Author

القطاعان الحكومي والخاص.. كيف تُبنى العلاقة المسؤولة؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية
أصبح معتاداً التقاء المسؤولين الحكوميين مع نظرائهم رجال الأعمال كممثلين للقطاع الخاص من خلال العديد من المؤتمرات والندوات الاقتصادية والمالية، التي أصبحنا أيضاً معتادين على ظهورها خلال فترات متقاربة. ولعل أغلب ما ورد إلى جلسات تلك المؤتمرات "الحقائب" الكبيرة من الأوجاع والآلام التي يرى رجال الأعمال السعوديون أنها أثقلت كاهلهم، جاءوا بها ليطرحوها أمام نظرائهم من المسؤولين الحكوميين لأجل إيجاد الحلول العاجلة لها. يريد رجال الأعمال حلولاً سريعة، تنبثق رؤيتهم هذه من فلسفة قائمة على سعيهم الحثيث للمحافظة على مصالحهم التجارية والمالية، وتنمية عوائدهم، وبما يمنع من تعرّض تلك المصالح لأي خسائر أو أخطار يمكن أن تتسبب في تكبديهم ما هم بغنى عنه! إنها رؤية محصورة في زاوية منفعتهم الخاصة بالدرجة الأولى, حتى وإن قرنوها بالكثير من الحيثيات العمومية المرتبطة بمصلحة الاقتصاد الوطني، وما تمثله مطالبهم من أهمية قصوى لتجاوز التحديات والمعوقات الكبيرة التي تعرقل مسيرة تقدم خطى الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته، خاصةً مشاريع القطاع الخاص الكبيرة التي يُعول عليها زيادة إسهامها في إدارة عجلة الاقتصاد على حساب القطاع الحكومي، من خلال الانتقال السلس عبر قنوات وبرامج التخصيص التي اعتمدتها الحكومة تحت إشراف المجلس الاقتصادي الأعلى. ولا أود أن يفهم من حديثي الأخير هنا أنه اتهام لرجال الأعمال السعوديين بالتحيز غير المشروع لمصالحهم الخاصة، بقدر ما أنني أود الإشارة إلى جانبين مهمين غابا عن تلك المطالب, الأول: إنهم يمثلون شريحةً واسعة من المستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية، على رأسهم صغار المستثمرين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وقد تطرقت في مقالين سابقين: كيف أن الشركات والمنشآت الصناعية والتجارية الكبرى قد سخّرت قواها في المطالبة بالأنظمة والقوانين التي تتوافق مع مصالحها مرة، ومرة أخرى في المراوغة كراً وفراً للتهرب من الالتزام بأنظمة وقرارات الجهات الرسمية كقرارات السعودة والسماح بالمنافسة وعدم الاحتكار والتحكم غير المشروع بأسعار السلع والخدمات، وما ترتب عليه كثيراً من المآسي التي وقعت على رأس أصحاب تلك المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطرقت إلى ما وصلت إليه الحالة المعقدة التي تعيشها تلك الشريحة الواسعة من أصحاب المشايع الناشئة، والوضع المحاصر الذي يطوّقهم من قبل كبرى الشركات والمؤسسات المملوكة لرجال الأعمال، بدءاً من احتوائهم مرة، وطردهم من السوق مرة أخرى، وغيرها من أساليب المواجهة "الفجّة" التي يصعب على أصحاب تلك المشاريع الصغيرة من رجال الأعمال المبتدئين أن يطالبوا قانونياً بحقوقهم المهدرة لقلة أو انعدام الخبرة والدراية بمعترك ساحات الوغى التجارية والصناعية. الجانب الآخر: إن رجال الأعمال السعوديين يغفلون حجم التحديات الجسيمة التي يمر بها الاقتصاد السعودي، وأهمية المساهمة في إنجاح عمل الجهات الرسمية المناط بها تفعيل التطوير والتحديث على العمل الحكومي بالدرجة الأولى، وبقية فعاليات الاقتصاد والإدارة المحلية، ولا أرى, من وجهة نظري المتواضعة, دقّة أو صحة ما يصرح به كثير من رجال الأعمال "تذمرا" حول بطء تلك الإجراءات والآليات التطويرية، والسبب أن هذه "المقولة" التي أتفق معهم فيها قبل عام 1999، واستمرت "معلاقاً" غير واقعي على الإطلاق بعد ربيع ذلك العام، فمنذ ذلك التاريخ يمكنني القول إن "العقل" و"اليد" الحكوميين قد انتفضا للتطوير واللحاق بما تأخر تنفيذه من قبل، ولا أدل على ذلك من مؤشرات الأداء الاقتصادي القوي التي حققها الاقتصاد السعودي خلال السنوات الخمس الماضية، سواءً على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي، ولعله من المفيد أن أُحيل القارئ الكريم, بما في ذلط رجال الأعمال السعوديون ذاتهم, للاطلاع على محتوى التقرير السنوي الـ 41 لمؤسسة النقد العربي السعودي الأخير، وما استعرضه بالأرقام الدقيقة والرسمية من تطورات قياسية للاقتصاد السعودي خلال تلك الفترة، وكيف أنها تحققت بفضل الخطوات التطويرية والجادة التي تم بذلها من جميع القطاعات الاقتصادية، بما فيها مشاريع ومنشآت رجال الأعمال السعوديين! ما لا يجب إغفاله هنا. إن الحكومة ليست بصدد تسهيل وتشجيع رجال الأعمال السعوديين فقط, فهي أيضاً معنية تماماً بجميع الشرائح الأخرى من المجتمع والاقتصاد، والتي لا تقل أهمية في تفكيرها واهتمامها عنهم، وإذا كان لرجال الأعمال القنوات والأدوات التي تخدم في إيصال صوتهم ونداءاتهم، فإن الحكومة وكما ترى نفسها ملزمة بالاستماع والتجاوب مع تلك المطالبات، فهي أيضاً ترى نفسها على المستوى نفسه من الالتزام مهتمةٌ جداً بمتطلبات وحاجات بقية الشرائح، ولهذا فعملها منصبٌ على توفير المناخ التنظيمي والاقتصادي الذي يكفل للجميع حق الحصول على استحقاقاته، وضمان التزامه بما عليه من متطلبات وأعباء تجاه الغير، تلك هي القاعدة الذهبية التي تحكم العلاقة بين جميع الأطراف على المساحة الكلية لهذه البلاد، وذاك هو مبدأها منذ تأسست على يد مؤسسها العظيم, رحمه الله. أنا هنا, لست أدافع عن أحد ضد أحد، ولست أبرر تصرف أو قرار أحد تجاه آخر، أنا هنا أريد الإشارة إلى أننا إذا أردنا مصلحة هذه البلاد حقاً، فإن علينا النظر من الزاوية الأوسع التي تشملنا جميعاً بعين العناية والاعتبار، لا أحد فينا يُبخس حقوقه أو يتحصّل بصورة غير مشروعة على ما ليس له به حق! وبناءً عليه فالمسؤولية الوطنية والاجتماعية تحتم على كل فرد منا, كبر شأنه أو صغر على امتداد واتساع دوائر هذا المجتمع، أنه إذا احتل أي منا مقاماً يمثل فيه غيره، فإن عليه أن يكون مسؤولا بالقدر الذي لا يخل بأمانة التمثيل الرسمي، وأن يتناسى تماماً مصلحته الخاصة لحساب المصلحة العامّة، وفي المقابل يلتزم البقية من الجهات الأخرى بالقدر نفسه من المسؤولية. وحتى لا أتهم بالتحيز ضد رجال الأعمال، فللحديث بقية عن الدور الحكومي ما له وما عليه، والله من وراء القصد.
إنشرها