FINANCIAL TIMES

كأس العالم ليس نعمة اقتصادية لجنوب إفريقيا

كأس العالم ليس نعمة اقتصادية لجنوب إفريقيا

تظل أكثر لحظات الرياضة إثارة وتحريكاً للأمور في جنوب إفريقيا، حيث كان فريقها للرجبي سبرنجبوك قد فاز لتوه ببطولة العالم في عام 1995، الأمر الذي عمل على توحيد مواطني جنوب إفريقيا من كل الألوان. وقد سار نيلسون مانديلا إلى الملعب مرتدياً قميص نادي سبرنجبوك، وصافح كابتن فريق جنوب إفريقيا، فرانسوا بينار وقال «أشكرك جزيل الشكر يا فرانسوا على ما قدمته لبلدنا». ورد بينار رده الشهير «لا سيدي الرئيس، بل أنا الذي أشكرك على ما قدمته لبلدنا». يعتقد جون كارلن الذي يذكر تلك المصافحة في كتابه المعنون «هزيمة العدو»، أنها «يمكن أن تكون أسعد لحظة في حياة مانديلا، حيث إن الرجل العجوز أوجد أمة». وكانت تلك اللحظة تتجسد في فيلم كلينت إيستورد، إنفكتوس، الذي استند إلى كتاب كارلين، وسوف يعرض في دور السينما في الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) الجاري. يجدر بنا أن نتذكر تلك المصافحة قبل سحب قرعة كأس العالم في جنوب إفريقيا، يوم الجمعة، حيث إنها تساعد في توضيح ما هي القصة التي سوف تمثلها مسابقة كأس العالم المقبلة، وما لا سوف تمثله. وكان الفوز بكأس العالم للرجبي أمراً تعلق بإيجاد جنوب إفريقيا موحدة، التي كانت تخضع لحكم تمييز عنصري يعمل على التفريق بين ألوان الناس. وعلى النقيض من ذلك، فإن قصة المناسبة المقبلة هي «إنه الاقتصاد يا غبي». تخبر كل قصة لمسابقة رياضة كبرى العالم بقصة تتجاوز الرياضة، حيث إن الألعاب الأولمبية في طوكيو عام 1964، قدمت صورة دخول اليابان إلى العالم الديمقراطي الغني. وأما كأس العالم في عام 2006، فكانت حول كيفية تعلم العالم، بل وحتى الألمان حب ألمانيا. حين بدأ الرهان والسباق على مقر كأس العالم في عام المقبلة 2010، فإن قليلين فقط من الأجانب هم الذين تصوروا أن هذه المناسبة، سوف تعيد تحريك الدراما الخاصة ببناء أمة. كما أن مانديلا ركب الطائرة النفاثة حول العالم قائداً حملة قائمة على تلك القاعدة. وفي الوقت الذي تقرر فيه في عام 1994 منح جنوب إفريقيا فرصة تنظيم كأس العالم في 2010، فإن قصة عام 1995 فقدت علاقتها بالأمور في جنوب إفريقيا، حيث تحول النقاش الوطني تحت رئاسة خليفة مانديلا، ثابو مبيكي نحو الاقتصاد: كيف يتسنى لنا تطوير البلاد. ويقول مارك جيفيزر، كاتب قصة حياة مبيكي «لديك كل هذه الإشارات العظمى من مانديلا، ليأتي بعد ذلك مبيكي بصفته التكنقراط القادر على إنجاز الأمور، وجعلها تتقدم وتنجح». وقد أصبح كأس العالم في نظر مواطني جنوب إفريقيا قصة اقتصادية. كان ذلك يعني أن بإمكان جنوب إفريقيا تنظيم «كأس للعالم» من «الطراز العالمي»، حيث إن لهذا التعبير رنيناً في جنوب إفريقيا، وبالذات بالنسبة إلى مبيكي، إذ إن المسؤولين يستخدمون هذا التعبير على الدوام. ويقول داني جوردان رئيس اللجنة المنظمة لمسابقة كأس العالم في جنوب إفريقيا «سوف يرى الناس أننا إفريقيون، وأننا من الطراز العالمي». ولم يتم البخل بأية تكاليف، حيث إن كيب تاون ليست بحاجة إلى ملعب كرة قدم من طراز عالمي، ولكنها حصلت الآن على مثل هذا الملعب بتكلفة تزيد على أربعة أضعاف التكلفة المتوقعة. هنالك فرضية ضمن القصة الاقتصادية لكأس العالم تفيد بأن هذه المناسبة، سوف تعمل على إثراء فقراء جنوب إفريقيا، حيث يعيش أكثر من ثلث السكان بأقل من دولارين للفرد يومياً. ومن الناحية النظرية، فإن الأموال الناجمة عن كأس العالم سوف تؤول إليهم، إذ إن الرئيس الجديد، جوزيف زوما، الذي وعد بالنهضة الاقتصادية، يفضل هذه القصة. من سوء الحظ أنه هذه القصة الاقتصادية خاطئة. ولا يكاد يوجد أي اقتصادي أكاديمي يعتقد أن الأمم تصبح أغنى من خلال استضافة المناسبات الرياضية. وقد أبلغت جنوب إفريقيا بذلك، حيث إنها حين استقدمت وزارة ماليتها ثلاثة من الاقتصاديين البارزين الأجانب، المختصين باقتصاد الرياضة للمشاركة في ورشة عمل، جادلوا، بأن كأس العالم في أفضل الأحوال لن تعمل على تراجع معدل النمو الاقتصادي في جنوب إفريقيا. ويتوقع هذا البلد قدوم 500 ألف زائر أجنبي لحضور المناسبة، أو أقل مما يستقبله من الأجانب في شهر عادي. وإن معظم الأرباح العائدة من هذه المناسبة لن يحصل عليها مواطنو جنوب إفريقيا، بل إن قليلين من سكان البلدات سوف يقتربون من أماكن اللعب، حيث تصارع كيب تاون لتحمل طرق مواصلات بالحافلات من البلدات المتعددة، إلى ملعبها ذي الطراز العالمي. ويظهر رودي بون في فيلمه الوثائقي «العلامة المسجلة 2010» التجار في كيب تاون، وهم يقال لهم إن الاتحاد الدولي لكرة القدم لن يسمح لهم حتى باستخدام رقم «2010»، أو كلمتي «كأس العالم» على البضائع التي يبيعونها خلال المسابقة. مصافحة عام 1995 لم تملأ حافظات النقود في جيوب الناس. ومع ذلك، فإنها سوف تظل مرافقة لجنوب إفريقيا لفترة أطول ممّا يمكن أن يفعله أي منتج خاص بعام 2010.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES