FINANCIAL TIMES

محاكمة الإرهاب .. قرار شجاع لكنه غير حكيم

محاكمة الإرهاب .. قرار شجاع لكنه غير حكيم

من الآن فصاعداً عليك أن تتردد قبل أن تصف إدارة أوباما بأنها جبانة. قرارها بمحاكمة خالد شيخ محمد، وأربعة من المتهمين بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 أمام محكمة مدنية في نيويورك، بدلاً من محاكمتهم أمام لجنة عسكرية في مكان أبعد ذلك، قرار شجاع. لكنه أيضا قرار غير حكيم. ليس هذا لأسباب أكدها معظم المنتقدين بأن المحاكمة المدنية أفضل مما يستحقه هؤلاء الرجال، أو أنها تمنحهم قاعدة انطلاق دعائية، بل المشكلة الفعلية هي أن هذا القرار يتضمن مخاطرة لا حاجة إليها، بينما يفشل في تحسين شرعية أسلوب الحكومة الأمريكية فيما يتعلق بالمحاكمات الخاصة بالإرهاب. يفترض من الناحية المثالية أن تتم محاكمة الذين يشك في أنهم إرهابيون وفقاً للقواعد ذاتها التي يحاكم بها أولئك المتهمون بجرائم خطيرة أخرى. الرعب من المخالفة لا علاقة له بالأمر. ينبغي أن يكون ذلك واضحاً، لكن بالحكم على الأمور من خلال بعض الهجمات على إيريك هولدر، المدعي العام الذي يخاطر بمسيرة المهنية في هذه القضية، فإن الأمر ليس واضحاً. إن فكرة أن محاكمة مدنية أفضل من أن يستحقها أمثال خالد شيخ محمد لا يمكن الدفاع عنها، وهذا كل ما يستطيع المرء قوله. أما فكرة أن المحاكمة المدنية توفر منطلقاً للدعاية الإسلاموية، فتستحق أن تؤخذ بجدية أكثر. فالدعاية أمر مهم في الصراع من أجل هزيمة الحركة الجهادية، غير أن هذا الاعتراض خاطئ كذلك في نهاية المطاف. ما الذي يمكن أن يقوله المتهم لكسب الدعم من أولئك الذين لم يكرسوا أنفسهم بعد لخدمة الحركة الجهادية؟ إن المدانين مدانون، وهذه هي الحقيقة بالفعل. ومعظم الباقين سيجدون أن جهداً لتمجيد مثل هذه القسوة بالغة الشر، أقرب إلى أن مدعاة للاشمئزاز منه إلى الإيحاء والإلهام. ومن الجانب الدعائي سيكون هناك أثر تعويضي. فإعادة إحياء رعب العالم المتحضر من الأعمال الوحشية تخدم هدفاً مفيداً. يقدم هولدر في شرح موقفه حجة مختلفة عن الدعاية، ويتجنب استخدام هذه الكلمة. وما يقوله صحيح إلى حد ما. فإخضاع المتهمين إلى «محاكمة العصر»، كما يصفها، يخبر العالم بأن الولايات المتحدة تلزم نفسها بأعلى معايير العدالة. قارن وتلمس التناقض، وانظر إلى ما فعله هؤلاء الرجال، وانظر كذلك إلى رد فعلنا. فهناك البرابرة على جانب والناس المتحضرون على الجانب الآخر. أنظر كذلك في هذا الاحتمال: ما الذي يحدث إذا تمت تبرئة المدعى عليهم؟ هذا السيناريو المشوِّق هو الذي يرفض هولدر أن يدخله في الاعتبار. وحين سئل عنه في الأسبوع الماضي لدى إدلائه بشهادته أمام الكونغرس، قال: «الفشل ليس خياراً قائماً. هذه قضايا لا بد من كسبها». من الواضح كما يبدو، أن خالد شيخ محمد والآخرون ممن هم معه مذنبون. وتمنح المحاكمة المدنية، من خلال ما توفره من حماية أقوى للمدعى عليه، محاميه مجالاً أوسع مما تمنحه إياه لجنة عسكرية، وذلك حتى يبحث عن سبب فني للبراءة، من خلال استبعاد الدليل الملطخ والخدع الأخرى. ولدى هؤلاء المحامين كثير من المواد للتعامل معها. وهناك 183 جلسة تتعلق بمحاولة انتزاع اعترافات من المتهم الرئيسي، من خلال ما يسمى الإيهام بالغرق. يعتقد هولدر أن القضية ضد المتهمين الخمسة قوية وراسخة حتى في ظل استثناء الدليل الملطخ ـ وربما يكون الأمر كذلك. ولم يكتف خالد شيخ محمد بالاعتراف بالجريمة فحسب، بل تفاخر بما فعل. وربما يريد أن يتم إعدامه بالقدر الذي يود معظم الأمريكيين ذلك. لكن إذا حصل على محام جيد راغب في تحقيق الشهرة، واستمع إلى نصيحته، فإنه ربما يعيد النظر في اعترافاته. وسنرى. إضافة إلى استبعاد فرضية البراءة، يستعد هولدر كذلك فرضية إطلاق سراح من تتم تبرئتهم. واقترح مسؤولون أنه مهما يحدث من أمر، يجب عدم السماح بإطلاق سراح خالد شيخ محمد، بل ينبغي احتجازه إلى الأبد، بغض النظر عما يحدث من أمور. ولذلك هذه المحاكمة الأنموذجية التي يُقتدى بها إما أن تتوصل إلى الحكم الصحيح، أو تكون باطلة. ويعمل ذلك على إضفاء صفة البلادة على إعلان العدالة للجميع الذي تعتقد الإدارة أنها توجهه إلى العالم. الأمر الأكثر احتمالاً هو أن تتحول هذه المحاكمة إلى ما يريده هولدر، وأن يحصل المتهمون على نصيبهم من العدالة. وحتى في ظل هذه الحالة الأفضل، فإن شرعية نظام محاكمة المشكوك في أنهم إرهابيون لن تكون قد تحسنت، بل يمكن المجادلة بأنها تعرضت إلى مزيد من التقويض، لأن الاكتفاء من جانب إدارة أوباما بمجرد الإعلان أن لجان المحاكمات العسكرية ضعيفة يدل عن أن هذه الإدارة لا تزال راغبة في اللجوء إلى هذه اللجان (بل والسجن الأبدي دون محاكمة) للمعتقلين بتهم إرهابية. فحتى حين أعلن هولدر القرار الخاص بمجرمي 11 أيلول (سبتمبر)، قال إن المتهمين في الهجوم على المدمرة الأمريكية، كول، يواجهون محاكمة عسكرية. ولم يكن لديه تفسير مقنع، أو حتى ذكي لذلك. ويفترض أن السبب الحقيقي هو أن قضية المتهمين بمهاجمة كول أضعف من قضية المتهمين بهجمات 11 أيلول (سبتمبر). وفي ظل الظروف الخاصة بمحاكمة تتعلق بالإرهاب، تلك الظروف التي لا تنجم عن شدة وقسوة الجريمة، ولكن عن صعوبة جمع الأدلة والإفصاح عنها، فإن اللجنة العسكرية تكون إجراءً مشروعاً، وبالتالي كانت شرعية بخصوص محاكمة المتهمين بهجمات 11 أيلول (سبتمبر). إذا كانت المحاكم المدنية غير قادرة على معالجة مثل هذه القضايا، فإن المسار الصحيح هو ضمان أن تعمل اللجان العسكرية بعدالة، وأن يتم تحديد مدى الاستثناء الخاص بالإرهاب، ومن ثم الدفاع عن ذلك المعيار في كل المحاكمات المتعلقة بالإرهاب. إن نهج استخدام أفضل الوسائل المتاحة لإبقاء الإرهابيين بعيداً، طالما يمكنك إبعادهم، هو في الأساس نهج إدارة الرئيس بوش. ولا يمكنك الدفاع عنه كأمر متسق قانونياً، أو مراعٍ للمبادئ بصورة كبيرة. وتتضمن المحاكمة المدنية لمتهمي 11 أيلول (سبتمبر) مخاطرة إضافية، دون أن تكون فيها منفعة قضائية، أو سياسية، بل إنها أمر خاطئ.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES