Author

المملكة في المرتبة الأخيرة في مؤشر التغيرات المناخية!.. لماذا؟

|
تابعنا خلال السنوات الأخيرة مستوى التحسن، والترتيب المشرف الذي تبوأته المملكة في عديد من المؤشرات العالمية كمؤشر القيام بالأعمال الصادر عن البنك الدولي، ومؤشر التنافسية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، ومؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر الصادرة عن منظمة الأونكتاد. ولكن استوقفني ترتيب المملكة في مؤشر الأداء في التغيرات المناخية Climate Changes Performance Index 2009. فعلى الرغم من دخول المملكة في المؤشرات المشار إليها أعلاه ضمن أفضل 20 دولة على مستوى العالم نجدها في هذا المؤشر تحتل المرتبة الأخيرة! ليس هدفنا توجيه نقد بقدر ما هو توجيه الاهتمام نحو هذا المؤشر العالمي المهم، الذي يعالج قضية تستحوذ حالياً على الاهتمام العالمي، إلا وهي قضية التغيرات المناخية والانحباس الحراري وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وعليه، نضع هذا المؤشر وما خلص إليه من نتائج على مدى السنوات الأربع الماضية أمام متخذ القرار الوطني لإنشاء الآليات للتعامل معه أملاً في تبوؤ مرتبة أفضل في السنوات المقبلة ـ إن شاء الله. يصدر هذا المؤشر بشكل سنوي منذ عام 2006م عن كل من مؤسسة Germanwatch وCAN-Europe، وذلك لتحليل أداء الدول المدرجة فيه في مجال حماية المناخ والحد من الانبعاثات الكربونية الضارة. وقد شهد تمثيل الدول في هذا المؤشر تطوراً ملحوظاً، حيث زاد عدد الدول من 53 دولة في إصداره الأول عام 2006م إلى 57 دولة في إصداره الأخير عام 2009م. وبحسب ما ورد في التقرير الخاص بالمؤشر، فإن الهدف من إصداره هو توفير قدر من الشفافية بشأن سياسات حماية المناخ. وعلى الرغم من أن المؤشر يضم فقط 57 دولة فقط من إجمالي دول العالم، إلا أن تلك الدول (57 دولة)، وبحسبما ورد في التقرير مسؤولة عن نحو 90 في المائة من إجمالي مصادر الطاقة العالمية المولدة للانبعاثات الكربونية. وقد بني المؤشر العام على قياس عدد 12 مؤشرا فرعيا تم تقسيمها إلى مجموعتين على النحو التالي: * المجموعة الأولى: وهي الخاصة بإجمالي الانبعاثات موزعة بحسب القطاعات (الطاقة والنقل والسكن والصناعة) وتستحوذ هذه المجموعة على 50 في المائة من إجمالي نقاط المؤشر. * أما المجموعة الثانية فتتعلق بمستوى الانبعاثات (ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة طاقة أولية، وحدة الطاقة الأولية إلى الناتج المحلي، ووحدة الطاقة الأولية لكل فرد)، وحصتها 30 في المائة من إجمالي التقييم، والسياسة الحكومية بشأن حماية المناخ (السياسة العامة ومستوى الانخراط في الخطط الدولية لحماية المناخ) وهذه حصتها 20 في المائة من إجمالي التقييم. ومن ثم، فإن إجمالي نقاط المؤشر هي 100 نقطة وهي حاصل الأداء في المؤشرات الـ 12، حيث إن الدولة الأقرب إلى 100 نقطة هي الأفضل أداءً والعكس صحيح. وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن العبرة دائماً في المقام الأول بالنقاط التي تسجلها الدولة عاماً بعد عاماً، فقد يتغير الترتيب (بالإيجاب أو السلب) نتيجة دخول دول جديدة في المؤشر، ومن ثم فالعبرة أولاً بالنقاط ثم الترتيب العام. أبقى المؤشر على المراكز الثلاثة الأولى فارغة، حيث لم تحل أي دولة من الدول الممثلة في المؤشر في أي منها، وبدأ ترتيب الدول من المرتبة الرابعة والتي حلت فيها السويد باعتبارها أفضل دول العالم (بعدد 66.7 نقطة) بالنظر إلى مؤشرات التلوث ومستواه والسياسات الرامية على الحد من التلوث، ثم حلت ألمانيا في المرتبة الثانية ثم فرنسا والهند والبرازيل والمملكة المتحدة والدنمارك على التوالي. وفي المقابل، حل في مؤخرة المؤشر السعودية (60) وكندا (59) والولايات المتحدة (58)، أما الصين فقد حلت في المرتبة (49). وبالنسبة للولايات المتحدة تحديداً، فإن تبوأها لهذا الترتيب سببه أنها مسؤولة عن نحو 20.34 في المائة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عالمياً، تلتها الصين بمسؤوليتها عن 20.02 في المائة، ولكن الولايات المتحدة تحتل هذه المرتبة المتأخرة أيضاَ نظراً لاحتلالها مرتبة متدنية في مجال السياسات والأنظمة المحلية والدولية الخاصة بحماية المناخ. وعلى المستوى العربي، لم يمثل في هذا المؤشر سوى دولتين عربيتين، إضافة إلى المملكة وهما المغرب التي حلت في المرتبة (20) والجزائر التي حلت في المرتبة (26)، وهو ترتيب متقدم مقارنة بعديد من الدول الصناعية والمتقدمة، ومرجعه في الأساس تبني الدولتين سياسات متوازنة في مجال حماية المناخ، وهو ما ضمن تراجع مؤشرات التلوث فيها مقارنة بالكثير من الدول ومنها المملكة. وتجدر الإشارة إلى أن الدولتين انضمتا إلى برتوكول كيوتو: (الجزائر 2005م والمغرب 2002م). أما بالنسبة للمملكة، فقد أدرجت في هذا المؤشر منذ إصداره الأول عام 2006م، وعلى مدى السنوات الأربع، وكما هو موضح بالجدول أدناه، حلت في المرتبة الأخيرة بين الدول الممثلة في المؤشر. ولكن لا يعني تبوء المملكة للمرتبة الأخيرة أنه ليس هناك تحسن في جهودها للحد من التلوث. ذكرنا في التقديم أن هذا المؤشر شهد نمواً في عدد الدول المدرجة فيه من 53 دولة إلى 57 دولة في 2009م، وهذا النمو في عدد الدول يُصعب من عملية قياس تطور الأداء، ولهذا يتم اللجوء في هذه الحالة إلى معيار النقاط، أي النقاط التي هي محصلة الأداء في المؤشرات الفرعية وتطورها من عام إلى آخر. وكما هو موضح بالجدول، وعلى الرغم من تراجع ترتيب المملكة من المرتبة 53 عام 2006م إلى المرتبة 56 في 2007 و2008م، وأخيراً المرتبة 57 في 2009م، إلا أن نقاط المملكة المسجلة خلال تلك الأعوام شهدت تحسناً ملحوظاً. فبعد أن كان المؤشر يعتمد نظام الواحد الصحيح في عامي 2006 و2007م تحول إلى اعتماد النقاط من 1 إلى 100 في عامي 2008 و2009م، وكما هو ملاحظ هناك تحسن تدريجي عاما بعد عام في نقاط المملكة سواء في ظل معيار الواحد الصحيح أو في ظل معيار من 1 إلى 100 نقطة، حيث تحسنت النقاط المسجلة في 2009م إلى 32.8 نقطة مقارنة بعدد 30 نقطة في 2008م، هذا على الرغم من استمرار احتلال المملكة المرتبة الأخيرة. ويفسر هذا الثبات في الترتيب رغم تحسن النقاط بأن هناك دولاً أخرى ممثلة في المؤشرة تؤدي بشكل أفضل وسجلت تحسناً في نقاطها فاق التحسن الذي شهدته المملكة. وبمراجعة تطور أداء المملكة في المؤشرات الفرعية على مدى السنوات الأربع الماضية، لوحظ أنه في العام الأول (2006م) كان الأداء السلبي متساويا تقريباً في المؤشرات الثلاثة (إجمالي الانبعاثات، ومستوى الانبعاثات، وأخيراً السياسة الحكومية بشأن حماية المناخ). ولكن بدأ التغير من عام 2007م، حيث بدأنا نشهد تحسناً ملحوظاً في مؤشر إجمالي الانبعاثات، ثم مؤشر مستوى الانبعاثات في مقابل تراجع في مؤشر السياسات الحكومية. أما في عام 2009، فقد كان التحسن الأكبر في مؤشري إجمالي الانبعاثات، ومستوى الانبعاثات، وبقي مؤشر السياسات الحكومية الأقل أداءً، حيث لم يشهد إلا تحسناً طفيفاً في 2009م مقارنة بعام 2008م. وبصفة عامة، يشكل مؤشر السياسات الحكومية في مجال حماية المناخ العائق الرئيس أمام تبوء المملكة مرتبة أفضل في المؤشر العام هذا إضافة إلى الأداء الضعيف بصفة عامة في المؤشرين الآخرين، أي مؤشر إجمالي الانبعاثات، ومؤشر مستوى الانبعاثات. يستفاد من هذا العرض أن المملكة تحتل المرتبة الأخيرة في مؤشر التغيرات المناخية منذ إصداره الأول، وعلينا أن نتوقع ما لهذا الترتيب من دلالات سواء بالنسبة لمستقبل عملية التنمية أو التوسع الصناعي في المملكة، أو حتى بالنظر إلى سياسات الدول والمؤسسات الدولية المعنية بقضايا المناخ. وبناءً عليه، نضع المقترحات التالية أملاً في مكان أفضل للمملكة في هذا المؤشر وفي الوقت نفسه تحسن مؤشرات حماية المناخ والبيئة: * لا تزال محطات توليد الطاقة في المملكة (سواء محطات توليد الكهرباء أو تحلية المياه أو تكرير النفط واستخراجه) تعتمد على مصادر أحفورية، وفي مقدمتها النفط. إلا أن الدراسات العالمية تؤكد أن الغاز الطبيعي أقل تلويثاً للبيئة مقارنة بالنفط الخام، ولهذا ينبغي حث شركات إنتاج الكهرباء وتحلية المياه ومحطات استخراج وتكرير النفط على التوسع في الاعتماد على الغاز الطبيعي كوقود بدلاً من حرق ملايين البراميل من النفط الخام، وفي ذلك حد للانبعاثات الكربونية وفي الوقت نفسه توفير النفط الخام لعمليات التصنيع، ومن ثم زيادة القيمة المضافة من استخدامه وإطالة أمده. والله الموفق. * لاحظنا من خلال تحليل التجارب المقارنة أن فرنسا، ورغم كونها دولة صناعية كبرى، إلا أنها تتبوأ المرتبة الثالثة بعد السويد وألمانيا، وبتحليل الحالة الفرنسية وجدنا أن فرنسا تعتمد في توليد الطاقة الكهربائية (المغذية للصناعة والسكن... إلخ) على محطات الطاقة النووية، التي توفر نحو 80 في المائة من احتياجاتها من الطاقة، ومن المعروف أن المصدر النووي هو أدنى مصادر الطاقة إخراجاً للانبعاثات الكربونية، ولهذا يوصى بتنشيط جهود الإعداد لمشروع وطني للطاقة النووية والشمسية، حيث يخدم هدفين؛ الأول الحد من الانبعاثات الكربونية الضارة في المستقبل، والثاني، تمكين المملكة من مواصلة جهود التنمية واستدامتها في عصر ما بعد النفط.
إنشرها