Author

هل نجحت بريطانيا في أن تكون مركزا للمصارف الإسلامية؟

|
يصور البعض العرب (ظلما) بأنهم لم يقدموا للبشرية شيئا يذكر خلال القرون الخمسة الماضية، بل أكثر من ذلك يتهموننا بأننا مستهلكون للتقنيات فسيارتنا، وطائرتنا، بل وغذاؤنا ودواؤنا نستورده من الغرب، وقد جاءت الفرصة لنثبت للعالم أننا نشارك البشرية، وأننا قدمنا ونقدم الكثير.. فها هي الصيرفة الإسلامية أثبتت أنها هي الأجدر في معالجة وتخطي مشكلات الأزمات المالية والاقتصادية، وهذا ما شهد به عقلاء العالم وليس أدل على ذلك من مطالبة كثير من الساسة والاقتصاديين ورجال الدين ومنهم بابا الفاتيكان للاستفادة من التعاليم الأخلاقية التي تلتزم بها المصارف الإسلامية، وما كنا سنسمع ذلك لولا أن واقع المصارف المتوافقة مع الشريعة في ظل الأزمة كان الأفضل أداء، وقد تجاوزت الأزمة بأقل حالات من التعثر، وأصبحت الخدمات المصرفية الإسلامية تكتسب سمعة طيبة كملاذ للاستقرار. إلا أن الفرصة التي نشير إليها ليست بالأمر اليسير، فمعظم دول العالم تنافسنا عليها، فها هي بريطانيا تسعى لتكون عاصمة المصارف الإسلامية.. وقد أعدت العدة .. فهي تخطط لدراسة التسهيلات التي ستمنح لجذب أكبر عدد من المصارف الإسلامية للعمل في بريطانيا سواء عن طريق إصدار تراخيص إنشاء بنوك، أو افتتاح فروع تمارس الصيرفة الإسلامية، وتخطط لعمل البنية الأساسية لهذا النشاط سواء من فتح أقسام بجامعاتها لتدريس الاقتصاد والمنتجات المصرفية الإسلامية، ودعم مراكز الأبحاث لتطوير المنتجات القائمة حاليا، وتبني آليات واستراتيجيات لتأسيس المزيد من مؤسسات البنية التحتية مثل إنشاء مجلس أعلى للفتوى من خلال جذب عدد من شيوخنا وعلمائنا ذوي المعرفة الرفيعة بأحكام الشرع وبالمعاملات المصرفية، هذا إضافة إلى الاستفادة من التكنولوجيا والاتصالات في مشاركة الأفكار والدراسات والأحكام الشرعية، وغير ذلك، مما يؤدي إلى تعزيز الكفاءة والقدرة التنافسية لدى تلك المصارف، وما يترتب عليه من تحسين الأداء وطرح مزيد من المنتجات التي تفي بمتطلبات العملاء. ليست بريطانيا وحدها هي التي تسعى لأن تكون عاصمة الصيرفة الإسلامية، فهناك دول كثيرة تسعى لتحقيق ذلك، فهذه الولايات المتحدة ممثلة في وزارة الخزانة تدرس وتبحث وتدعو عددا من رجال الكونجرس لمناقشة وتفنيد ما يثار حول الصيرفة الإسلامية، والبحث عن حلول للمشكلات المالية التي تواجهها، وأيضا فرنسا تبحث الآن في قوانينها وتشريعاتها للسماح بالنظام الإسلامي ضمن منظومتها الاقتصادية، كذلك اليابان تعقد فيها الندوات عن الصيرفة الإسلامية. يشار إلى أن الشركات اليابانية تشجع ذلك، أيضا الصين وغيرها تنتهج المنهج نفسه، أي أن هناك توجها عالميا لذلك، لماذا كل هذا الاهتمام من كل تلك الدول؟ هل طلبا لمزيد من السيولة التي تضخ في تلك البلدان؟ أم طلبا للعدالة التي تتميز بها الصيرفة الإسلامية على الأنظمة الأخرى التي تيبست الدماء في عروقها وأصبحت لا تنظر إلى فقير أو جائع؟ أم نظرا لانخفاض المخاطر في نشاطات المصارف الإسلامية، حيث يتم تقاسم المخاطر مع العملاء ما يجعل تلك المصارف في منأى عن الصعوبات التي تواجهها البنوك التقليدية اليوم؟.. أيا كانت الإجابات، فالعالم أجمع بدأ يدرس تطبيق الصيرفة الإسلامية، واليوم تقام الندوات والمؤتمرات. رغم أنه حتى وقت قريب كان هناك حرج عند بعض جامعاتنا في الدول العربية والإسلامية بالنسبة لتدريس النظام الاقتصادي الإسلامي! ''وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ''. يذكر أن أول بنك إسلامي أنشئ في بريطانيا كان في عام 2004، والآن هناك خمسة بنوك إسلامية إضافة إلى نحو 25 بنكا يقدمون خدمات مصرفية إسلامية.. ونشير إلى أن بلادنا العربية عامة ومنطقة الخليج خاصة يحظيان بميزة تنافسية تتمثل في سهولة الحصول على العنصر البشري المؤهل الذي يجمع بين الجانب الفني والجانب الشرعي وتوفر هيئات الرقابة الشرعية والتشريعات وإن كنا نرى أن هناك مزيدا من الجهود يجب أن تبذل وأيضا هناك حاجة إلى الكثير من البحث والإبداع إذا كنا نريد أن نقدم هذا النظام للعالم. البعض لا يهتم إلا عندما تأتي الشهادة من الغرب.. ها قد أتت.. وهذه هي بضاعتنا، وخشية أن ترد إلينا، فلنطورها ونسوقها، وتحسب لنا ونجني ثمارها.. فنحن أحق بذلك.. وهنا أقرع الجرس، وأناشد رجال الأعمال المهتمين بالصيرفة الإسلامية، وجامعاتنا وباحثينا، وشيوخنا وعلماءنا ألا يألوا جهدا في هذا المضمار.. ماذا وإلا.. ستغلف بضاعتنا في أوراق مصنوعة من السلفان، وأقمشة مخملية، وسيعاد تصديرها لنا، وسيصدق الاتهام الباطل بأننا لم نقدم شيئا للبشرية، وإنما نكتفي فقط بالاستهلاك. وأشير إلى أن الأمر ليس بالبسيط وأمامنا الكثير لتطوير هذا النظام ليلبي متطلبات العصر، فلا نستطيع تقديمه إلا كنظام متكامل، أعتقد من صالحنا أن ينعقد عزم المخلصين للفكرة والتطبيق والدعم بالمال والجهد ليصل النظام المصرفي الإسلامي إلى مستوى يجعل منه نظاما ذا كفاءة وأداء عاليين.. حينئذ يحق لنا أن ننفي عنا الاتهام بأننا فقط مستهلكون للأفكار والمنتجات.
إنشرها