FINANCIAL TIMES

احذروا الضوء الأحمر لمؤشرات أسعار المستهلك المتصاعدة

احذروا الضوء الأحمر لمؤشرات أسعار المستهلك المتصاعدة

احذروا الضوء الأحمر لمؤشرات أسعار المستهلك المتصاعدة

قبل أسبوعين تحدثت عما أعتبِره الفقاعة الحالية للموجودات، وإلى أي مدى تسهم الجهود الحكومية الرامية إلى إعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي ـ بعد الفقاعة الأخيرة ـ في إنتاجها. اسمحوا لي أن أتحدث الآن عن موضوع أكثر تحديداً. ما هو بالضبط نوع الفقاعة التي نتحدث عنها الآن؟ هذا أمر مهم، لأن قلة من المستثمرين في نظامنا المصاب باختلال وظيفي عميق يَنعَمون بالمقدرة على الوقوف موقف المتفرج أثناء ارتفاع السوق، لمجرد أن الأسعار مبالغ فيها. وكلما تحسَّن فهمهم للسبب الذي يجعلهم يُدفعون دفعاً إلى الدخول، تحسنت فرصهم في وضع أيديهم على إشارات الخطر قبل فوات الأوان. إحدى صور الأحداث تأتي من فريق الاستراتيجية لدى بنك سيتي جروب. يقول الفريق إن معظمنا يعتقد بصحة «الوضع الطبيعي الجديد»، أي عالم لما بعد الأزمة يتسم بمديونية متدنية وضرائب عالية ونمو بطيء ومزيد من القوانين التنظيمية وعائد متدن على الأسهم. على المستوى العالمي هذا يشير إلى أنه يجدر بالمستثمرين أن يُكثِروا من اقتناء الأسهم التي تعطي دائماً أرباحاً ثابتة، وأسهم الشركات ذات الميزانية العمومية القوية، والسندات الممتازة، والاستثمار في الأسواق الناشئة. بالمقابل يجب أن يقللوا من التبذير الاستهلاكي، واقتناء أسهم الشركات التي تعتمد بكثافة على دورة الأعمال، وأسهم الشركات ذات الميزانيات العمومية الضعيفة، والسندات الخطرة. المشكلة أن هذه الاستراتيجية حققت آثاراً رديئة بصورة مذهلة. حتى حين نأخذ في الاعتبار الصعود في الأسواق الناشئة، كان من شأن تلك الاستراتيجية تحقيق خسارة صافية مقدارها 7 في المائة على مدى العام، و16 في المائة منذ أن تحسنت أحوال السوق في آذار (مارس). فهل هذه بالفعل فترة من التغيرات الهيكلية، أم أنها مجرد هبوط دوري كبير على نحو غير عادي؟ حسب ظاهر الأمر الجواب هو الاحتمال الثاني. وكما يلاحظ سيتي بانك، فإن القول إن الأمر مختلف هذه المرة يمكن أن يكون بالدرجة نفسها من الخطورة حين تكون السوق في القاع وحين تكون في القمة. #2# رغم ما تقدم، يقول سيتي بانك إن السوق مدفوعة هذه السنة بالزخم الذاتي (ومدفوعة على ما نفترض بموجة السيولة الممولة من دافعي الضرائب). بحلول السنة المقبلة ينبغي أن يفرض «الوضع الطبيعي الجديد» نفسه، وأن تلاقي الاستراتيجية الفاشلة لهذه السنة مصيرها الذي تستحقه. هذا ما يمكن أن نطلق عليه سيناريو الفقاعة الحميدة. تندفع السوق قليلاً في موجة قوية من الارتياح، ثم تستقر الأمور خلال فترة قصيرة. لكن إذا أردنا الاستماع إلى السيناريو السيئ، دعونا ننتقل إلى تيم بود، من بنك باركليز كابيتال. يقول بوند إن هذه الفقاعات بطبيعتها ناتجة عن أسعار الفائدة المنخفضة بصورة اصطناعية، وهي بدورها ناتجة بالدرجة الأولى عن الاختلالات في الحساب الجاري، أي المشكلة القديمة بين الصين والولايات المتحدة. ليست هناك أدنى إشارة على ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، لسببين: أسعار الفائدة الرسمية الصفرية، ولأن الشركات الأمريكية تستخدم ربحيتها المستعادة في الفترة الأخيرة لتشق طريقها إلى المستثمرين الذين يريدون زيادة عوائد الاستثمار من خلال استخدام الأوراق المالية واقتراض رأس المال، وبالتالي شق الطريق أمام الطلب على الائتمان. كما أن البنوك الأمريكية، التي تجد نفسها أمام هبوط مقداره 9 في المائة في مخزونها من القروض والإيجارات منذ ذروة السنة الماضية، تعمل منذ فترة على تعزيز قاعدتها المتقلصة من الموجودات عن طريق شراء سندات الشركات، وبالتالي تدفع بالعوائد الحقيقية إلى أدنى من جديد. في الوقت نفسه، لا تزال الصين محجمة عن إبداء أية علامات على السماح لعملتها بالارتفاع. معنى ذلك أننا أمام المشكلة القديمة نفسها، أي طوفان من المدخرات الرخيصة بصورة مصطنعة يصب في بلد لا يستطيع، لأسباب عديدة، رفع أسعار الفائدة الحقيقية. باختصار ليس هذا تماماً هو الوضع الطبيعي الجديد. كل هذا يشير إلى ما يصفه بوند بتعبير فقاعة «ما بعد الائتمان»، وهي فقاعة لا يزال أمامها بعض الوقت لتستمر في الحياة. نعود الآن إلى السؤال الأصلي: في السيناريو الذي من هذا القبيل، ما الإشارة التحذيرية التي ربما نراها؟ يمكن أن نأخذ فكرة عن الجواب في ملاحظة بوند التي قال فيها إن الفقاعات في الموجودات المالية في الماضي كانت دائماً تنتشر إلى الاقتصاد الفعلي. ونستطيع منذ الآن ملاحظة شيء من هذا القبيل في قطاع العقارات في مختلف أنحاء العالم. النتيجة التي توصل إليها بوند مذهلة: علينا أن نتوقع أن تتحرك أسعار الموجودات بصورة عامة فوق قيمتها العادلة، وأن تتبعها أسعار المواد الاستهلاكية. في هذه الحالة الضوء الأحمر يمكن أن يكون هو التضخم. ربما تبدو هذه الملاحظة مخالفة للتوقعات الطبيعية. ووفقاً لوجهة النظر التقليدية، العالم يتمتع بقدر كبير من الطاقة الاحتياطية في الناتج إلى درجة أن الخطر الرئيسي لا يزال هو الانكماش الاقتصادي. لكن، كما تجادل سميذرز آند كومباني Smithers & Co، من المستحيل عملياً حتى في عالم مستقر أن نعرف ما إذا كانت هناك فجوة في الناتج، ناهيك عن معرفة حجمها. ولنفترض، خلافاً لما يقوله بوند، أن الاستهلاك سيبدأ بالفعل بالتحول بعيداً عن الولايات المتحدة ويذهب إلى الصين. في هذه الحالة، فإن الأصول التي يُفترَض أنها راكدة، تكون موجودة في المكان الخطأ. لا يمكن شحن مجمعات التسوق الأمريكية عبر المحيط الهادي، كما أن معمل التصنيع الذي يستهلك رأس المال بكثافة بحاجة إلى وقت طويل للتخطيط له وبنائه. نسخة أخرى من هذا التصور تقترحها مؤسسة أبسوليوت استراتيجي ريسيرش Absolute Strategy Research. أثناء ما يسمى الاعتدال العظيم بدأت الشركات العالمية الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية الخفيفة والطويلة. فإذا وقع اضطراب في هذه السلاسل، فإن الطاقة الإنتاجية تكون مرة أخرى موجودة في المكان الخطأ. وحين تنقلب دورة المخزون، وهو أمر سيحدث بالتأكيد، فإن هذا يفرض ضغطاً صاعداً على أسعار المنتجات. أكثر النواتج ترجيحاً لهذا الأمر، وهو أمر تتفق عليه كل من سميذرز وأبسوليوت، يتمثل في حدوث انكماش تضخمي على غرار ما حدث في سبعينيات القرن العشرين. في رأيي لا يمكن تصميم بيئة أسوأ من هذه للأسهم. بطبيعة الحال حدوث هذا الأمر لا يزال بعيداً إلى حد ما. لكن إذا كانت توقعات السيناريو السيئ صحيحة، فإن الرسالة واضحة: ابقوا أعينكم على مؤشرات أسعار المواد الاستهلاكية. وحين تنقلب، ابتعدوا قدر المستطاع.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES