FINANCIAL TIMES

المجرمون المتأنقون يتدخلون لسد فراغ القروض في إيطاليا

المجرمون المتأنقون يتدخلون لسد فراغ القروض في إيطاليا

انتهى الحلم الإيطالي للغاية الخاص بفاوستو بيرنارديني لإنشاء فريق كرة قدم مكون من خمسة لاعبين في بلدته ليصبح نادياً فائزاً بالكأس، بعد كابوس طويل، وذلك في اليوم الذي قام فيه داعموه الماليون بتثبيته على بوابة منزله، وهددوه باختطاف ابنته الصغيرة. كانت تلك هي اللحظة التي أدرك فيها أن عليه أن يحرر نفسه من مخالب حيتان القروض الذين كانوا يضغطون عليه دائماً من أجل المزيد. يوضح بيرنارديني من سيتيكاميني التي تقع قريباً من روما قائلا: "أنت تلجأ إليهم لعدم توافر السيولة لديك، كما أن البنوك تخذلك". ويقول: "في غضون 18 شهراً، تحول مبلغ عشرة آلاف يورو إلى 300 ألف يورو". وخلال ذلك الوقت، الذي أمضاه وهو يحاول جاهداً الاقتراض من أية جهة يمكنه الاقتراض منها لسداد الديون المتراكمة، فقد كل شيء – "نادي كرة القدم الذي أملكه، وجميع علاقاتي العائلية، واتصالاتي الاجتماعية". يعتبر بيرنارديني، البالغ من العمر 46 عاماً، واحداً من نحو مليوني مواطن إيطالي معروف أنهم وقعوا في مصيدة الربا. وفي وقت قريب للغاية في روما، أشعل أنطونيو لاندولفي البالغ من العمر 42 عاما ومثقل للغاية بالديون، النار بنفسه خارج قاعة اليانصيب. فهو لم يستطع تحمل نفقات العلاج الصحي اللازم لابنه. وفي اليوم الذي انتحر فيه، رفض البنك الذي يتعامل معه إعطاءه قرضاً. إن البنوك المحافظة في إيطاليا تقرض على نحو أقل من المعتاد في الوقت الذي تضرب فيه أزمة السيولة بشكل أعمق، وتضطر المزيد من الأفراد في القطاع الخاص، ورجال الأعمال إلى اللجوء إلى حيتان القروض. وكان أولئك الذين أقرضوا بيرنارديني تجاراً محليين ممن كانت تتم مقاضاتهم بتهمة الربا. كما أن عصابات المافيا، المغمورة بالسيولة من تجارة المخدرات متورطة على نحو متزايد، وبشكل رئيس في معاقلها في الجنوب الأكثر فقراً. وفقاً للمؤسسة الفكرية "يوريسبس" Eurispes، فإن القرض المبدئي يكون صغيراً نسبياً: خمسة آلاف يورو (66,640 دولاراً، 4,450 جنيهاً استرلينياً) في نحو 43 في المائة من الحالات المبلغ عنها. وتراوح معدلات الفائدة في العادة من نسبة سنوية تبلغ 120 في المائة إلى 240 في المائة، ولكن يمكن أن تصل إلى 500 في المائة. وقدرت "سنيل" Cnel، وهي هيئة استشارية حكومية، أن سوق الربا الإجمالية في إيطاليا بلغ 12.5 مليار يورو في عام 2006. يعتقد أن السوق تتوسع، رغم أن معظم الحالات تمر دون إبلاغ كما يعتقد. وفي عام 2008، كان هناك فقط نحو 337 دعوى قضائية بسبب الربا، بنسبة 10 في المائة أقل من العام الذي سبقه، حسبما تقول "يرويسبس" في تقريرها بشأن إيطاليا الذي صدر عام 2009. يقول بيرنارديني: "إنه نوع من مرض ستوكهولم – تصبح معتمداً على المرابي الذي تتعامل معه، وترى أنه طريقك الوحيد للخروج". إن الإيطاليين رغم ذلك ما زالوا يقترضون أقل نسبياً بالمقارنة مع معظم الأوروبيين (على النقيض من الحكومة التي تعتبر ثالث أكبر دولة في العالم مديونية). على أية حال، فإن الديون الشخصية في ارتفاع سريع. ووفقاً لبنك إيطاليا، فإن إجمالي الديون الشخصية يبلغ 350 مليار يورو، أي ما يعادل 49 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي. وهذا المستوى المتواضع من الدين – مقارنة مع بريطانيا المبذرة للغاية، حيث تبلغ النسبة أكثر من 100 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي – سببه جزئياً أن نحو ثلاثة ملايين عائلة إيطالية لا تستطيع الوصول إلى الائتمان. ويعيش معظمها في الجنوب. لكن الخبراء يحذرون من أن ما يقدر بنحو 1.4 مليون عائلة يمكن أن تقع فريسة بين أيدي حيتان القروض في العام المقبل. إن أعلى رقم من حالات الربا المبلغ عنها هي في نابولي، تتبعها باري، وهي أيضاً في الجنوب، ثم تورين، المركز الصناعي للشمال الغربي. وإلى جانب العائلات، يغلب أن يكون الضحايا شركات صغيرة، حيث إن نسبة 48 في المائة في القطاع التجاري، ونسبة 10 في المائة في قطاع الحرف اليدوية. يقول لينو بوسا، رئيس "سوس إمبريسا" Sos Impresa، وهو اتحاد لقطاع العمل، إن من المحتمل أن يلجأ المقترضون إلى حيتان القروض لتفادي المراحل الأولى من إعلان الإفلاس. ووفقاً لغرف التجارة، فإن حالات الإعلان عن الإفلاس زادت بأكثر من الضعف في عام 2008، إلى قرابة 13,000حالة. يعتقد بوسا أن المافيا تشكل فقط نسبة 10 إلى 15 في المائة من حالات الربا. وعلى أية حال، فإنه يضيف قائلاً: "إنها تتحول إلى جريمة مترابطة، ويتم خلق شبكات حقيقية. وفي المتوسط، يكون لدى المرابي ما بين 80 إلى 100 زبون". تحل مكان الشخصية التقليدية للمرابي الوحيد في "الحي" "منظمات إجرامية، أو مستثمرون مهنيون متأنقون، لديهم صداقات قوية". يرى نيكولا زينجاريتي، رئيس اليسار الوسط لمقاطعة روما، أن المدن سريعة النمو قريباً من جنوب العاصمة، مثل مارينو، وأنزيو، ونيتونو، أكثر عرضة إلى الربا. ويقول للـ "فاينانشال تايمز" في مقابلة أجريت معه: "إن الأمر يفرض نفسه على النسيج المدني المحطم في مثل هذه المدن، حيث لا تعتبر الشبكات الاجتماعية محكمة الصلة". إن تغلغل العصابات الإجرامية وحيتان القروض في روما يقلق زينجاريتي الذي كان يطلق صفارات الإنذار في وسائل الإعلام. وفي الآونة الأخيرة، تم إغلاق مطعم بالقرب من سبانيش ستيبس Spanish Steps، ومقهى مشهور، بسبب روابط مشتبه بها مع زعماء مافيا مجموعات الجريمة المنظمة في إيطاليا. يقول زينجاريتي: "إن اقتصاد روما ومقاطعتها نما بشكل ثابت في السنوات الأخيرة، ليس في قطاع التصنيع، ولكن في قطاع الخدمات والتجارة. وأتاح هذا الأمر تغلغل مافيا جديدة لا تتسم بالعنف، على نحو سهل". يمكن أن ترافق عملية غسل الأموال الربا، في الوقت الذي تشق فيه الأموال "القذرة" طريقها داخل النظام، ويستخدمها في بعض الأحيان حيتان القروض والمدافعون عنهم للاستيلاء على الشركات التي لا يمكنها تسديد ديونها. أدت تجربة بيرنارديني المرعبة به إلى أن يبدأ حملة لتقديم النصائح إلى الأشخاص حول الهروب من مخالب حيتان القروض. ويقول إنه من الصعب إثبات الجريمة. قال بيرنارديني: "هناك حاجة إلى أجزاء واضحة ومؤكدة من الأدلة للإيقاع بالمرابي الذي تتعامل معه، والذي يعمل بشكل خفي". وهناك أيضاً غياب للتضامن بين الضحايا. ويميل الرأي العام إلى إدانتهم جراء ما فعلوه. يزعم منظمو الحملات المناهضة للمافيا أن البنوك متواطئة في بعض الأحيان، وتحرم الزبائن من القروض، ومن ثم توجههم باتجاه حيتان القروض. قال بوسا: "كان من الممكن القيام بخطوة كبيرة إلى الأمام لو تم تطبيق المزيد من القوانين المصرفية الصارمة، وتوجب على البنوك الإبلاغ عن العمليات غير العادية. ولكن دعونا لا ننسى أن المرابين هم زبائن رائعون بالنسبة للبنوك".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES