FINANCIAL TIMES

ضجيج وغضب في الاقتصاد العالمي

ضجيج وغضب في الاقتصاد العالمي

عدم اليقين هو الأمر الوحيد المؤكد في هذه الأزمة. قال ماكبث: "الحياة حكاية يرويها مخبول، مليئة بالضجيج والغضب، ولا تعبر عن شيء". ربما كان يتحدث عن الإحصائيات الاقتصادية. فبعد أن عصف الإعصار المالي بمؤشرات قوة الاقتصاد، بزغ ضوء الشمس. لكن منذ ذلك الحين هبط علينا ضباب كثيف من الفوضى، جاعلا موقع ارتكازنا غامضاً، وساقطاً بصورة سريعة، وموجهاً قوة ضخه ببطء نحو القاع، أو أنه يحول الزاوية في النهاية. ما الذي حدث؟ كان الحديث حتى هذا الأسبوع عن البراعم الخضراء. وقال تيم جايتنر، وزير الخزانة الأمريكي "بدأ النظام المالي بالشفاء". بل حتى أن مراقباً محنكاً مثل جان كلود تريشيه، رئيس البنك المركزي الأوروبي، قال إن الاقتصاد العالمي الآن "حول نقطة الانعطاف"، أي أن التراجع الاقتصادي بدأ في الانحسار. إن ابتهاجهما الحذر ليس أمراً لا أساس له. فأسواق الأسهم ارتفعت انطلاقاً من سلسلة من البيانات الإيجابية. ونشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يوم الاثنين الماضي، مؤشرات تتوقع نقطة انعطاف لعدد من البلدان. وتستمر فروق الائتمان في الضيق. ويضاف إلى ذلك أن المخزونات في انخفاض ولابد من إعادة شحنها، الأمر الذي يعني تعزيز الطلب. لكن ما إن وصلت ملاحظات تريشيه إلى الصحف، حتى أظهرت الإحصائيات المحدثة للاتحاد الأوروبي هبوب جبهة باردة، وعنيفة، عبر الأطلسي. وتسارع تراجع الإنتاج في الاتحاد الأوروبي بحدة خلال الربع الأول، مفنداً التفاؤل على الصعيد الرسمي، وعلى نطاق الأسواق. وقفزت الأرقام الجديدة للعاطلين عن العمل في الولايات المتحدة، بعد أن بدا أنها استقرت. وصادرات الصين التي كانت تنمو بثبات بعد انهيار آب (أغسطس)، عادت إلى الهبوط مرة أخرى. فهل هذه صور باتجاه نازل في تعاف يستجمع قواه، أم إشارات إلى عودة للتراجع السريع والكامل. الإجابة أن أحداً لا يعرف. ميرفن كينج، محافظ بنك إنجلترا، كان صريحا في ذلك حين قال "إن الحكم على ميزان التأثيرات على الاقتصاد في اللحظة الراهنة أمر في غاية الصعوبة". فالاقتصادات تتصرف بصورة لا يمكن توقعها، وستستمر في ذلك. وعدم الاستقرار سبب ونتيجة لعدم اليقين الواسع الذي ظل ينتشر من الأسواق المالية. وحين يكون الناس خائفين ومضطربين يتصرفون بصورة غريبة تجاه الأنباء المتغيرة، الأمر الذي يعزز سلوك السوق المضطرب. لايساعدنا كون نظرياتنا الاقتصادية أعدت لعالم مختلف. ومعظم الاقتصادات المعتمدة على تصور النماذج ظلت قريبة من حالة التوازن، من خلال تعديلات مرنة وبسيطة. لكننا نواجه خطراً فعلياً من التغيرات الكبرى والمفاجئة: انهيارات بنوك، أو أزمات عملات. وخلافاً لما تفترضه معظم النماذج، الأسعار لا تنظف كل الأسواق بصورة ملائمة. وربما تكون تكلفة الائتمان في مستويات متدنية قياسية، لكن من الصعب إيجاد مقرضين لا يعملون على تقليص ميزانياتهم. الضباب سينقشع في النهاية، لكن على الحكومات المساعدة من خلال إدخال الشفافية إلى الأسواق الغامضة، وأن تكون صريحة إزاء التكاليف التي ما زالت في الطريق إلينا. النزاهة فضيلة على الدوام ، واليوم ضرورة كذلك.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES