FINANCIAL TIMES

مسار التصادم بين "فولكسفاجن" و"بورش" لبسط النفوذ العائلي

مسار التصادم بين "فولكسفاجن" و"بورش"  لبسط النفوذ العائلي

مسار التصادم بين "فولكسفاجن" و"بورش"  لبسط النفوذ العائلي

في أي قائمة من الأخطاء المهنية، فإن الرسالة التي كتبها أرنو بوهن قبل 17 عاماً تعتبر في مصاف الأخطاء الكبيرة. وبصفته رئيساً تنفيذياً لـ"بورش"، كتب إلى فيرديناند بيش للإشارة إلى أن على حفيد مؤسس شركة صناعة السيارات الرياضية الألمانية أن يستقيل من المجلس الرقابي للشركة، التي كانت في ذلك الحين على حافة الإفلاس. بعد أشهر قليلة – وبعض التقاذفات القوية مع بيش – فإن بوهين هو الذي ترك المجموعة. وقدمت مغادرته مؤشراً مبكراً على قوة "عامل بيش" – كيف يعمل قائد غير رسمي لإحدى عشائر عائلتي بورش، الذي يجمع الخناجر التقليدية، وأحد أكبر المساهمين في الشركة، على دفع القرارات، ويفقد أعصابه تجاه أي شخص يعترض طريقه. كانت مثل هذه الخصال واضحة بشكل بارز في الشهور الأخيرة في الوقت الذي كانت فيه "بورش" تواجه أحدث أزماتها، إذ سارت محاولة متهورة للاستيلاء على "فولكسفاجن" ، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا- حيث يرأس بيش المجلس الرقابي فيها – على نحو سيئ للغاية بعد أن خلقت الأزمة الاقتصادية العالمية مشكلات في جمع الأموال، وأدت إلى تدهور جذري في مبيعات السيارات، بينما وضع السياسيون عوائق في طريقه. بدلاً من الاستسلام، فإن بيش البالغ من العمر 72 عاماً، تحرك ليقلب الأمور إزاء أولئك الذين أعاقوا طموحه، عن طريق حبك خطة بديلة من شأنها أن تبتكر شركة متكاملة، بوجوده شخصياً في مركز السيطرة الكاملة بشكل راسخ. وفي خضم العملية، عمل على تصعيد النزاع بين مالكي "بورش" من أفراد العائلة. #2# يقول ماكس وربورتون، المحلل لدى شركة بيرنشتاين للأبحاث: "يهتم بيش بجعل إرثه متماسكاً أكثر من اهتمامه بثروته الشخصية", غير أن مصرفياً رفيع المنصب من فرانكفورت، يعرف بيش جيداً، يقول ذلك بشكل مختلف: "إن الأمر لا يتعلق كثيراً بشأن الإرث العائلي كما يعتقد كثيرون، بل إنه بشأن السلطة الشخصية, وحتى إنه على استعداد للمخاطرة بمستقبل عائلاته بالمجازفة بدرجة كبيرة." إن بيش ليس الرئيس الوحيد لسلالة سيارات أوروبية ممن هو على استعداد للتقليل من شأن نفوذ عائلته من أجل أن يؤسس مجموعة أكبر، إذ تحاول عشيرة أجنيللي أن تدمج "أوبل" الألمانية مع "كرايزلر" في الولايات المتحدة و"فيات" في وطنها الأصلي، ضمن صفقة من شأنها أن تترك للعائلة حصة أصغر بشكل كلي. وإذا نجح، على أية حال، فإن بيش، الذي رفض أن يجري مقابلة لكتابة هذا المقال، سيكون قد حقق حلم توحيد اسمي "بورش" و"فولكسفاجن" معاً. ويعود تاريخ الارتباط إلى جده الأكبر، فيرديناند بورش، وهو مهندس نمساوي قام في ثلاثينيات القرن الماضي بتصميم سيارة الخنفساء "بيتلز" الأصلية من إنتاج فولكسفاجن، ووجد حفيداً لبورش. بدأت مهمة بيش لدمج "بورش" و"فولكسفاجن" معاً عندما تم في سبعينيات القرن الماضي إدخال قانوني عائلي يقضي بضرورة عدم قيام أي من مساهمي "بورش" بالعمل في إدارة الشركة. وبدلاً من ذلك، بدأ بيش حياته المهنية في العمل لدى "أودي"، وهي فرع من "فولكسفاجن" ، المجموعة التي أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية رمزاً للأعجوبة الاقتصادية في ألمانيا – والفضل جزئياً يعود إلى الإنتاج الشامل، والتصدير، لسيارة الخنفساء. وكانت "أودي" مجرد نقطة البداية لبيش، الذي أصبح في عام 1993 الرئيس التنفيذي لـ"فولكسفاجن" قبل أن ينتقل ليرأس المجلس الرقابي في عام 2002. وقال في إحدى المرات: "لقد كان هدفي على الدوام في نهاية المطاف أن أدير شركة أكبر من شركة جدي." كانت الانقسامات العائلية منذ فترة طويلة جزءاً من تاريخ "بورش". وكانت رسالة بوهن سيئة السمعة رداً على دعوة علنية من جانب بيش إلى عمه، فيري بورش، لكي يستقيل من منصبه كرئيس لمجلس الإدارة. وفي الآونة الأخيرة، حدثت مشاحنات قوية بين أكثر من 60 فرداً من عائلتي بورش وبيش بشأن خطوة المجموعة المتعلقة بالسيارات الرياضية مع طراز كايان، وبشأن طرازها الجديد من سيارات الصالون الكبيرة من نوع باناميرا. وكانت إحدى المواجهات العلنية بين بيش وابن عمه وولفغانغ بورش الذي يرأس المجلس الرقابي لـ"بورش". إن عائلة بورش، بحصتها البالغة 53.7 في المائة، لديها مساهمة أكبر من عائلة بيش التي تملك حصة نسبتها 46.3 في المائة – ولكن البعض منهم جمع حقوق تصويت. وبموجب قوانين الشركة، ينبغي على العائلات التوصل إلى قرار بالإجماع بشأن القرارات الاستراتيجية. وتمت زراعة بذور المعركة الأخيرة في أوائل هذا العام، عندما أصبح من الواضح أن محاولة بورش للاستحواذ على "فولكسفاجن" – التي أطلق عليها المصرفيون عبارة "أكبر عملية شراء شاملة بالاستدانة"- فشلت. وفي حين حاول أفراد العائلة الآخرون بمشقة التوصل إلى ما ينبغي فعله، شعر بيش بأن الفرصة سنحت له. وتعاني "بورش" مشكلات مالية أكثر مما تعترف الإدارة به، حسبما قال المهندس لأفراد العائلة. وتحديداً، فإن الخيارات بأن "بورش" طالبت بشراء حصص في "فولكسفاجن" شكلت مخاطر أكبر – وهو أمر تنكره "بورش" بقوة. كانت تلك الخيارات محورية في خطة الاستحواذ. ومنذ عام 2005، استخدم هولجر هارتر، المسؤول المالي الأعلى في "بورش"، نوعاً خاصاً من المنتج المالي، لم ينبغ الكشف عنه، من أجل التحوط ضد سعر أسهم "فولكسفاجن" المرتفع، وإخفاء نواياه لزيادة حصة "بورش". وأطلق بعض المحللين على شركة صناعة السيارات الرياضية لقب صندوق تحوط، وحذروا من أن مثل تلك الآليات من شأنها أن تنفجر في أحد الأيام في وجه هارتر. لم يحدث ذلك بعد. وارتفع سعر أسهم "فولكسفاجن" بشكل صاروخي في شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بعد أن كشفت "بورش" عن أنها حصلت بشكل مباشر، وغير مباشر، على السيطرة على نحو 75 في المائة من أسهم "فولكسفاجن". وفي إحدى المراحل، أصبحت "فولكسفاجن" الشركة الأكثر قيمة في العالم. وما زال تقييمها السوقي أعلى بكثير من نظرائها في الصناعة. والعديد من صناديق التحوط، والمستثمرون الآخرون الذين راهنوا على انخفاض أسعار أسهم "فولكسفاجن" ، عانوا خسائر كبيرة. حققت "بورش" أرباحاً هائلة بتداولات خياراتها – على الورق. ولكن عندما لم يبق لديها نقود لزيادة حصتها، زادت مخاطر احتمال اضطرارها إلى تفكيك الخيارات. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى انهيار أسعار أسهم "فولكسفاجن"، ويحدث عمليات تخفيض قيمة الأصول بالنسبة لحصة "بورش" في "فولكسفاجن". وإذا تمسكت "بورش" بالخيارات، فإنها تواجه ضرورة أن تدفع رسماً بمئات الملايين من اليورو في الوقت الذي تنوء فيه تحت ثقل فاتورة الفوائد على صافي الدين البالغ تسعة مليارات يورو. بينما عملت العائلات بمشقة لإدراك الخطأ الذي كان يحصل، فإن بيش، كما بدا واضحاً الآن، بدأ فعلياً بمناورة كانت تهدف إلى الحصول على السيطرة على المجموعة المدمجة. ويقول أحد المصرفيين المطلعين على قرارات العائلة: "إنه خلق الكثير من الفوضى والاضطراب في العائلة. وكان هو الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه التفكير بهدوء". بعد عيد الفصح بفترة وجيزة، أمسك بيش بفرصته. وكانت "بورش" تعمل جاهدة لإعادة تمويل ديونها، وبدأت بإجراء مفاوضات مع البنوك بشكل متأخر للغاية: عملت الأزمة المالية العالمية على تغيير عالم المصرفية. وعند تلك النقطة، عرف ويندلين ويدكينغ، الرئيس التنفيذي الذي يتحدث صراحة، والذي أنقذ "بورش" في أوائل تسعينيات القرن الماضي – أن خطة الاستحواذ فشلت. وأصبح من الواضح أن "قانون فولكسفاجن" " الألماني – الذي يعطي ولاية سكسونيا الدنيا تصويتا خاصا، وتمت معارضته منذ فترة طويلة من جانب المفوضية الأوروبية –لن يتم رفضه رغم كل شيء. وطلب كريستيان وولف، رئيس وزراء سكسونيا الدنيا، مساعدة أنجيلا ميركل، المستشارة الألمانية، وأبعد جانباً اعتراضات المفوضية بتقديم نسخة منقحة بشكل متواضع فقط من القانون. وجعل ذلك من المستحيل بالنسبة لـ"بورش" أن تحصل على الموافقة على "اتفاقية هيمنة" تعطيها السيطرة الكاملة. وقال وولف في فترة قريبة لزملائه في الحزب: "لم تكن شركة بورش تعتقد أنه كان بمقدورنا القيام بذلك. وهم ببساطة قللوا من تقدير شأننا". انضم بيش إلى اجتماع تم تقريره في اللحظة الأخيرة في مستشارية سكسونيا الدنيا، التي تعتبر حكومتها ثاني أكبر مساهم في "فولكسفاجن". وبحضور وولفغانغ بورش، وإدارة "فولكسفاجن" ، اعترف ويدكينغ بالمشكلات المالية التي تعانيها بورش، وطرح البديل المتمثل في بيع قطاع عمليات صناعة السيارات الرياضية إلى "فولكسفاجن" مقابل الأسهم. وطلب أيضاً من "فولكسفاجن" أن تمنح "بورش" قرضاً. ووافقت "فولكسفاجن" – بدعم بيش- على إقراض شركة صناعة السيارات الرياضية مبلغ 700 مليون يورو لتخفيف العبء عنها. عندما تردد ويدكينغ، لجأ بيش إلى مارتن وينتركورن، الرئيس التنفيذي لـ "فولكسفاجن" ، لحبك خطوة مضادة. وبدلاً من أن تسلم "بورش" عملها التشغيلي مقابل الحصول على أسهم في "فولكسفاجن" ، فإنه يجب أن يتم الدفع نقداً. ونتيجة لذلك، يكون بمقدور "بورش" أن تدفع الدين، ولكن سوف تكون لـ"فولكسفاجن" السيطرة بشكل واضح. وصلت الأمور إلى ذروتها عندما اجتمعت العائلات في الشهر الماضي في سالزبورج، في النمسا، حيث يعيش معظم أفرادها. وبعبارة ركيكة، وعدوا جميعهم بتأسيس "مصنع سيارات متكامل"، بوجود "بورش" كعلامة تجارية عاشرة مستقلة، إلى جانب أقسام مجموعة فولكس فوجن مثل "أودي، و"سكودا"، و"بنتلي". واستهزأ البعض قائلاً إن العبارات كانت تشبه "رسالة مجموعة العشرين" التي تركت حيزاً فارغاً لتفسيرات مختلفة. في الأسابيع الأخيرة، حاول ويدكينغ – بدعم من ووولفغانغ بورش – أن يعيد إحياء خطة جديدة. وبحث عن مستثمر من الشرق الأوسط للمساعدة على زيادة رأسمال "بورش"، وتخفيض ديونها – وبالتالي زيادة قوتها في المفاوضات مع "فولكسفاجن". ولكنه لدى قيامه بذلك، فإنه يواجه حظراً عائلياً يمنع البيع. وتم في ثمانينيات القرن الماضي منع خطوة قام بها أحد أفراد عائلة بيش لبيع حصته إلى مستثمر عربي، من جانب باقي أفراد العائلة. من المحتمل أن يواجه ويدكنغ أيضاً مقاومة متواصلة من جانب بيش، الذي يريد أن تكون "فولكسفاجن"، ونفسه – بدلاً من بورش وابن عمه – في مركز تحالف جديد. وتم تقليل شأن ذلك أثناء مؤتمر صحفي عقد في سردينيا بعد فترة وجيزة من اجتماع سالزبورج، حيث أطلق بيش هجوماً شفهياً مبهماً بشكل خاص على ويدكنغ. وأثناء جلوسه في مطعم فندق رومازينو، قريباً من كوستا سميرالدا بمياهه الملونة باللون الزمردي، قال للصحفين: "ما زلت أثق في ويدكنغ" – ثم أضاف بمرح: "بإمكانكم حذف كلمة ’ما زلت‘." وبعد مزيد من عبارات الهجوم القليلة على إدارة "بورش"، تدخلت زوجته أوسولا، وطلبت منه المغادرة قائلة: "فيردي، سوف يبرد الطعام". يقول المقربون منه إن بيش سوف يرغب في نهاية المطاف في أن يجلب علامات تجارية أخرى، على سبيل المثال بالاستحواذ على "دوكاتي"، شركة صناعة الدراجات الآلية الإيطالية، أو" سوزوكي" اليابانية، أو "مان"، شركة صناعة الشاحنات الألمانية التي تملك فيها "فولكسفاجن" فعلياً حصة تبلغ نحو 30 في المائة. ووصف بيش في الماضي أولوياته قائلاً: "فولكسفاجن، العائلة، المال". من المحتمل أن تكون الأسابيع والشهور القليلة المقبلة شاقة لجميع الأطراف. ويواجه ويدكنغ الذي يبدو أنه فقد دعم عديد من أفراد العائلة، سباقاً صعباً للحصول على مبلغ 2.5 مليار دولار على شكل قروض تسعى "بورش" إلى الحصول عليها. ولكن في "فولكسفاجن"، فإن البعض منزعج من ألعاب بيش للحصول على السلطة وسط الأزمة التي تعانيها بورش. ويقول أحدهم: "لا أحد يحب أن يعامل وكأنه دمية". وكان لدى المساهمين الخارجين سبب للتذمر أيضاً. وواجهت "بافين"، المراقبة المالية الألمانية الانتقادات لعدم منعها "بورش" من إبقاء الأسواق غير مطلعة على استراتيجية خياراتها. وإضافة إلى ذلك، غالباً ما يتهم بيش بتضارب المصالح لدى جمعه بين دوره كرئيس لـ"فولكسفاجن" ، ومساهم كبير في "بورش". لكن يبدو أن عميد العائلة لا يبالي كثيراً إزاء تلك التفاصيل، في الوقت الذي ظهرت فيه صداماته مع ويدكنغ. وتبدو حملاته ضد الرئيس التنفيذي لـ"بورش" وكأنها حرب بديلة في المعركة مع ابن عمه بشأن رئاسة مستقبل مجموعة السيارات. وإذا خسر ويدكنغ، تخسر كذلك "بورش". ويقول أحد أصدقائه المقربين: "إن وولفغانغ بورش هو شخص يشعر أنه تقع على عاتقه المسؤولية الأخلاقية لدعم ويدكنغ حتى النهاية". تتمثل إحدى المخاطر في أن يتمادى بيش كثيراً. وفي ولاية سكسونيا الدنيا، فإن وولف سوف يقتنص الفرصة لطرده كرئيس لمجلس الإدارة – وهو أمر حاول السياسي الطموح أن ينفذه في السابق. ولكن معظم أولئك الذين راقبوا خدع الشهور القليلة الماضية يشككون في أن رئيس "فولكسفاجن" سوف ينتصر. ويقول الرئيس التنفيذي لإحدى مجموعات السيارات الألمانية الكبيرة: "لا يجب عليك على الإطلاق أن تقلل من شأن بيش". سوف تكون المسألة الأكثر إلحاحاً ما إذا كان بيش وعائلات بورش، قادرين على التكيف بكونهم مجرد مساهمين في إمبراطورية للسيارات أكبر بكثير. والمزيد من النزاع سوف يثبت أنه ترف مكلف للغاية في مجموعة مثل هذه.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES