FINANCIAL TIMES

مبهرج نعم .. وكذلك الأمر هراء الإعلام

مبهرج نعم .. وكذلك الأمر هراء الإعلام

مبهرج نعم .. وكذلك الأمر هراء الإعلام

تم إقحام بريطانيا في أزمة دستورية. تمزق نسيج ديمقراطيتها إرباً بسبب خداعات وشعوذة الذين يقال عنهم إنهم مشرعو البلاد. تجرد البرلمان تماماً من صدقيته. وبالتالي أي شخص يستمع إلى التعليقات الهائجة التي صدرت في الأيام الأخيرة كان سيستنتج ذلك. ويا له من هراء. لا توجد رياضة أفضل من وضع السياسيين في آلة التعذيب. لقد تم رجم أعضاء البرلمان لعدة أيام بدليل فسادهم. فجميع المذكرات الصغيرة بالنفقات مقابل مقاعد المراحيض، وصفقات العقارات المشبوهة، والتحسينات المنزلية المبذرة تقف جميعها مكشوفة أمام النظرات الغاضبة للناخبين الذين سددوا الفواتير. #2# إنها مادة مبهرجة. فالعديد من أعضاء البرلمان الذين أساءوا استخدام المخصصات في مجلس العموم لا يمكنهم أن يتوقعوا التعاطف. ومن شأن رفض الوزراء القول إن المطالبات كانت "ضمن نطاق القوانين"، أن يشعل الامتعاض الشعبي. كانت المراهنة على النظام في أفضل الأحوال خاطئة على الصعيد الأخلاقي، وفي أسوئها، رخيصة تماماً. هذا يكفي تماماً. آن الأوان للدعوة إلى وقف تجارب العروض الإعلامية. هذه أعمال شريرة وليست جرائم كبيرة. فالهراء المتوعد لممارسي التعذيب من الإعلاميين الأثرياء – ليس أقله ممن هم في هيئة الإذاعة البريطانية الممولة من جانب الحكومة - أصبح كريهاً مثل أساليب الخداع من جانب أعضاء البرلمان. إن العلاج واضح للغاية. فوجود إطار جديد للمخصصات من شأنه أن يكافئ أعضاء البرلمان الموجودين في دوائر انتخابية خارج العاصمة، مقابل تكاليف الإيجار المنطقية لمنزل ثانٍ، وفواتير المنافع المرتبطة به. وأولئك الذين يريدون المضاربة في سوق العقارات عليهم أن يفعلوا ذلك بأموالهم الخاصة. ويجب أيضاً تغطية تكاليف السفر، وينتهي الأمر. ينبغي تعيين الجهاز الوظيفي التابع لأعضاء البرلمان من قبل السلطات البرلمانية. ويجب بالمثل إدارة تكاليف المكاتب بشكل مركزي. ويجب أن يكون النظام الجديد قيد التنفيذ قبل انتخابات العام المقبل. ولا أحد يمكنه عندئذ أن يتذمر بأنه لم يكن يعرف شروط التوظيف قبل الترشح للانتخابات. إن مسألة رواتب أعضاء البرلمان شائكة على نحو أكثر. ويجادل الكثيرون بالقول إن أي راتب أدنى من 65 ألف جنيه استرليني في العام يشجع على إساءة استخدام المخصصات. ومع ذلك، مطالبات الإسكان التي قدمتها جاكي سميث، وزيرة الداخلية، كانت فظيعة تحديداً، وراتبها بوصفها وزيرة أكثر بضعفين من الأساس. أما أعضاء البرلمان في المقاعد الخلفية، فلديهم في الغالب مصادر دخل ثانية، وفي بعض الأحيان ثالثة ورابعة. وأشك في أن كثيرين في وزارة الظل لحزب المحافظين الذي يرأسه ديفيد كاميرون، يعتبرون رواتبهم كأعضاء برلمان مصدر دخلهم الرئيسي. بالنسبة لأمثال ويليام هيج، وزير خارجية الظل، مبلغ 65 ألف جنيه هو عبارة عن مصروف جيب. لكن منع الإيرادات الخارجية سيكون خطأً. أما فيما يتعلق بالشكوى التي نسمعها بشكل متكرر من أن مجلس العموم متكأ غير ثابت، فهذا ينطبق على الأقلية فقط. فنحو ثلثي أعضاء البرلمان لديهم مقاعد آمنة؛ وظيفة مدى الحياة. بعد كل ما ذكر، هناك قضية للمراجعة، لمعرفة ما إذا كان يجب أن تكون رواتب أعضاء البرلمان متوازية بشكل وثيق مع رواتب المهن الأخرى، طالما أنها ترتكز على افتراض أن الأشخاص لا يدخلون السياسة كي يصبحوا أثرياء. بناءً على ذلك، ماذا عن عاصفة النقمة في وسائل الإعلام: الاحتقار المنافق في محطة هيئة الإذاعة البريطانية، وتعليقات الصحف الزائفة التي تترنم بأن الدولة تواجه أزمة وجودية تتعلق بالثقة في السياسة؟ حسناً، إنه نتاج إعلام غير معني إلى حد كبير بأي أمر فيما عدا الإثارة في السياسة. والمفارقة بطبيعة الحال، أن لا أحد أكثر خبرة من الصحافيين في استغلال النفقات. مما لا شك فيه أن الإفصاحات ستعزز الإدراك بأنه لا يمكن ائتمان الصحافيين. وأقنعتني خبرتي الشخصية في متابعة السياسة بخلاف ذلك. فغالبية أعضاء البرلمان رجال ونساء يتمتعون بالاحترام ويريدون تغيير الأمور. هل هم طموحون؟ نعم. غير رحيمين؟ في الغالب. هل هم مغرورون؟ في الغالب كثيراً. لكن هل هم محتالون؟ كلا. يمكن أن تفسد الحكومات بسبب السلطة. وخارج نطاق العواصف المباشرة التي تحيط بإدارة جوردون براون، يكمن مزيج من الاستنزاف والغطرسة التي تبتلى بها كافة الحكومات التي تجلس فترة طويلة في المنصب. غير أن إجراء انتخابات سيحل كل هذه المشاكل. كانت للسياسة دائماً حوافها القاسية وزواياها القذرة. وأولئك الذين يلجأون إلى التاريخ من أجل النواح على إساءات يومنا هذا، يرتدون مناظير وردية. فلم يكن هناك عصر ذهبي عندما كانت مقاعد مجلس العموم مملوءة تماماً بأعضاء مبجلين دون أي تلميح إلى أهداف أنانية. بل على النقيض من ذلك، قلة من الشخصيات العالية طوال المائة عام الماضية أو نحوها، كانت ستنجو من النظرة التافهة لأنباء يومنا هذا المتواصلة. تواجه بريطانيا فعلياً مشكلة خطيرة في الانقسام بين السياسيين والمواطنين. وكان ذلك واضحاً لبضع سنوات في عضوية الأحزاب المتقلصة، ونتائج المشاركة المتدنية في الانتخابات، وزال الاعتقاد في قدرة السياسيين على تغيير حياة الناس. وعلى الأرجح أن تكون نتيجة المشاركة في الانتخابات الأوروبية والمحلية التي تجري في الشهر المقبل، مزيدا من الانخفاض، ويمكن أن يكون المستفيدون هم المتطرفون من اليمين. غير أن أسباب عدم الرضا تمتد إلى أعمق من العبث في النفقات. فهي تفصح عن أسلوب من السياسة يشدد القبضة على المشاركة المحلية بتركيز السلطة في ويستمنستر، لصالح أحزاب تبدو آفاقها مرهونة بالانقسامات القبلية التي حدثت أوائل القرن العشرين، وأيضاً، إذا تجرأ المرء على قول ذلك، لصالح وسائل إعلام تتجاهل الحجة السياسة الجدية وتضخم الزلات الشخصية. وهذه الضجة الأخيرة ستكون مدمرة. لكن الأمر يقتضي أكثر من مجرد نظام نفقات صارم لإعادة العافية إلى سياسات الدولة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES