Author

إفريقيا مستعمرة صينية..!!

|
الصين، ذلك المارد، الذي انطلق من القمقم عام 1979م، ليرعب العالم أجمع، ها هو يسطر تاريخاً جديداً مع العالم! لن نعرض لتطور مؤشرات الاقتصاد الصيني خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث أذهل بها القاصي والداني. ولكن دعونا نركز على إفريقيا. فقد وقع اختيار التنين على إفريقيا، لاعتبارات عدة، نعرض لها في هذا المقال. ولكنها البداية لتأكيد ما خلصت إليه أغلب الدراسات الاقتصادية المنصفة، بأنه بعد أن كان القرن الـ 20 هو قرن الولايات المتحدة، والقرن الـ 19 هو قرن أوروبا، فإن القرن الـ 21 هو قرن الصين وآسيا، شئنا أم أبينا، و''تلك الأيام نداولها بين الناس''، صدق الله العظيم. من جد وجد ومن زرع حصد، ومن حق الصين أن تحصد ثمار ما زرعته في إفريقيا على مدى أكثر من 15 عاماً، اتسمت بالجهد المتواصل والبناء لاستمالة إفريقيا، في وقت أهملها فيه العالم. فلم تحظ تلك القارة التعيسة والمنسية من كبار العالم إلا بوعود زائفة في مؤتمرات عالمية تذكارية، لا تسمن ولا تغني من جوع. ولكن الصين لم تكن تتكلم، إذ كانت تفعل وتنفذ على أرض الواقع، من خلال صناديق أنشأتها خصيصاً من أجل إفريقيا، وبرامج دعم وقنوات تعليم وتدريب في الصين لآلاف الأفارقة في مختلف ميادين الحياة، وقروضاً ميسرة للحكومات بالمليارات... إلخ، حتى استحوذت تماماً على أفئدة الأفارقة حكاماً ومحكومين. إفريقيا، ذلك السوق الخصب والغني بالثروات، وخاصة تلك التي لم يتمكن المستعمرون الأوروبيون من استنفاذها أو اكتشافها. فالصين في حاجة إلى إفريقيا، كما أن إفريقيا في حاجة إلى الصين. فإفريقيا قارة ضعيفة مفككة ومشتتة، محكومة في الغالب بأنظمة واهنة، و''ملطوطة'' كما نقول - نحن المصريين - كما أن أغلب تلك الأنظمة هي أنظمة مارقة وساخطة على أوروبا والولايات المتحدة، وبصفة عامة المستعمر القديم، الذي يذكرهم بالتاريخ الاستعبادي لإفريقيا. ولهذا فإن الصين، وجدت بيئة خصبة ومهيأة للنجاح وللسيطرة على هذه القارة الواعدة. فما كان لها أن تحقق مثل هذا النجاح في آسيا أو أوروبا! فهي تتبنى مع أوروبا والولايات المتحدة سياسات أخرى للوصول إلى الهدف، وهو أن تصبح القوة الأعظم عالمياً. ومن يتابع جميع المؤشرات العالمية سيدرك أن الصين ماضية بقوة تفوق التصور نحو إنجاز هذا الهدف، وأحداث الأزمة العالمية الأخيرة ليست عنا ببعيد. لا يمكن لعاقل أن يدعي أن ما قامت به الصين هو من أجل سواد عيون الأفارقة، أو نوع من العطف أو الشفقة، وإنما هي المصلحة، التي كانت وما زالت وستظل الحاكم الوحيد للمبادلات والعلاقات الدولية. فعند الحديث عن العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية، علينا أن ننحي جانباً الحديث عن الأبعاد الإنسانية. فإفريقيا بالنسبة للصين كنز ثمين، أهمله أصحابه وجيرانه، وتُرِك حراً لمن يحسن تقديره. فالصين تعد لقيادة العالم، وحتى تتمكن طائرتها من الانطلاق بسلام نحو الهدف، لا بد أن تكون في المقام الأول محملة بالوقود الكافي، وإفريقيا هي خزان الوقود. وفي سبيل إحكام سيطرتها على القارة قاطبة، لم تتحرك الصين تحركات فردية أو ثنائية، ولكنها جمعت الجميع تحت منبر جامع، وهو ''منتدى التعاون الصيني الإفريقي''، الذي أشعرت القادة الأفارقة من خلاله أنهم يقفون على قدم سواء مع الصين، ولن يعاملوا تلك المعاملة الدونية التي عاملهم بها الغرب خلال القرنين الـ 19 والـ 20. استفادت وستستفيد إفريقيا من المد الصيني، سواء في شكل مشاريع بنية أساسية بعشرات المليارات من الدولارات، أو مشاريع طاقة أو صناعة أو مشاريع خدمية... إلخ، ستقود جميعها في النهاية إلى رفع مستوى معيشة المواطن الإفريقي، وهذا هو غاية المراد من رب العباد. وفي المقابل، ستُحكِم الصين سيطرتها على منابع الثروة، وخاصة الثروات المعدنية التي تذخر بها إفريقيا. فالصين - على سبيل المثال - تخطط لتوسع كبير في مشاريع الطاقة النووية، وتفتقر إلى الوقود النووي (اليورانيوم) الكافي لتشغيل عشرات المحطات، في وقت تذخر فيه الكثير من دول القارة بهذا الوقود (كالنيجر وجنوب إفريقيا وغيرها). وفي ظل تشبع الأسواق الأوروبية والأمريكية، تعد الأسواق الإفريقية أسواقاً بكراً. ومع تسارع وتيرة النمو في إفريقيا، سترتفع مستويات الدخول، وسيرتفع الطلب على المنتجات الصينية، سواء المنتجة في قلب القارة أو المنتجة في الصين. لقد قرأت الصين إفريقيا جيداً، وهذه هي عادتهم الحميدة، التي أهلتهم لنجاح يذهل العالم. فلم يصنعوا فانوس رمضان، بصوت عبد المطلب، إلا بعد دراسة واعية ومستفيضة للسوق المصري، وهكذا يفعلون مع باقي الأسواق. نعم...هو شكل جديد من أشكال الاستعمار. فلم يكن بيد الأفارقة خيارات كثيرة سوى الترحيب بالمد الصيني، في وقت نفض العالم يديه، بل وصم تلك القارة البائسة بأنها عالة على البشرية، وتمنوا أن يضربها زلزال أو يصيبها وباء يريح العالم من مشكلات شعوبها. إلا أن الصين كانت لها وجهة نظر مختلفة، توافقت مع رؤية وطموحات الأفارقة. فالأفارقة يدركون جيداً المخاطر المحتملة للمد الصيني، وأن الصين في يوم من الأيام، لن تختلف في وضعها وتعاملها عن وضع المستعمر القديم، ولكن وكما يقول المثل المصري ''أحيني اليوم وأمتني غداً''. أين نحن العرب من كل هذا؟ نحن بعيدون كل البعد، لم نقدم لإفريقيا سوى شعارات واتفاقات جوفاء واجتماعات خاوية وحفنة من ملايين الدولارات. كنا أولى بإفريقيا من الصين، فهي امتدادنا الاستراتيجي والأمني. فهي الظهير للدول العربية في شمال وغرب إفريقيا، وهي الجار المؤثر للدول العربية في آسيا، ولكننا عُميِنا عنها، وانسقنا وراء أكاذيب، لطالما روجها المغرضون لأسباب كثيرة، وفي مقدمتها منع المد الإسلامي في هذه القارة بعد أن هجرها مستعمرها القديم. يوماً ما، لن تختلف الصين في تعاملها مع باقي دول العالم – وفي مقدمتهم العرب – في صلفها وغرورها وجبروتها، والتاريخ الصيني خير مُعلِم. فماذا أعددنا ـ نحن العرب ـ للتعامل مع مستقبل مؤكد الملامح والقسمات؟ أين جامعة الدول العربية، التي لم نشهد لها نجاحاً حقيقياً على أي صعيد، سوى تصريحات عنترية، لا تنطلي إلا على السذج في عالمنا العربي. فلم تعد الأرض المسلوبة، ولم يتحقق التطور الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي الذي ينشده كل عربي، فمن يعرف إنجازاً حقيقياً لهذا الكيان فليتفضل بطرحه. مؤكد أن العرب في حاجة إلى استحداث آلية جديدة - بخلاف جامعة الدول العربية - تمكنهم من التعامل الجاد والندي، لتحقيق قدر من التوازن العربي الصيني في إفريقيا، وإلا فلنستمر في صمتنا، حتى نخرج من حفرة لتسقط في هوة سحيقة. لا تزال الفرصة قائمة، وأعتقد أن خطوات المملكة خلال الفترة الأخيرة تشكل لبنة لما نبتغيه، إلا أنها في حاجة إلى رؤية استراتيجية، تتحدد من خلالها أهداف وخطوات تعاملنا من إفريقيا. فالمملكة – وكما ذكرت في مقال سابق – هي أكثر الدول العربية تأهلاً لقيادة الركب العربي في إفريقيا، بما لديها من إمكانات مادية وصناعية، تسمح لها ببناء علاقة استراتيجية، تحفظ أمنها، وتنعش اقتصادها وصناعاتها، وتمكنها بناء علاقة راسخة وبناءة مع جيراننا الأفارقة. والله الموفق
إنشرها