FINANCIAL TIMES

لا تصدق أن الفقاعات يمكن التخلص منها بطريقة علمية

لا تصدق أن الفقاعات يمكن التخلص منها بطريقة علمية

تم إغداق جانب كبير من الهجوم الذي هو في محله على الأكاديميين الاقتصاديين في الآونة الأخيرة، وعلى اعتقادهم الساذج في الممثلين العقلانيين، والأسواق الفعالة، إلى غير ذلك من الأمور. لكن هناك مجالا واحدا ما زالت معتقداتهم فيه تبدو نافذة؛ التنظيم. على الأرجح أن ذلك خطير. ويصر السياسيون الذين يصارعون الأزمة المالية على أن هذا النوع من الأمور يجب ألا يحدث مرة أخرى. وهم ينظرون إلى التنظيم لضمان تنفيذ ذلك. ويسارع المنظمون ـ وهم في الغالب من علماء الاقتصاد الكلي إلى الانصياع لذلك. لكن في جميع الأحوال، المغامرة محتومة. فالطفرة والانفجار ليسا عملية عقلانية، وسيحدثان مرة أخرى بغض النظر عن كافة الأمور. لذا يجب ألا يكون الهدف منع حدوثهما، بل احتواء آثارهما في الجولة المقبلة. مع ذلك الاعتقاد في العقلانية ما زال يبدو متجذراً بعناد في علم الاقتصاد الشائع. وفي الآونة الأخيرة علق أحد المنشقين، الأكاديمي روبرت شيلر من جامعة يال، قائلاً إن استخدام كلمة فقاعة في بعض الندوات الاقتصادية التي حضرها، كان يتم استقباله مثل الحديث عن إشارات دائرة البروج في اجتماع لعلماء الفلك. هناك مثالان يوضحان تلك النقطة عند تطبيقها على التنظيم، إذ يفترض على نحو شائع من جانب الاقتصاديين أن المخاطر المميتة التي يديرها المصرفيون والمتداولون في الفقاعة كانت ببساطة مسألة حوافز خاطئة. وإذا تم إصلاح ذلك ـ جعل المكافآت مشروطة بالنجاح طويل الأمد ـ فإن سلوكهم الشرير سيتوقف. والسبب هو أنهم ممثلون عقلانيون، أليسوا كذلك؟ تشير الحقائق إلى نقيض ذلك. ففي شركة التأمين الأمريكية AIG التي انهارت بسبب المراهنات الكبيرة على المشتقات الائتمانية، كان نظام المكافآت أنموذجياً. كان يتم حجز الدفعات وتخفيضها في السنوات اللاحقة بسبب أية خسائر تتعلق بالتداولات. وبحسب إحدى الروايات، كان إجمالي الخسائر الناتجة للمتداولين نحو 675 مليون دولار. بالمثل، كان هناك بنكان استثماريان يشتهران في الغالب بملكية الموظفين الكبيرة للأسهم ـ نحو 30 في المائة في كل حالة ـ هما بير شتيرنز وليمان براذرز. وحين انهار البنكان وصلت خسائر الموظفين إلى مليارات. كيف نفسر هذا؟ يمكن تفسير ذلك ببساطة بحقيقة أنه في ظل الفقاعات الجميع يفقد عقله على حد سواء. ويتغير إدراك المخاطر سواء كنت متداولاً، أو مستثمراً، أو موظفاً حكومياً. تذكر أن المديونية العالية بشكل مخيف التي طبقتها البنوك في الفقاعة لم تأت بسبب الحاجة إلى قوانين لملائمة رأس المال، وإنما بسبب التطبيق المتراخي من جانب المنظمين. وتذكر أن العجوزات الهائلة في الميزانية التي تواجهها المملكة المتحدة في الوقت الحاضر تنتج بشكل رئيسي عن قيام وزارة المالية بإسناد خطط الإنفاق الخاصة بها على افتراض أن الفقاعة كانت تمثل الوضع الطبيعي. بعبارة أخرى، نحن جميعاً في الأمر معاً. وينطبق ذلك بالقوة ذاتها حين نصل إلى مثالي الثاني؛ الإدارة الرشيدة. منذ عدة سنوات كان واضحاً بالنسبة للحكومات والمنظمين أن الشركات تدار بشكل أفضل إذا كانت للمنظمين الكلمة العليا. واكتسب هذا الأمر قوة إضافية في الأزمة المصرفية. لدى المساهمين رغم كل شيء، اهتمام عقلاني بقيمة استثماراتهم. لذا، لا أحد يعارض القول إنهم كانوا سيوقفون البنك عن الإقدام على مخاطر انتحارية، لو كان بمقدورهم ذلك. كانت هناك على الدوام ناحية غامضة في هذا الأمر. وليس من الواضح أن مديري الصناديق لديهم أية معرفة متخصصة، أو حكمة غير متوافرة للمديرين. وبدلاً من ذلك، ربما كانت الأخطاء الهائلة التي ارتكبوها خلال السنوات الأخيرة في وظيفتهم الأساسية، وهي المحافظة على مدخرات الجمهور العام، تشير إلى أنهم ليست لديهم معرفة متخصصة أو حكمة على الإطلاق. لكن مرة أخرى، لدى الاقتصاديين نظرية هنا؛ نظرية الوكالة تحديداً. وحسبما هي مطبقة على المؤسسات، فإن هذه النظرية تقول إن المديرين والمالكين يميلون دائماً إلى أن تكون لديهم أجندات مختلفة. وعلى أساس أن هذا أمر مضر، فإن المديرين والمالكين يجب أن يتقاربوا إلى أقصى حد ممكن. لا شك في ذلك، لكن مرة أخرى، الحقائق تقاوم النظرية. ولنأخذ مثال رويال بانك أوف سكوتلند. تقول الرواية المبسطة لانهيار أحد أكبر البنوك في العالم إن ذلك كله كان خطأ الرئيس التنفيذي، السير فريد جودوين. ولو أنه خضع لسيطرة مناسبة من قبل المديرين غير التنفيذيين وكبار المساهمين، لما حدث أي من هذا. هل هذه هي الحقيقة فعلياً؟ كان معظم غير التنفيذيين في الغالب من أصحاب النفوذ القوي، وكان عدد آخر منهم من كبار المصرفيين. وبالنسبة للمؤسسات، فهي منعت منذ سنوات محاولات السير فريد تأسيس إمبراطورية بواسطة الاستحواذات. لكن عند نهاية الطفرة ضعفوا وأقرّوا الشراء الكارثي لبنك أيه بي إن أمرو. وعندما تحول التفاؤل الأخير إلى تشاؤم، انفجرت الفقاعة. إن وجهة نظري هي أن التحسينات على هياكل المكافآت أو الإدارة الرشيدة أمر سيئ. وبدلاً من ذلك، علينا أن نكون حذرين إزاء ما نتوقع منهما. وفي المصرفية، علاوة على كل شيء، علينا أن نتذكر أنها صناعة قديمة تمت فيها تجربة كل شيء سابقاً. إن طريقة معالجة الفقاعات، بشكل مختصر، هي توقعها والتعامل معها حين تظهر. وإذا اعتقدنا أنه تم التخلص منها بطريقة عقلانية وعلمية، فإننا سنؤخذ على حين غرة مرة أخرى.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES