Author

رسالة من السويد (6) ما يجمع السعودية والسويد وما يفرقهما

|
أستاذ جامعي ـ السويد
عالم اليوم منهمك في البحث والاستكشاف، فرغم الكم الهائل من العلم والمعرفة التي في حوزتنا الآن، ما نعرفه عن العالم الذي حولنا لا يتجاوز مقدار نقطة في المحيط. ومن جملة ما نفتقر إليه كبشر هو ضآلة وضحالة معلوماتنا عن ثقافات غير ثقافتنا، وأظن أن معظمنا تنقصه المعرفة السليمة بالثقافة التي تربى في أحضانها، لماذا؟ لأننا أصلا لا يمكن أن نتفق على مفهوم معين ومحدد للثقافة. ومن هنا تنبع صعوبة وربما أحيانا استحالة تعريف أمة بثقافة غريبة عن ثقافتها في عالم اليوم، ولهذا نلاحظ استقرارا كبيرا في خريطة الأديان، بينما كانت هذه الخريطة في حركة مستديمة في القرون الغابرة، حيث كان بإمكان نصر عسكري أو غزو أو تغيير مفاجئ في نظرة الحاكم أن يؤدي إلى تغيير شامل في الخريطة. ألم تنقلب خريطة أوروبا على عقب من الوثنية إلى المسيحية في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين العظيم بعد إعلان تنصره في 312 ميلادية؟ وقديما قيل «الناس على دين ملوكها». وحديثا جدا تحول توني بلير رئس الوزراء البريطاني السابق، من الإنجليكانية المذهب المسيحي السائد في إنجلترا وأستراليا وبعض البلدان الإفريقية، إلى المذهب الكاثوليكي، وطبّل له الفاتيكان، بيد أن ذلك لم يزد في الكثلكة خردلة رغم القول المأثور «الناس على دين ملوكها». الثقافات، والدين جزء مهم من الثقافة استقرت ليس جغرافيا، بل ذهنيا وعقليا لدرجة الاستماتة رغم تحول العالم إلى ما يشبه قرية صغيرة كنتيجة حتمية للتقدم والتطور الهائل في الاتصال والمواصلات والتبادل التجاري والاقتصادي والمالي والثقافي. وكون العالم أصبح مثل قرية صغيرة صار بإمكان الأفراد الترحال والاستقرار في بلدان ليست بلدانهم والعيش ضمن بيئة وجغرافية وأسلوب حكم واقتصاد ونظم اجتماعية وديانات وأيديولوجيات لا تشبه على الإطلاق ما كان لديهم قبل الترحال. ومع كل هذا التغير والتحول المكاني، تترسخ الثقافة أكثر، فما هي يا ترى هذه الثقافة التي يبدو أنها لا تقبل الطرح والجمع ولا القسمة والضرب إلا بصعوبة بالغة؟ وكيف لها أن تتعايش وتتأقلم وتتكيف مع التغيير المكاني وما يرافقه من تحولات؟ قبل التطرق إلى الثقافة الإسلامية في الغرب عموما والسويد على وجه الخصوص علينا الاستقرار على مفهوم محدد بعض الشيء لمعنى الثقافة كي نضيفه إلى الإطار أو الرصيف النظري لرسائلنا هذه. المفهوم الشائع للثقافة في الوطن العربي يشير عادة إلى كل ما له علاقة بالفنون الجميلة كالرقص والغناء والمسرح والموسيقى والشعر والتأليف .. لا شك أن هذه الفنون مكونات مهمة بالنسبة إلى الثقافة ولكن لا يجوز حصر الثقافة فيها. الثقافة أشمل بكثير من أن تحصر في الفنون الجميلة وأكثر سعة وشمولا من أن توضع ضمن تعريف واحد، هناك ما يزيد على 200 تعريف علمي وأكاديمي للثقافة كمفهوم، وأكثر التعاريف شيوعا وملاءمة، حسب وجهة نظري، هي تلك التي تنظر إلى الثقافة كأسلوب مشترك للحياة، يجمع الناس سوية لدرجة تجعلهم يفهمون وينظرون إلى العالم بطريقة تكاد تكون متشابهه ويكافحون من أجل أهداف مشتركة ويتصرفون في أغلب الأحيان بطريقة واحدة، وبعبارة أخرى، يمتلكون صورة مشابهة تقريبا لما يجب أن يكون العالم عليه. نحن هنا لسنا بصدد من هو على حق ومن هو على باطل ومن هو صح ومن هو خطأ، القوي إن كان فردا أو مجموعة أو مؤسسة غالبا ما يحاول أن يفرض ثقافته كما يراها على الضعيف، مستخدما شتى الأساليب من ضمنها الإقناع أو العنف أو الاثنان معا ـ الترغيب والترهيب. السويد دولة قوية ولها وزارة للثقافة تبلغ ميزانيتها السنوية أكثر من مليار دولار، مع ذلك تتجنب لا بل تنبذ العنف في سياستها الثقافية ولا ترغب في إقناع أي مجموعة من البشر بأن تغير الصورة التي تمتلكها عن العالم، على العكس من ذلك تماما، تبذل السويد ما في وسعها كي تحافظ كل مكونات مجتمعها على ثقافتها الخاصة بها، وهناك امتيازات مادية سخية ومعونات مختلفة الأشكال تمنح للمجموعات البشرية ضمن سكانها لمساعدتهم على الحفاظ على ثقافتهم. من هنا تقع علينا نحن المختصين المتشبعين بالثقافة العربية الإسلامية ونحن نعمل في بيئة غير إسلامية مسؤوليات وتحديات كبيرة، كيف لنا والمسلمين الذين ندافع عنهم بإخلاص منقطع النظير أن نرقى في خطابنا وحديثنا عن الإسلام إلى مستوى مقارب للخطاب الثقافي السويدي. كما قلت في الرسالة السابقة القرآن يساعدنا كثيرا في بحثنا عن خطاب إسلامي يتحدث بلغة معاصرة ويقارب قضايا الثقافة والمعاصرة وقضايا الزمن وقضايا العصر وتحدياته، إلا أنني أردفت قائلا: إن الطريق إلى ذلك شاق ومنهك وفيه أحيانا كثير من المجازفة لأسباب لا يتسع المجال لذكرها. وقد تقول عزيزي القارئ هاتوا لنا تجربتكم ربما لنا من الأفكار ما يساعدكم في مسعاكم، جوابي هو عن طيبة خاطر يا قارئي اللبيب.
إنشرها