تحفل محفظة 2020 الهوليوودية بباقة من الأفلام التي أقل ما يُقال عنها تمحورها حول قصص غريبة، ومن المتوقع أن تشكل علامة فارقة في تاريخ السينما، ولعل أبرزها فيلم الرجل الخفي الذي يحمل بين طياته أحداثا تتميز بالتشويق والإثارة مغلفين بقصة غامضة وغريبة جدا.
البداية في الانتحار
شكل فيلم "الرجل الخفي" الذي طرحته شركة "يونيفرسال بيكتشرز" إعادة إحياء لواحد من أشهر كلاسيكيات الرعب الخاصة بها، وهي شخصية "الرجل الخفي"، الذي يتناول عقارا محددا يجعله خفيا، ويفقد السيطرة على نفسه، ويرتكب على أثره عديدا من الجرائم.
وتدور القصة التي هي من إخراج وتأليف لي وينيل، ومقتبسة من رواية المؤلف H.G. Wells. حول الزوج السابق لامرأة اسمها سيسيليا، تؤدي دورها النجمة الأمريكية إليزابيث موس؛ بطلة المسلسل التلفزيوني الشهير The Handmaid’s Tale، ينتحر الزوج، الذي يؤدي دوره الممثل أوليفر كوهين؛ ويترك لها ثروة هائلة وراءه، لكن الغريب في الأمر هو أنها بدأت تشك في أن موته ما هو إلا خدعة، عندما بدأت سلسلة من الحوادث المميتة تقع، الشيء الذي سيدفعها إلى إثبات أنها مطاردة من طرف شخص لا يستطيع أحد آخر رؤيته، لتفاجأ بأن زوجها لم يتوف بعد، بل تحول إلى "الرجل الخفي".
نهضة سينمائية
إن فيلم "الرجل الخفي" هو بداية قوية ونموذج لنهضة سينمائية، حيث يتعمق الفيلم في الرعب الشديد المتمثل في سوء المعاملة ويستكشف كيف أن سيسيليا لا تفهم بالفعل الندوب النفسية حتى تبدأ باكتشاف بعض مظاهر الحرية، بمعنى آخر إنه "رجل خفي" أكثر بكثير من مجرد رجل مهووس مغطى بالشاش. وتميز الفيلم بمناظر طبيعية خلابة قام ببنائها الفريق الإبداعي للفيلم، وساعد الملحن بنيامين والفيش؛ على إضفاء جو ماتع لكل من أدريان؛ وسيسيليا؛ خاصة في مشهد نسمع فيه موسيقى الطائرات دون طيّار، فضلا عن الموسيقى التي رافقت حركات البطلة التي جاءت بمستوى عال جدا، واستخدم المخرج مؤثرات خاصة، إضافة إلى حفاظه على جو تشويقي، كذلك استخدم اللقطات التصويرية الواسعة وكاميرات التحريك لكي يبقى المشاهد على أهبة الاستعداد لرؤية الرجل الخفي، الذي يظهر في أي لحظة ويثير الخوف لدى المشاهد.
من خلف الشاشة إلى مسرح الواقع
إن القدرة على إخفاء الأشياء هي حلم طالما داعب مخيلة الإنسان منذ القدم، وحيك كثير من القصص الخيالية حول قبعة الإخفاء، التي استطاع باحثون أمريكيون أخيرا اختراع واحدة منها في منتهى الصغر، وتحقيق حلم الإنسان بإخفاء الأشياء. كذلك نجح علماء ألمان في تطوير معطف ثلاثي الأبعاد قادر على جعل مرتديه غير مرئي للناظرين. يأتي ذلك بعد أن تمكن باحثون من معهد كارلسروه الألماني للتكنولوجيا من تحديد معالم وسيلة ثلاثية الأبعاد للاختفاء عن الأعين للمرة الأولى في العالم، بعد أن كان الحديث عن مثل هذه الوسيلة يقتصر على الروايات الخيالية.
الهرب من الواقع
لعل الدافع الأساس وراء تلك الرغبة هو الهرب من واقع الحياة والغوص في عالم الخيال، الذي يساعده على الإفلات من أمر أصابه، فمن منا لم يتعرض لمواقف ذكرتنا بالمثل القائل "يا أرض انشقي وابلعيني"، وهذه الرغبة دفعت المبدعين إلى النسج من خيالهم أشخاصا خارقين يملكون القدرة على أن يظهروا بمظهر الشخص الخفي الذي لا يراه الآخرون، وبإمكانه التجسس عليهم أو حتى خداعهم. من هنا ولدت فكرة رواية "الرجل الخفي" The Invisible Man، وهي رواية خيال علمي كتبها هربرت جورج ويلز؛ ونُشرت عام 1897، ونُشرت في البداية كقصة متسلسلة في جريدة "بيرسون" الأسبوعية عام 1897، ونُشرت كرواية في العام نفسه. وتدور حول جريفين؛ وهو عالم كرّس نفسه لأبحاث البصريات، حيث يخترع وسيلة لتغيير معامل الانكسار في الجسم إلى معامل الهواء، حيث يمتص ويعكس أي ضوء، وبالتالي يصبح غير مرئي، ينجح في التجربة بعد أن طبقها على نفسه، لكنه يفشل في عكس المفعول.
البداية كانت عام 2007
بدأ العمل في الإعداد لفيلم "الرجل الخفي" في أوائل عام 2007، وتم تعيين دايفيد جويير؛ لكتابة السيناريو وواصل العمل على الكتابة حتى أواخر عام 2011 دون أي تقدم يذكر، وفي كانون الثاني (يناير) 2019 أعلنت شركة يونيفيرسال أن جميع الأفلام المستقبلية التي تعتمد على الشخصيات ستركز على القصص المستقلة بدلا من التوصيل البيني، وأعرب جيسون بلوم؛ منتج أفلام الرعب الناجح، مؤسس شركة الإنتاج "بلوم هاوس" للإنتاج، في أوقات مختلفة علانية، عن رغبته في إحياء الأقساط المستقبلية ضمن أفلام Dark Universe والعمل عليها، وتم الاتفاق على أن يكون الفيلم من تأليف وإخراج لي وينيل؛ وإنتاج بلوم؛ وبدأ التصوير الرئيس في 16 تموز (يوليو) 2019 وانتهى في 17 أيلول (سبتمبر) 2019 في سيدني أستراليا.
من الرواية إلى الشاشة
بعد أن كان الأمر يقتصر على الروايات الخيالية، انتقلت عدوى الرغبة في الإخفاء إلى الشاشة الكبيرة، فعمد صناع السينما إلى ابتكار عديد من الشخصيات الخفية في أفلام تركت بصمة في هوليوود، وتنوعت تلك الأفلام بين الكوميديا والجريمة والخيال العلمي والأكشن، ولم يكن هاري بوتر؛ هو الشخصية الوحيدة التي يمكنها أن تختفي، ولم يكن هذا الفيلم الجديد The Invisible Man الأول من نوعه، فقد سبق أن شهدنا عديدا من الأفلام التي تتحدث عن أشخاص غير مرئيين، وقد امتلكوا مهارات الاختفاء والتحرك دون أن يراهم أحد، وسبق لشركة "يونيفرسال ستوديوز" الأمريكية أن قدمت الممثل الأمريكي جوني ديب؛ في دور "الرجل الخفي" في نسخة حديثة من الفيلم الكلاسيكي The Invisible Man وقام كل من أليكس كورتزمان؛ وكريس مورجان؛ بإنتاج الفيلم المأخوذ عن رواية الخيال العلمي المذكورة الصادرة عام 1897.
تاريخ أفلام «الرجل الخفي»
يعد فيلم "مذكرات رجل غير مرئي" Memoirs Of An Invisible Man الذي عُرض عام 1992 أحد أبرز تلك الأفلام، تدور أحداث ذلك الفيلم في جو من الخيال العلمي الممزوج بالرومانسية والكوميديا، ويتناول تعرض البطل لحادث غريب يتسبب في جعله غير مرئي، وبينما يحاول أن يتكيف مع حياته الجديدة، يلتقي أحد رجال المخابرات المركزية الأمريكية، الذي ينجح في تجنيده ليصبح أهم عملاء "السي.آي.إيه"، وفي الوقت نفسه يواصل بطل الفيلم سعيه ويبذل جهوده للحصول على علاج يعيده إلى طبيعته ويشفيه.
كما شهدنا عام 2006 الجزء الثاني من فيلم Hollow Man لثنائية رعب "الرجل الخفي"، حيث تنشط تلك القوة المجهولة التي تستمر في عمل عديد من الظواهر الغامضة، وتهديد حياة العلماء هناك، ويبدو أن هناك قاتلا متعطشا للدماء في أروقة المعهد يجوبه بحرية تامة، بعد حصوله على قدرة وقوة الاختفاء عن أعين البشر تماما؛ الأمر الذي يعطيه قوة مميزة، وتميزا بين الجميع.
بعد إطلاق فيلم "الرجل الخفي" مع مجموعة واسعة من أفلام الرعب التي يخبئها عام 2020 يمكننا أن نقول إننا أمام عتبة جديدة من أفلام الرعب، حيث بدأ صناع الأفلام والمخرجون يتعاملون مع أفلام الرعب بطريقة مختلفة، هل سيقضي هذا النمط من أفلام الرعب على الأسلوب الآخر المتبع، وهو الوحوش العالمية، التي تمكنت من تسلق طريقها إلى قلوب المشاهدين وعقولهم خلال العصر الذهبي لهوليوود.
فيلم الرجل الخفي يعيد إحياء أهم كلاسيكيات الرعب في العالم
بوستر الفيلم.
مشهد من الفيلم.
أضف تعليق