FINANCIAL TIMES

ألمانيا بحاجة إلى أكثر من مجرد خدعة محاسبية

ألمانيا بحاجة إلى أكثر من مجرد خدعة محاسبية

ألمانيا ربما تأتي مباشرة بعد الولايات المتحدة من حيث مواجهة أكبر مشكلة بنكية. مجلس الوزراء الألماني تبنى في الأسبوع الماضي خطة إنقاذ تستحق النظر إليها بالتفصيل. وإذا كنت تريد أن تعرف كم تستغرق الأزمة الأوروبية، فإن ذلك يمكن أن يعطيك الإجابة. تتضمن خطة جايتنر ـ سمرز في الولايات المتحدة بندين أساسيين: استراتيجية لتطويق المنتجات المالية المهيكلة التي لا سوق لها، واستراتيجية لإعادة رسملة النظام المصرفي. ويبدو أن كلاهما قائم على افتراضات متفائلة غير واقعية فيما يتعلق بالتعافي الاقتصادي، كما أنهما تلقيتا انتقادات حادة للسبب ذاته بشكل رئيسي. تمت هيكلة برنامج الإنقاذ الألماني بصورة مختلفة للغاية. إنه خطة تطويق فقط، كما أنه طوعي. ووفقاً لما ورد في مسودة تشريع قدم إلى الحكومة الألمانية في الأسبوع الماضي، يمكن للبنك أن يتقدم بطلب لإنشاء بنك ردئي خاصاً به. والحقيقة أن البنك الرديء ليس بنكاً على الإطلاق. إنه أداة ذات هدف خاص، وهو بذلك مشابه للأدوات المالية خارج الميزانية التي أطلقت الأزمة في المقام الأول. ولدى هذه الأداة ذات الهدف الخاص مسار حياة يستمر حتى 20 عاماً. فهي تشتري الأوراق المالية المهيكلة من البنك بنسبة 90 في المائة من القيمة الدفترية، أي السعر الحالي الذي تقيم به الأوراق المالية في الميزانية العامة. ومقابل ذلك تصدر الأداة ذات الهدف الخاص أوراق دين جديدة للبنك بضمان من جانب الحكومة. ولذلك، إذا حول أوراقاً مالية مهيكلة بقيمة اسمية عشرة مليارات يورو (13,8 مليار دولار) للأداة ذات الهدف الخاص، فإنها تحصل مقابل ذلك على أوراق مالية جيدة بقيمة تسعة مليارات يورو. والدولة هي الجهة الضامنة في هذه الحال. والفكرة من وراء ذلك تحفيز البنوك على العودة إلى الإقراض. فهل ينجح ذلك؟ الإجابة نعم، لكن ليس بالطريقة المقترحة. قبل كل شيء هذه الخطة خدعة محاسبية عملاقة. ومن المحتمل ألا تنجح وفقاً لشروط محاسبة القيمة العادلة، لأن على البنك أن يخصص التزامات للخسائر المحتملة للأداة ذات الهدف الخاص. ويمكن لذلك، بالطبع، أن يهزم الهدف الأصلي للخطة. وهذه الخطة مسكونة بالروح ذاتها التي تم وفقاً لها تكوين بعض أوراق الدين المالية الأشد غرابة. المشكلة الأساسية أن هذه الاستراتيجية يمكن أن تردع إعادة الرسملة بالفعل، الأمر الذي يفترض أن يكون أولوية. والبنك، وليس الحكومة، وفقاً لهذه الخطة، هو المسؤول تماماً عن خسائر الأداة ذات الهدف الخاص. ولذلك إذا باعت الأداة ذات الهدف الخاص الأوراق المالية بخسارة، سيتعين على البنك دفع هذه الخسارة من عوائده. ولذلك أيضاً، على البنك أن يحول نسبة غير معينة من عوائده المستقبلية لتسديد خسائر الأداة ذات الهدف الخاص، ويستمر كل ذلك لمدة 20 عاماً. فمن المستثمر الذي يتمتع بكامل قواه العقلية، الذي يقدم رأسمال أسهم جديدا لبنك يخضع لمثل هذه الظروف؟ قدم ناطق باسم اتحاد المصارف الخاصة في ألمانيا قياساً جيداً حين قارن البرنامج بآلة تجميد عميقة. وتحاول البنوك شراء الوقت. وحين تنتهي الأزمة، فإنها تأمل في إمكانية بيع الأوراق المالية المهيكلة بأسعار معقولة. وإلى أن يتم ذلك، لن يتم حل أي شيء. فلماذا اختارت الحكومة مثل هذه الخطة واضحة السخف؟ الإجابة هي لأن تكلفتها قريبة من لا شيء. ولا تتحمل الحكومة تكلفة إلا إذا أفلست الأداة ذات الهدف الخاص، الأمر الذي لا يتوقع أن يحدث في القريب، إذا كان سيحدث أصلاً. وتدفع الأداة ذات الهدف الخاص رسوماً للحكومة لتغطية تكاليف إصدار الضمانات. ولذلك البرنامج يحاول أن يكون معادلاً لوجبة غداء مجانية. غير أن الخطة خالية من التكاليف فقط من وجهة نظر محاسبية ضيقة، إذ إن التكاليف الاقتصادية ضخمة. وتم إبلاغ الحكومة الألمانية في الأسبوع الماضي أن العجز الضريبي سيبلغ 300 مليار يورو خلال ثلاثة أعوام، وأن ثلثي المبلغ يعود إلى الأزمة. وإذا وزعت التكلفة على ثلاث سنوات، فإن أثر الأزمة الصافي من حيث الضريبة سيصل إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمدة ثلاث سنوات. وفي الغالب أن تزيد تكلفة عدم إنقاذ البنوك على تكلفة إنقاذها. لكن الإنقاذ يمكن أن يكون غير شعبي، ولا تريد الحكومة أن تلمس هذه القضية حتى الانتخابات الاتحادية في أيلول (سبتمبر). ولدينا فقط، حتى ذلك الوقت، خطة إنقاذ تطويقية. فماذا عن الفترة التالية للانتخابات، وهل ستكون هناك خطة أفضل في ذلك الوقت؟ لست متأكداً من ذلك. بيرشتاينبروك، وزير المالية الألماني، أدلى في الأسبوع الماضي بتعليق أشبه بتعليقات الحرب، حول اختبارات الإجهاد في الولايات المتحدة. وكان في الواقع، يتهم السلطات الأمريكية بترتيب نتائج تلك الاختبارات. وهو يرى أن إعادة الرسملة مشكلة تخص البنوك وليس الحكومة. وإذا كان على الدولة أن تعيد رسملة البنوك، فإن مثل هذا البرنامج يمكن أن ينجح، إلا أنه لن ينجح دون الرسملة الحكومية. ولن يصب مستثمرو القطاع الخاص العقلاء الأموال في هيكل يكون هدفه الواضح هو خداعهم. مازال على الطبقات السياسية الألمانية أن تفهم أن إعادة الرسملة ضرورية، وسينتهي الأمر بأن يتكلف دافع الضرائب الكثير من المال. والخطة في صورتها الحالية لا تقدم حلاً سوى المماطلة. وبينما شطبت البنوك الأمريكية نسبة لا بأس بها من الديون السيئة، يتبنى الأوروبيون برامج تسمح للبنوك بتأجيل الحلول. كلما أمعنت التفكير في الأمر أزداد تذكر اليابان. لكن هذا الأمر يمكن ألا يكون عادلاً بالنسبة إلى اليابانيين الذين حلّوا المشكلة في النهاية. وإذا جمدنا أوراقنا المالية المسمومة لعشرين عاماً، فإن عقداً ضائعاً على الطريقة اليابانية سينظر إليه في القريب على أساس أنه السيناريو المتفائل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES