FINANCIAL TIMES

عليكم بالضرائب على الثروات المفاجئة في البنوك

عليكم بالضرائب على الثروات المفاجئة في البنوك

فرض ضرائب على الثروات المفاجئة فكرة مروعة. إنها رشوة للاسترضاء، وعبء على من يُقْدِم على المخاطر، وشكل من أشكال المصادرة الاعتباطية. وبالتالي أي شخص عاقل ومنطقي لا ينبغي أن يؤيدها. فلماذا أجد الآن أن فكرة فرض ضرائب الثروات المفاجئة على البنوك مرغوب فيها للغاية؟ إنها لا تبدو بالفعل مختلفة هذه المرة. أولاً، جميع المؤسسات التي تحقق أرباحاً غير عادية تفعل ذلك لأنها مستفيدة من تأمين غير محدود على النفس توفره لها الدولة ولغيرها من الأطراف المناظرة لها. وكما يجادل أندرو هالدين، من بنك إنجلترا «أصبحت الدولة ملجأ التمويل الأخير للبنوك». وقد بلغ إجمالي الدعم في المملكة المتحدة رقما مذهلاً، وصل إلى 74 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ولا بد أن هذا المبلغ هو الأكبر على الإطلاق فيما يتعلق بالدعم المالي المقدم إلى الشركات. ثانيا، الأرباح التي تتحقق في أيامنا هذه هي في معظمها ثمرة للأموال المجانية المقدمة من جانب البنك المركزي الذي هو ذراع للدولة. إن الدولة تمنح البنوك الباقية على قيد الحياة رخصة لطباعة الأوراق النقدية. ثالثا، المبرر الذي تورده الإعانات المالية السخية هو أنها تعمل على عودة النظام المالي، وبالتالي الاقتصاد، إلى الوضع السليم، وأن الأمر لا يتعلق بجعل المصرفيين أثرياء، ولا سيما أولئك المنخرطين في أنواع التداول التي دمرت النظام المالي في المقام الأول. رابعا، الناس العاديين يمكنهم أن يتقبلوا حصول الذين يقدمون على المخاطر على الجوائز، لكن تقديم الجوائز لأولئك الذين أنقذتهم الدولة، ويتحملون مسؤولية رئيسية في التسبب في الأزمة، من المؤكد أنه أمر لا يمكن تحمله. وما يجعل تلك الأمور أشد وقعاً هو أن الأزمة دمرت قدرات ومستقبل عشرات الملايين، إن لم نقل مئات الملايين من الأبرياء في جميع أرجاء العالم. فمصادر التمويل العامة سيلحق بها الأذى والدمار لعقود عديدة، والضرائب ستكون أعلى، في الوقت الذي يتدنى فيه الإنفاق العام. وأثناء ذلك يوشك المصرفيون على جني علاوات ومكافآت ضخمة. ومن شأن ذلك إلحاق الدمار بشرعية اقتصاد السوق. خامسا، من الصعب الجدل لصالح تدخلات استثنائية لإنقاذ القطاع المالي في أوقات الأزمات، وكذلك ضد التدخلات الاستثنائية لاسترداد التكاليف عند انتهاء الأزمة. ولا بد من معادلة «الثروات المفاجئة» بفرض ضرائب مفاجئة عليها. أخيرا، هذه الثروات المفاجئة أصيلة. إنها كما قال جورج سوروس «هدايا مخبأة» من جانب الدولة. وما تعطيه الدولة يفترض أن تسترده ثانية إذا لم يتم استخدامه لأغراض الدولة. لذلك، السؤال الذي يدور في ذهني ليس ما إذا كانت الضريبة على الثروات المفاجئة يمكن تبريرها، بل ما إذا كان بالإمكان تصميمها بصورة ناجحة. فالضرائب لها عواقب غير مقصودة. وعلى المرء أن يكون حريصاً للغاية في مثل هذا النوع من الضرائب. بما أن هدف السياسة إعادة رسملة البنوك، فإن الضريبة المعنية يجب ألا تقلص قدرة البنوك على تحقيق ذلك. وسيكون من الأفضل إلى حد كبير فرض ضريبة على الأموال التي تخصص لغرض العلاوات. ولأنها ستكون مبالغ تدفع لمرة واحدة، فمن المفترض ألا تؤثر على الحوافز (إلا إذا كانت البنوك تخطط لتوليد أزمات على مستوى النظام برمته كل عدد من السنوات). وإذا تم فرض الضريبة على جميع البنوك العاملة ضمن دائرة قضائية ما، فإنها لن تؤثر على المنافسة. وتبدو مبررات ذلك قوية، وتزداد قوة إذا أمكن فرض الضريبة عبر الدوائر القضائية الرئيسية بصورة متزامنة. مع ذلك، الضرائب على الثروات المفاجئة لا يمكنها احتواء التجاوز المالي، ويعود ذلك بصفة أساسية إلى أن هدفها ليس التأثير على الحوافز. إذن ما الذي ينبغي عمله؟ كما يلاحظ هالدين، فإننا شهدنا «زيادة تصاعدية في إقدام البنوك على المخاطر، يرافقها توسيع وتعميق لشبكة الأمان من جانب الدولة». وفي وقت أصبحت فيه مطلوبات البنوك شأناً يزداد تحمل المجتمع لأعبائه، بينما أصبحت مصدات الأمان الخاصة بالأسهم زائدة عن الحاجة بصورة ملحوظة، ارتفع بشدة حافز مساهمي المسؤولية المحدودة والموظفين لمبارزة دافع الضرائب. ومن المنطقي بالنسبة للبنوك اختيار واتباع استراتيجيات مخاطرة، لأنها تأخذ المكاسب من ذلك، بينما يتحمل دافعو الضرائب النتائج السيئة. خلال نصف القرن الماضي ظلت رساميل البنوك في المملكة المتحدة عند مستوى 3 – 5 في المائة من مجموع قيمة الموجودات التي تضاعفت عشر مرات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ متوسط العائد على الأسهم 20 في المائة. ولا بد أن تعني مثل هذه العوائد في اقتصاد راسخ الجذور، إما قيودا عالية على الدخول، أو مبالغة في الإقدام على المخاطر. والأمر الأول غير مرغوب، والثاني يبعث على الرعب، خصوصا في ظل الارتفاع الهائل في درجة انكشاف الدولة أمام المخاطر. لن تتاح لنا فرصة أفضل مما هو متوافر الآن لإصلاح شروط التجارة المتدهورة بين البنوك والدولة. ويجب أن يكون جانب كبير من الحل متمثلاً في تغيير الحافز. وكلما زادت صدقية الحدود المعلنة مسبقاً للدعم الذي تقدمه الحكومة، زادت فاعلية التغيير الذي يمس الحافز داخل البنوك، والعكس صحيح. وكلما قلت قدرتنا على تغيير هذه الحوافز، ازدادت أهمية فرض تنظيمات أشد. إن المزيج المكون من الحوافز القائمة في أيامنا هذه، مع ما هو قائم من شبكة أمان، إضافة إلى «الضوابط المخففة» التي كانت سائدة في الماضي، كان أمراً مدمراً. مع ذلك، وبغض النظر عن نجاح إصلاح الحوافز ـ والضوابط ـ في القطاع المالي، فمن المنطقي ليس فقط استعادة التكاليف المالية المباشرة لإنقاذ البنوك، وإنما كذلك بعض التكاليف المالية الأوسع نطاقاً للأزمة. لقد آن الأوان لممارسة بعض الشعبوية المقدرة بحرص. ومن شأن ضريبة تفرض لمرة واحدة على علاوات الثروات المفاجئة جعل الألم في نظر المجتمع أمراً قابلاً للتحمل بصورة كبيرة للغاية. جربوها وسيحبها الملايين.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES