Author

البطالة .. «بطلة» المستقبل العربي!!

|
كاتب اقتصادي [email protected]
«أنت تقتلني عندما تأخذ آلية العيش مني» الأديب الإنجليزي وليم شكسبير أتلقى عددا ليس قليلا من الرسائل الإلكترونية التي تصلني في نطاق التعقيب على ما أكتب، يطلب فيها مرسلوها تناول قضية البطالة في حقيقتيها العالمية والعربية. ويبدو أن ما يُكتب عن البطالة ــ في كل الوسائل الإعلامية ــ لا يزال عند هؤلاء، أدنى من بشاعتها وعمقها ومصائبها. فهي مشكلة شبه دائمة في زمن الأزمات، وأوقات النمو. قد تتفاوت ضراوتها من مرحلة إلى أخرى، لكنها حاضرة تقض مضاجع المسؤولين والمشرعين الاقتصاديين، و»تلغي» مسببات النوم عند ضحاياها المباشرين. ولذلك فهي تشكل العنوان الدائم الذي لا يغيب، في الموازنات العامة، وتتمثل في شبح مريع للعاطلين أنفسهم. وإذا استطاع هذا العاطل أو ذاك، الفوز بنوم لا أرق فيه، فإنه في الدقيقة الأولى لاستيقاظه، يبدأ «عمله» كعاطل. فهو لا يحتاج إلى «تحضير» نفسه لهذا النوع من «الوظائف». وفي التاريخ الحديث، عُرف عن رئيس الوزراء البريطاني الراحل هارولد ويلسون، أنه كان يوجه السؤال الأول لوزير ماليته الآتي إليه بحقيبة الموازنة العامة : «كم عدد العاطلين عن العمل لدينا؟». كان هذا السؤال يسبق أسئلة أخرى تتعلق بالعجز وبالميزان التجاري وبالخدمات الصحية والتعليمية وغيرها من العناصر التي تشكل مكونات هذه «الحقيبة». وأحسب أن قادة بقية الدول الراشدة، يوجهون السؤال ذاته، بنفس ترتيب ويلسون. وفي الإطار نفسه، كان الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون يقول: «أنا لا أعتقد أنه باستطاعتنا إصلاح نسيج مجتمعنا، قبل أن يجد القادرون على العمل وظائف لهم». وهذا صحيح، لأن العمل ينظم الحياة، ويبني لها أساسا منضبطا. قبل أن تتفجر الأزمة الاقتصادية العالمية، كانت هناك بطالة عالمية أقل عنفا، لكنها لم تكن كذلك على الساحة العربية، رغم كل مؤشرات النمو الذي شهدته المنطقة العربية في الأعوام التي سبقت الأزمة. كانت عالميا.. تحت السيطرة، وعربيا فوقها. كانت منسجمة إلى حد ما، مع هيكلية الاقتصادات الراشدة، لكنها خارج نطاق الانسجام على الساحة العربية. والمريع أن المنطقة العربية كانت ــ قبل الأزمة ــ الوحيدة بين مناطق العالم، التي شهدت نموا اقتصاديا، مصاحبا لـ «نمو» العاطلين! وعندما حلت الأزمة كـ «زائر» مدمِر، تسارع قطار البطالة عربيا، بصورة باتت السيطرة عليه، مجرد حلم، في عدد كبير من البلدان العربية. ولأن الآليات المساندة لمواجهة البطالة، إما غائبة وإما متواضعة، تحولت القضية من مشكلة إلى مصيبة، تجاوزت كل القدرات والإمكانات، بعدما رمت بالمخططات المحلية في كل بلد، والاستراتيجيات العربية الشاملة، على قارعة الطريق، في ظل إرباك رهيب، في فهم عمليات التحفيز. وهذه النقطة تحديدا، أضافت هما فوق هم على المشهد الاقتصادي العربي. لماذا؟ لأن صانعي القرار الاقتصادي، فهموا التحفيز، على أنه أداة من أدوات خلق الوظائف، لكنه في الواقع ( عربيا وعالميا)، هو آلية لحماية ما تبقى من الوظائف والأعمال، وإبقائها على «قيد الحياة» أطول فترة ممكنة. فحتى خطط التحفيز في الدول الكبرى، فشلت في «تكريس» المفهوم العربي لها. إن هذه العمليات ليست تحفيزية، بل إنقاذية، والفارق شاسع في مساحته بين التوصيفين. والتحفيز – بشكل عام ــ لا يصلح إلا في زمن التباطؤ، أما في زمن الانهيار، لا ينفع إلا الإنقاذ.. بل والنجدة. مع نهاية عام 2009 ، سيصل عدد المنضمين الجدد للعاطلين على مستوى العالم، إلى 59 مليون عاطل ( حسب منظمة العمل الدولية). وطبقا للتقديرات المتداولة، بلغ مجموع العاطلين في عام 2007 أكثر من 190 مليون شخص، وبإضافة ضحايا الأزمة، سيرتفع هذا العدد إلى قرابة 250 مليونا. ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن هناك دولا لا توفر الأرقام الحقيقية لعاطليها، لأنها لا تطرح أصلا أرقاما حقيقية لاقتصاداتها. في الجهة المقابلة يبلغ المجموع الكلي للعاطلين العرب، ما بين 17 و18 مليونا (حسب منظمة العمل العربية)، أي ما يوازي 20 في المائة من مجموع عدد السكان. ولمزيد من الصدمة، هناك سبع دول عربية، في قائمة الدول الثلاثين الأكثر ابتلاء بالبطالة! هذا يعني أن نصيب العرب من «حاصل» مجموع عدد العاطلين الجدد – بفعل الأزمة - سيكون كبيرا، مع الاعتراف باستحالة تحديد أرقام واقعية للعاطلين السابقين والجدد، لكن في كل الأحوال، لن تكون أقل مما هو متداول على الساحة. ومع ذلك، فالقضية لا تنحصر فقط فيما هو موجود أو واقعي، بل تكمن في مسألة مواجهة الكارثة. وأقول كارثة، لأنها تضع تحت جناحيها، مشكلات معيشية وإنسانية واجتماعية، وحتى أمنية، وتؤثر بصورة مخيفة في التشكيل الاجتماعي العام وتطوره. يحتاج العالم العربي، إلى ما يقرب من 5.5 مليون وظيفة، ليس خلال قرن أو عقد من الزمن، بل كل 12 شهرا! وكانت هناك نحو 3.5 مليون وظيفة متاحة ــ أو شبه متاحة ــ قبل الأزمة العالمية، لكن هذه الأخيرة، خفضت حجم هذه الوظائف، كما خفضت عدد المؤسسات والشركات، التي يمكن أن تسهم في توفير فرص العمل. وقد ضربت هذه الحقائق ــ عرض الحائط ــ ما اتفق على تسميته بـ «العقد العربي للتشغيل 2010 ــ 2020 «، وهذا العقد يهدف إلى خفض البطالة العربية، ليس فقط عن طريق توفير الوظائف، بل من خلال استحداث برامج للتدريب المهني والتطوير الوظيفي، ورفع نسبة الملتحقين في التعليم والتدريب المهني، بحدود 50 في المائة في العقد الثاني من القرن الحالي. هذا هو الجانب « الجميل» من القصة. أما الجانب القبيح منها، فيتمثل في أن الموجود على الساحة، لا يزال ــ وسيظل لفترة طويلة ــ أدنى من طموح واضعي المشروعات أو الاستراتيجيات المطروحة. وطبقا لتقديرات «منتدى دافوس الاقتصادي» الذي عقد في الأردن في أيار (مايو) من عام 2009 ، فإن عدد العاطلين عن العمل سيبلغ 80 مليون شخص بحلول عام 2013. بينما جاء في «المنتدى العربي للتنمية والتشغيل» الذي انعقد في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2008 ، أن عدد العاطلين العرب سيصل إلى 70 مليونا بحلول عام 2018. وعلى الرغم من التفاوت في السنوات والعدد، فإن الرقمين التقديريين، «يعلنان» عن انفجار محقق لـ «قنبلة نووية» مصنوعة من البشر، لا من اليورانيوم المخصب! ولا سيما إذا أخذنا في الاعتبار التقديرات بوصول مجموع الكتلة البشرية للعرب في غضون عقد مقبل من الزمن، إلى 350 مليون نسمة، مرتفعا قرابة 30 مليون نسمة، عما هم عليه الآن! إن الأزمة الاقتصادية العالمية – إضافة إلى سوء التخطيط والتنمية – أفرغت قرارات مهمة خرجت بها القمة العربية الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، التي عقدت في الكويت مطلع العام الجاري، من محتواها، بل وضعتها إلى جانب « زميلاتها» من القرارات السياسية في الأدراج، وفي أرشيف جامعة الدول العربية. فهذه القرارات وضعت تصنيفا عربيا ضروريا للمهن بشكل عام، بلغ 1200 مهنة جديدة. لكن كي يمضي هذا التصنيف قدما، يجب أن تكون هناك خطوات عملية، على صعيد تسهيل انتقال العمالة العربية، على أساس أن هذا التصنيف يلبي احتياجات الدول العربية نفسها. وفي ظل الفوضى التي خلفتها الأزمة، بات من الصعب تكريس التصنيف على أرض الواقع، في المدى المنظور على الأقل. فغالبية الدول العربية، تقوم حاليا بإعادة هيكلة اقتصاداتها وفق المعايير التي طرحتها الأزمة، وتحاول بناء مصدات دفاعية لمواجهة أي أزمة محتملة في المستقبل. طبعا هذا لا يعني أن هذه الدول أوقفت قطار التنمية فيها، لكن الأمر يتطلب ــ بعد الاتفاق العام ــ وجود آليات متطورة وواقعية لتطبيق أي مخططات في مواجهة البطالة العربية. والتصنيفات المطروحة تندرج ضمن هذا النطاق. نحن نعلم، أن البطالة ــ في أي دولة أو منطقة ــ تمثل إحدى المصائب الاجتماعية - الاقتصادية، لكنها في المنطقة العربية، لا تزال تمثل لوحة مشوهة، لمستقبل مشوش.
إنشرها