FINANCIAL TIMES

حرائق أستراليا .. تقاعس المستثمرين يتحمل جزءا من المسؤولية

حرائق أستراليا .. تقاعس المستثمرين يتحمل جزءا من المسؤولية

تسببت حرائق الغابات المروعة في أستراليا في نقاش وطني حول الكيفية التي ينبغي أن تتم بها الاستجابة لأزمة كلفت عشرات الأرواح وقتلت مئات الملايين من الحيوانات وأحرقت أكثر من 100 ألف كيلومتر مربع من الأراضي.
تتزايد الضغوط على صناديق التقاعد المحلية ومديري الأصول لتكثيف جهودهم للتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. ويتزايد اهتمام الجمهور بالآثار البيئية المدمرة للحرائق، وكذلك العواصف الترابية والأمطار الغزيرة والفيضانات التي تلتها.
ثلثا المجيبين الذين شاركوا في دراسة لـ"المعهد الأسترالي" ألقوا باللوم على تغير المناخ باعتباره السبب في جعل الحرائق البرية أسوأ. المؤسسة الفكرية التي يوجد مقرها في كانبيرا استطلعت آراء 1033 أستراليا.
تقول إيبوني بينيت، نائبة مدير المعهد الأسترالي: "ينبغي أن تسهم شركات الوقود الأحفوري في تغطية تكاليف الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، لكن المجتمع الأسترالي هو الذي يدفع الثمن الآن".
وهي تقترح تطبيق ضريبة تلوث الكربون على منتجي الفحم والغاز والنفط. تقدر السيدة بينيت أن الضريبة ستجمع نحو 1.5 مليار دولار أسترالي سنويا. لكن الحكومة الائتلافية الأسترالية برئاسة، سكوت موريسون، ترفض الدعوات لإصلاح سياسات تغير المناخ.
قال موريسون أخيرا: "لن أضع ضريبة الكربون على الناس. لن أزيد أسعار الكهرباء وتكاليف المعيشة. ولن أقضي على صناعات الموارد في أستراليا".
مع وجود ما يقارب ثلاثة تريليونات دولار أسترالي من الأصول، تتمتع صناعة صناديق التقاعد في أستراليا بقدرة كبيرة على إحداث تغييرات في سلوك الشركات.
لكن يظل معظم قادة الصناعة منزوين في الظل، مترددين في معارضة دعم الحكومة لقطاعي التعدين والطاقة، ومعارضة مجموعات الضغط القوية التي تعمل لمصلحتهما، مثل مجلس المعادن في أستراليا.
صندوق Australian Super، الذي يشرف على أصول بقيمة 172 مليار دولار أسترالي نيابة عن 2.2 مليون عضو، دعم نصف قرارات المناخ في البلاد خلال الفترة الأخيرة.
على عكس أستراليا، كان عديد من أكبر المستثمرين الأوروبيين على استعداد متزايد لاستخدام تصويتهم. "بي إن بي باريبا إيه إم" و"ليجال آند جنرال آي إم" و"دي آند إس" و"ناتيكسيس آي إم" دعمت 70 في المائة على الأقل من قرارات المناخ، وفقا لـ"ماجوريتي آكشن"Majority Action، وهي مؤسسة غير ربحية.
يقول تيم باكلي من معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي، وهي مجموعة بحثية، إن كبار المستثمرين الأستراليين غير مستعدين لاتخاذ موقف صارم، حتى لو كانوا يعتقدون أن الاحتباس الحراري يمكن أن يضر بالعوائد على المدى الطويل.
يقول أحد إخصائيي التغير المناخي: "إنها بلد صغير والناس قلقون من إحراق جسورهم، إضافة إلى أن البيئة السياسية والإعلامية مختلفة تماما عن الولايات المتحدة". يضيف: "لا يزال كثير من المستثمرين الذين يهتمون حقا بتغير المناخ يعلقون أهمية كبيرة على عدم هز القارب وتجنب السياسة".
أستراليا هي أكبر مصدر للفحم في العالم. وهي تمثل نحو 4 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في جميع أنحاء العالم بعد إدراج مساهمة مبيعاتها الدولية الهائلة من الوقود الأحفوري.
بورصة أستراليا هي موطن 633 من شركات المعادن والتعدين، مع تصنيف "جلينكور" و"بي إتش بي" و"يانكول" أكبر ثلاثة منتجين للفحم في البلاد. توفر هذه الصناعات مصادر أرباح مهمة للمستثمرين الأستراليين، بما في ذلك صناديق التقاعد الكبيرة التي تدفع معاشات التقاعد في البلاد.
لكن يتم طرح أسئلة حول مدى فعالية مديري الأصول الأستراليين وصناديق المعاشات التقاعدية بوصفهم أصحاب نفوذ على الشركات في التأكد من استعداد الشركات للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
كثير من أكبر المستثمرين في البلاد بما في ذلك ذراع إدارة الأصول في "ماكواري" وصناديق التقاعد "يوني سوبر" و"إيكويب سوبر" و"ريست سوبر"، فشلوا في دعم أي قرارات متعلقة بتغير المناخ في الشركات المدرجة في أستراليا خلال موسم الاجتماعات السنوي 2018-2019.
فقط خمس شركات، بما في ذلك "ريو تينتو" و"إيت هيفن كوول"، واجهت مثل هذه القرارات خلال موسم 2018-2019، وفقا لشركة بروكسي إنسايت لتزويد البيانات.
يتطلب قانون الشركات الأسترالي إجراء تغييرات على اللوائح الداخلية للشركة من قبل المساهمين قبل التصويت على القرارات، وهي عملية مرهقة تجعل أي تغيير أكثر صعوبة.
يقول دان جوكر من المركز الأسترالي لمسؤولية الشركات، وهو جمعية غير ربحية: "سجلات التصويت (لكبار المستثمرين الأستراليين) تشير إلى أنهم يدعمون التوسع غير المقيد لاحتياطيات الوقود الأحفوري في أستراليا".
ويسلط الضوء على ثلاثة صناديق للتقاعد -"إل جي إس"، و"فيجن سوبر" و"كبيوس سوبر"- باعتبارها "استثناءات ملحوظة" لسياساتها المتعلقة بتغير المناخ.
يقول كريج تيرنبول، كبير مسؤولي الاستثمار في "إل جي إس"، إن صندوق المعاشات التقاعدية البالغ حجمه 12 مليار دولار أسترالي حدد تغير المناخ باعتباره مخاطرة مهمة في المحفظة منذ أكثر من عقد.
يقول: "نحن نحد هذا الخطر من خلال استبعاد بعض الصناعات من الاستثمار، وتجنب مديري (الصناديق الخارجية) الذين لديهم فهم ضعيف لمخاطر تغير المناخ، فضلا عن الضغط على الشركات والحكومة لتقليل الانبعاثات".
"كبيوس سوبر"، صندوق التقاعد الذي يملك 54 مليار دولار أسترالي ويتبع لصناعة الإنشاءات والبناء، يجري مراجعات التزاماته المتعلقة بتغير المناخ. في آذار (مارس)، سيطرح أداة لمخاطر انتقال الكربون لتقليل كثافة الكربون في محفظته. وقد التزم بالوصول إلى صافي انبعاثات صفر لمحافظه العقارية ومحافظ البنية التحتية بحلول عام 2030.
يقول ديفيد أتكين، الرئيس التنفيذي للصندوق، إن إعادة تقييم مخاطر المناخ في القطاع المالي أمر لا مفر منه. "كان التمويل المستدام يعمل بسرعتين في أستراليا. اتخذ عدد من المستثمرين المصارف نهجا متطورا لمخاطر المناخ والاستثمار. الآخرون كانوا وراءهم".
ستيوارت بالمر، رئيس أبحاث الأخلاقيات في "أستراليا إيثيكال"، وهو صندوق للتقاعد دعم جميع القرارات المتعلقة بالمناخ في موسم 2018-2019، يقول إن المستثمرين بحاجة إلى استخدام "جميع الأدوات المتاحة لهم لتعزيز العمل المناخي: في استثماراتهم، والقطاع الخاص التواصل مع الشركات، واجتماعات المساهمين وخارجها".
من جانبهم، أصدر المنظمون الماليون في أستراليا توجيهات واضحة لمعالجة مخاطر تغير المناخ.
قالت هيئة تنظيم الحصافة الأسترالية في آذار (مارس) 2019 إنها تتوقع حدوث "تحسن مستمر" في إدارة مخاطر تغير المناخ إلى جانب تدابير ملموسة للانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون.
وقالت الجهة المنظمة إنها تتوقع أن يتوافق مزيد من صناديق التقاعد مع فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ TCFD، وهي معايير الإبلاغ الطوعية التي قادها مارك كارني، محافظ بنك إنجلترا المنتهية ولايته.
لكن ثمانية صناديق تقاعد فقط دمجت TCFD في إفصاحاتها أو لديها خطط محددة لذلك، وفقا لجمعية الاستثمار المسؤول في أستراليا.
الانخراط المباشر مع الشركات في القضايا البيئية والاجتماعية وقضايا الحوكمة تم التعهد به في العام الماضي من قبل 25 صندوق تقاعد. حتى الآن فقط 16 من الصناديق تنشر تقرير المشاركة.
تقول إيما هيرد، الرئيسة التنفيذية لمجموعة المستثمرين المعنية بتغير المناخ، وهي جمعية تمثل المؤسسات الأسترالية ونيوزيلندا، إن الضغط من الجهات التنظيمية والجمهور الأوسع زاد من انخراط المستثمرين في الأمور المتعلقة بمخاطر المناخ. "ونتيجة لذلك، رأينا أعدادا كبيرة من المستثمرين الأستراليين يتعاونون من خلال مبادرات مثل ’المناخ 100+‘". تقول هيلجا بيرجدين، من "ميرسر"، إن هناك وعيا متزايدا بين صناديق التقاعد الأسترالية والمستثمرين المؤسسيين الآخرين بأن تغير المناخ يمثل خطرا على الاستثمار. "عديد من المستثمرين المؤسسيين الكبار مشاركون. لكن لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به. الوقت أمر جوهري ولا يزال الطريق طويلا".
نتيجة لحرائق الغابات، شهدت "ميرسر" طفرة في تنزيل أحدث تحليل لها للآثار المترتبة على الاستثمار في وقت تغير المناخ. توقعت الشركة الاستشارية أن تكون عائدات استثمارات الفحم أقل 7.1 نقطة مئوية سنويا حتى عام 2030 مع خسارة مطلقة للقيمة المتوقعة في وقت مبكر هو عام 2041 إذا كان الاحتباس الحراري يقتصر على درجتين مئويتين، وهي عتبة يحذر العلماء من أنها ستحدث أضرارا بيئية واسعة النطاق.
تقول بيرجدن: "من المهم أن يدرك المستثمرون أنه يمكنهم أيضا كسب علاوة عن طريق إمالة محافظهم الاستثمارية نحو استراتيجيات منخفضة الكربون وزيادة تعرضهم في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة والعقارات الخضراء".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES