ثقافة وفنون

رواية "يعني عادي" ..اسم على مسمى

رواية "يعني عادي" ..اسم على مسمى

هل كل خروج عن المألوف والسائد يلد تميزا ؟! قد يكون هذا أول تساؤل يصافحك مع رواية(يعني عادي) التي خرجت بالفعل عن السائد في العنوان البعيد عن – موضة - هذا العام في عناوين الأمكنة. وبعيدة أيضا عن المضمون الشائع في الضخ الروائي المستمر الدائر حول نظام الحسبة ومسؤوليات حراسة الفضيلة في المجتمع! تأتي الرواية بمنهجها الجديد حيث (آن لأهل الدين أن يتفننوا) كما تقول الكاتبة في مقدمتها التي تعطي تفسيرا وافيا حول الجو المحافظ للنص. وقد قسمت المؤلفة روايتها إلى ما يشبه الفصول القصيرة جدا مطلقة على كل فصل وصف (اللوحة) مرقمة ومعنونة بعنوان خاص لكل لوحة. هذه اللوحات وعددها 42 تبدأها وتنهيها بـ (مشهد) مكتوب بطريقة تشبه إلى حد بعيد الكتابة للمسرح من حيث وصف الجو العام ويطغى هذا الأسلوب على كثير من اللوحات اللاحقة. اللوحات مكتوبة بنفس قصصي قصير بعيد عن التداخلات الزمنية الروائية بدرجة كبيرة, وبحيث تصلح كل لوحة لتكون قصة منفردة لا تحتاج بالضرورة إلى اللوحات السابقة واللاحقة لها ! وتتميز هذه اللوحات بسمات مشتركة؛ فمثلا: تنتهي جميعها بمقولة بالخط العريض تمثل خلاصة أو فائدة أو انطباع معين قد تكون هذه القفلة آية قرآنية أو حديثا أو مقطعا من أغنية أو حتى الصوت الداخلي لأحد الشخصيات مسبوقة في أغلب الحالات بعبارة (ويتردد صدى) فيما يشبه نبرة عالية لوعظ معين وهو ما يوازي بطريقة ما المقدمة (آن لأهل الدين أن يتفننوا). السمة الثانية التي تتشارك فيها اللوحات؛ التقسيم الزمني المباشر والبعيد عن الاستخدام الروائي. حيث تعبر كل لوحة عن حدث في حياة البطلة في سنة محددة تبتدئ منذ الخامسة من عمرها عام 1968م وحتى آخر لوحة في الرواية عام 2008، وهو امتداد زمني طويل تستخدم فيه ميساء كل لوحة  لمقابلة عام واحد وحدث واحد في هذا العام . فاللوحة الثانية عام 1969 والثالثة 1970 وهكذا حتى النهاية في استخدام وتقسيم مباشر جدا. تتناول فكرة العمل حياة طفلة – من المشهد الأول- تودعها والدتها التي تتزوج رجلا آخر وتعود بناء على ذلك الطفلة لتعيش ضمن عائلة الأب الجديدة وتحت تسلط زوجته. ثم تنتقل في مرحلة زمنية إلى مدرسة داخلية في لبنان وتعود في مرحلة الجامعة إلى وطنها ويخالف والدها أعراف المجتمع بتزويجها من شاب مصري حتى يحقق ما أرادت ويتخلص من عقدة الذنب التي خلقت لديه من إهماله لابنته. ثم تتواصل الأحداث بعودة العلاقة بينها وبين والدتها وتنجب طفلين مصريين لا يحظيان بالكثير بسبب جنسيتهما. هذه أحداث الرواية بشكل عام, وربما المتمعن في هذه القراءة سيستغرب عدم ذكري اسم البطلة حتى الآن, والحقيقة أنني أردت التوقف عنده ولهذا أجلت ذكره .. اسم البطلة (غربة) .. وهو بالتأكيد اسمها منذ ولادتها وقبل مرورها بكل هذه الأحداث .. الاسم هنا له دلالات عديدة  وإن كان الواضح أن الكاتبة لم توفق فيه لسببين؛ الأول أنها فضحت قدر الشخصية منذ أول الرواية .. فهي تعاني غربتها الروحية والمكانية في بعض الأحيان وبشكل جلي جدا من السهل أن يتوقف لديه القارئ. السبب الثاني أن اختيار الكاتبة هذه الاسم يدل دلالة واضحة على أزمة حضورها الواعي أثناء كتابة النص .. بمعنى حضور القصدية المباشرة للراوي العليم بكل الأحداث التي ستلحق البطلة ولذلك اختار لها هذه الاسم لأنه هو – الراوي / الكاتب- يعلم ماذا سيحدث .. وهذا ما يجعلك تشعر بالقصدية المباشرة البعيدة عن الاندماج التام في الحدث أثناء كتابة النص. وفي إجابة للتساؤل الأول سيظهر أنه رغم اختلاف العنوان والمضمون عن السائد إلا أن العمل في لغته وأحداثه وحبكته كان اسما على مسمى .. عاديا .. بل عادي جدا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون