Author

ابتزاز وشطط فضائيات الأطفال.. مَن يتصدى لهما؟!

|
يتكرر على مسامعنا كل يوم - وربما كل ساعة - الحديث عن ميثاق الشرف الإعلامي بالنسبة إلى فضائيات الكبار! فهل لنا بميثاق شرف إعلامي يحكم وينظم عمل فضائيات الأطفال؟ تلك الفضائيات التي تغذي فلذات أكبادنا، وتربي فيهم عادات وقِيَما وأخلاقيات، يعلم الله وحده مدى تأثيرها في حماة أوطننا وحملة شعلة المستقبل. وأؤكد عزيزي القارئ، أننا مهما حاولنا أو اجتهدنا لفلترة تلك الفضائيات، فستصل إلى أبنائنا بشكل أو بآخر، وسيطولهم تأثيرها، لأنه سيرى منتجاتها (لعبا وأفلاما وغيرهما) في مختلف الأسواق والمحال، بل وبأيدي أطفال آخرين. ولهذا أعتقد أنه، في ضوء عديد من الشواهد التي عرضت لها في هذا المقال، والتي ازدادت حدتها أخيرا، يلزم التحرك الجدي والمنظم من قِبل وزارات الثقافة والإعلام في دولنا العربية، لوضع حد لابتزاز وشطط تلك الفضائيات (تماماً مثلما فعلت مع فضائيات الكبار)، حتى نضمن حماية قرة أعيننا وفلذات أكبادنا، وتنشئتهم التنشئة السليمة والقويمة. في لحظة صفاء، لا بك ولا عليك، يسقط على رأسك حجر، يُدخِلك في غيبوبة طويلة، ما تفتأ تفيق منها إلا ويلاحقك حَجَرٌ آخر!! هكذا تفعل بنا وبأطفالنا فضائيات الأطفال التي انتشرت في فضائنا، انتشار وباء إنفلونزا الخنازير في أرجاء المعمورة كافة! وأستطيع أن أجزم بأن تلك الفضائيات تحقق أرباحاً تفوق في ربحيتها فضائيات الكبار والعجائز!! لأنهم على يقين بأن منتجاتهم لن تكون محلاً لنقض أو نقد ولن يكون هناك تردد في اقتنائها! مَن مِنا لم يَعُد يخصص ميزانية خاصة ومعتبرة لشراء لعب الأطفال التي يروج لها على مدار الساعة على تلك القنوات؟! لقد علمتنا النظرية الاقتصادية أن الحاجة (حاجة الإنسان) إما أن يكون مصدرها غريزيا أو طبيعيا كالحاجة إلى الطعام والشراب أو المسكن، ولكن أن تصبح الحاجة مصدرها الإعلام؟ فهذا شيء جديد على علم الاقتصاد!! فالإعلام بات مصدراً جديداً للحاجة ينبغي أن يسبق المصادر الغريزية. فأنت لم تخطط ولم تُعِد ولم تدفعك غريزتك ولكنه الإعلام، فأهلاً وسهلاً بدور الإعلام في الاقتصاد. مَن مِنا لم يشاهد الإعلان - الذي أُعِد باحترافية عالية - وهو يظهر اللعبة البلاستيكية وما يصدر عنها من أضواء أو أصوات أو تقوم به من أعمال، تشعرنا ككبار بأنها جان، فما بالنا بالطفل الذي يجن جنونه ويقفز قلبه مع كل قفزة للعبة؟ ثم يبدأ معك في رحلة من الصداع اليومي. وبالطبع لن يتركك حتى ترفع الراية وتشتريها له. اللعب التي يروج لها - وما أكثرها - لا تتعدى تكلفة الواحدة منها الريال أو الريالين (بلاستيك)، ولكنها تباع في محال بعينها بعشرات بل أحياناً كثيرة بمئات الريالات.. هل هذا معقول؟ هل تستحق براءة اختراع لعبة تلك المئات من الريالات؟ أين قوانين وأنظمة حماية المستهلك؟ هل وُضِعَت فقط لتطبق على كيلو الخيار أو الطماطم الذي لا يتعدى سعره الريالات الخمسة؟! ألا يعد طفلنا الذي يجلس بالساعات أمام التلفاز، مستهلكاً أو مستفيداً من خدمة تلك الفضائيات؟! سؤال مفتوح ويبحث عن إجابة. لهذا فأنا أقترح عليك ـ عزيزي القارئ ـ أن تضع جانباً أنظمة الحسابات العتيقة، وتضيف بنداً إلى بنود ميزانية أسرتك، وهو بند لعب الأطفال!! على أن تخصص له ما لا يقل عن 15 في المائة من تلك الميزانية، سواءً لشراء اللعب أو لتنظيف المكان بعد تكسيرها! أو لعلاج أبنائك من تأثيراتها الضارة سلوكيا وصحيا. مَن مِنا لم يشاهد طفله وهو يكاد يخترق التلفاز لاقتناص تلك اللعبة الخيالية التي يعلن عنها؟! لحظات قليلة بعد أن تشتريها له، ويخيم الوجوم والصمت، ثم تحدث الصدمة وخيبة الأمل!! فلم يجد الابن أو الابنة أن هذا المخلوق القادم من الفضاء (اللعبة) يطير أو بمستوى الإبهار الذي شهده في التلفاز! ويا فرحة ما تمت. إلا أن الطفل لن يكل ولن يمل، فسيبادر لطلب اللعبة الأخرى ثم التي تليها وستشتريها له. فتجار هذه الفضائيات يدركون جيداً ضعفك أمام رغبات طفلك، فيقدمون لعباً جديدة كل يوم، لتتواصل رحلة الابتزاز لجيوبنا ومقدراتنا. هم يعلمون جيداً أن طفلك لن يتوقف عن طلب لعبة جديدة، كما أنهم على يقين بأنك يمكن أن تقول لا للعالم أجمع، إلا لطفلك الذي تسعدك ابتسامته، وتحزن لحزنه وكسر خاطره!! والغريب في الأمر، أنك تسمع المروج لتلك اللعب على تلك الفضائيات الاستنزافية يتحدث بلغة عسكرية بالغة الصرامة، ''احذروا المنتجات المقلدة'' واشتروا منتجنا من المكان الفلاني، ''فيكم الخير والله''. فما إن تدخل المول إلا ويركب طفلك العفريت بعدما شاهد اسم المحل الذي أدمن رؤيته على التلفاز. الغريب أنك لا ترى هذا الإعلان التحذيري على القنوات الأخرى بشأن السلع الغذائية مثلاً أو تلك المرتبطة بالصحة!! يا سبحان الله. بالطبع ليس هدف هذا التحذير حماية أطفالنا، بقدر ما هو ضمان إصرار الطفل على شراء الأصلية غالية الثمن، لأنها هي التي ستطير به إلى الفضاء، أو سيسحق بها الأعداء القادمين من الكوكب الآخر!! جميل أن نربي في أبنائنا ملكة الخيال، لأنه طريق إلى الإبداع، ولكن تحدث الصدمة عندما يجد الطفل بين يديه جثة هامدة لا تطير في السماء ولا تخترق الأرض!! هذا خطر لا يمكن تجاهله. فهذه القنوات أغلبها تبث برامجها على مدار 24 ساعة، حتى باتت تستغرق وقت أطفالنا، وكل هذا أتى على حساب الوقت المخصص للمذاكرة أو حتى الاقتراب من الوالدين أو النوم!! فبرنامج الأطفال بات عنده أهم من والديه ومن مدرسته. لقد باتت بعض البرامج تشكل إدماناً، يتطلب تدخلاً طبياً. أما على الجانب الأخلاقي، فحدث ولا حرج، خاصة أن أغلبية ما يبث على تلك الفضائيات أنتج في الغرب ولمجتمعات تحكمها ثقافات تختلف عن ثقافاتنا. كانت صدمتي كبيرة عندما رأيت طفلي الذي لا يتعدى عمره خمس سنوات مستميتاً لمشاهدة مسلسل أطفال كل قصته تدور حول الحبيبة والصديقة!! هل هذه أشياء تقدم لأطفال؟ فإذا كنا كمجتمعات عربية إسلامية نرى فيها خطرا على الكبار، فهل نغذي بذورنا على هذا الغذاء المدمر؟ هل ننتظر منهم بعد ذلك احترام قيمنا العظيمة؟ مؤكد أننا سنعاني لإقناعهم بسلامة وصحة وصدق قيمنا ولكن أليس من الأولى وقايتهم، أليست الوقاية خير من العلاج؟! لا أعتقد أن أحداً سبق أن تحدث في هذا الشأن على خطورته، ربما لأننا منشغلون في الغالب بمشكلات الكبار ومشكلاتنا العامة، ولكننا نكون مخطئين إذا تجاهلنا خطر الإبقاء على هذا الوضع الذي يستنزف ميزانياتنا، ويدمر قيم وأخلاقيات أطفالنا بل ويهدر صحتهم ويضعف مستوياتهم التعليمية. نحن لسنا ضد فضائيات الأطفال التي تربي في أطفالنا القيم العظيمة التي تربينا عليها وتنمي داخلهم ملكة الإبداع والتفكير، ولكن دون أن يأتي ذلك على حساب قيمنا العظيمة أو صحة أو وقت أبنائنا. ينبغي أن نعمل جاهدين لإيقافهم عن استنزاف جيوبنا، فلا نعتقد أن براءة ابتكار اللعبة تستحق تلك المبالغ الطائلة، ولكنهم على يقين أننا لن نتردد في إسعاد أطفالنا، ونضطر آسفين إلى شراء منتجاتهم. وعليه، أتمنى أن تتحرك وزارات الإعلام العربية لتبني ميثاق شرف يلزم هذه الفضائيات بأمور عدة في مقدمتها عدم بث برامج للأطفال تناقض ثوابت قيمنا، فضلاً عن التقيد بوقت محدد للبث للحفاظ على صحة ووقت أطفالنا. أما مسألة الإعلانات، واللعب التي يروج لها عبر تلك الفضائيات التجارية، التي باتت ترهق ميزانياتنا، فهي في حاجة إلى وقفة أخرى شديدة الصرامة، وليرحمونا من ابتزازهم وشططهم. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
إنشرها