، حتى لا يضطروا إلى قضاء جل أوقاتهم سعيا لتوفير ما يسد رمقهم، ويحذر العالم من مشكلات البطالة. لن أطيل الحديث عن مايكل سبنس فمعظمنا يعرفه, أما خبيرتانا فكانتا تريان أن فترات الأزمات، مثل باقي الفترات، مع اختلاف بسيط يتمثل في مزيد من الطاعات والعبادة والتقرب إلى الله ـ عز وجل ـ والحد بعض الشيء من الإسراف وتصحيح السلوك السلبي في العادات الدخيلة على بلادنا، أو التي يجانبها الصواب من النواحي الدينية والصحية والاقتصادية, فمثلا من الناحية الدينية يقول الله ـ عز وجل ـ في كتابه العزيز «وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ»، ويقول الرسول الكريم «ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه»، ومع ذلك فإن الناس يسرفون في تناول الطعام ويأكلون حتى التخمة، ومن الناحية الصحية ما جاء عن الرسول الكريم «صوموا تصحوا»، فما بالكم بعادة التسوق والاستدانة بمبالغ كبيرة لإشباع الرغبة في شراء سلع لا نحتاج إليها.. متحججين في ذلك بـ «دعونا نقتنص فرصة التنزيلات والخصومات لأشياء قد لا نستخدمها». أما من الناحية الاقتصادية فنجد أن أغلب الأسر تستعد مثلا لشهر رمضان بشراء مزيد من الأغذية وإرهاق الميزانيات في أطعمة (أعتذر.. الزائد منها يوجه إلى السلال)، لماذا الزائد؟ السبب معروف فإن أولادنا لا يجلسون ليأكلوا معنا بل يتوجهون لمطاعم الوجبات الجاهزة مع زملائهم، بالرغم أنه قد يكون من جيراننا في الحي أو الأحياء المجاورة أو الدول الأخرى من يتضور جوعا ولا يجد ما يسد رمقه، أرجو ألا نصف كلاً من أم محمود وأم حصة بالشح أو بالبخل فقد كان الفائض بين الإسراف والترشيد يوجه إلى فقراء الحي أو القرية. أم محمود وأم حصة.. كانتا تتعاونان مع زوجيهما في أعمالهما من باب التوسعة في الرزق، وإيجاد فائض في الدخل يعاد إنفاقه على أهل الحي أو القرية، ونظرا لأنهما تريان أن الدَّين هم بالليل وذل بالنهار فكانتا تتعاونان مع نساء الحي أو القرية في سداد ديون الأسر المدينة أو المعيلة، بل أكثر من ذلك كانتا تريان أن للبطالة تبعات تعود على الحي أو القرية بمشكلات كثيرة منها فراغ الشباب وما أدراكم ما بعده، فكانتا تشتركان أيضا في تدبير وتمويل لوازم الإنتاج البسيطة التي من الممكن أن تحقق فرص العمل للعاطلين، وتختاران الأعمال التي تتصف بقلة رأس المال (وتعتبران هذا المبلغ قرضاً حسناً يسدده من يحصل عليه عندما ينجح المشروع) يستفاد منه عاطل آخر في فرصة أخرى. الخبيرتان كانتا تدعوان إلى تخفيض المهور، وكانتا تشتركان مع نساء الحي في تجهيز بنات وشباب الأسر الفقيرة، وبالتالي محاربة مشكلة تأخر سن الزواج عند الفتيات، تلك المشكلة التي تؤرق معظم الأسر العربية، بل أكثر من ذلك كانتا تشجعان الزواج من الأسر الفقيرة وترددان دائما «خذوهم فقراء يغنيكم الله من فضله». ألم أقل لكم إنهما خبيرتان؟، أليس ما سبق من أعمال جليلة هو ما نسميه اليوم بالمسؤولية الاجتماعية التي بح بها أصوات أساتذتنا في الجامعات، وشيوخنا على المنابر؟ والاستجابة ما زالت دون المستوى، أليس ما سبق يعد من تراحم الناس ببعضهم، وهذا ما يحثنا عليه ديننا الحنيف؟ .. ما أحوجنا لنماذج كثيرة اليوم من أم محمود وأم حصة. أدعو كل أخواتي أمهات اليوم، وبناتي أمهات المستقبل إلى أن يتأسين بهما، حتى تحل مشكلاتنا .. ولا أخفيكم سرا .. إذا لم تتأسين بهما فستكون ليالي الشتاء المقبل هي الأطول والأبرد على الفقراء، وسيكون نصيب معظم سكان منتصف إفريقيا مزيداً من الجوع والفقر والمرض، تلك الأمور التي تمرسوا عليها ومستعدون لأسوأ منها، وأذكركم بأننا خير أمة أخرجت للناس، تقبل الله أعمال أمهاتنا وجعلها في موازين حسناتهن.
إنشرها