FINANCIAL TIMES

انفصال أمريكا والصين يعود بالعالم 40 عاما إلى الوراء

انفصال أمريكا والصين يعود بالعالم 40 عاما إلى الوراء

روبرت زوليك، الرئيس الأسبق للبنك الدولي والممثل التجاري الأسبق للولايات المتحدة، وجه تحذيرا إلى مجموعة من كبار التنفيذيين الأمريكيين ممن لديهم أعمال في الصين وطرح عليهم تحديا. في فندق ريتز كارلتون في واشنطن، مع وجود تسوي تيانكاي، سفير الصين لدى الولايات المتحدة، ضمن الحضور، سأل زوليك عما إذا كان الجمهور "مستعدا" للانزلاق في صراع أمريكي ـ صيني.
"القرن الـ20 رسم صورة مروعة لتدمير العصر الصناعي. لا تفترضوا أن عصر الإنترنت في القرن الـ21 محصن ضد تصدعات أو كوارث بالقدر نفسه، أو حتى على نطاق أوسع"، قال زوليك. "عليكم أن تقرروا ما إذا كنتم تعتقدون أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على التعاون مع الصين لتحقيق المنفعة المتبادلة، وفي الوقت نفسه إدارة الخلافات. وإذا كان كذلك، كيف؟".
كلماته عبرت عن مخاوف - خاصة داخل أجزاء من مؤسستي السياستين الاقتصادية والخارجية في واشنطن - من أن الحرب التجارية التي شنها الرئيس دونالد ترمب ضد بكين مهدت الطريق لـ"انفصال" لا رجعة فيه بين أكبر اقتصادين في العالم.
في وقت لاحق من كانون الأول (ديسمبر)، وافق كل من ترمب وشي جينبينج، رئيس الصين، على هدنة واتفاق "المرحلة الأولى" الذي أوقف الأعمال العدائية التجارية مؤقتا، بل وخفض بعض الرسوم الجمركية الأخيرة التي فرضتها واشنطن على ما قيمته 360 مليار دولار من الواردات الصينية. لكن كثيرا من الخبراء المعنيين بالعلاقات بين الولايات المتحدة والصين يقولون إن أكثر من عقدين من التكامل الاقتصادي المتزايد بين القوتين من المرجح أن يستمر.
عديد من الشركات الأمريكية بدأت بتحويل سلاسل التوريد، سواء من حيث الإنتاج أو المصادر، إلى دول آسيوية أخرى، في محاولة لتجنب الضربة الناجمة عن الرسوم الحالية وخطر فرض رسوم جديدة.
الدافع نحو انفصال متنام بين العوالم الاقتصادية لواشنطن وبكين، يؤدي إلى ساحتين مستقلتين من النفوذ على الاقتصاد العالمي، يتجاوز مجرد سلع وخدمات تقليدية. تزيد حدة الانفصال في التكنولوجيات المتقدمة، حيث تهدف الولايات المتحدة إلى حماية الابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات والجينوميات من الوصول إلى أيدي الصينيين. بعض جامعات أمريكا تشعر بالقلق من توظيف الباحثين الصينيين وتثبيتهم، خوفا من أن يكونوا مستهدفين من قبل السلطات الأمريكية باعتبارهم جواسيس لبكين.
إدارة ترمب فرضت ضوابط تصدير تمنع مبيعات الولايات المتحدة لشركات من ضمنها "هواوي"، الشركة الصينية المصنعة لأجهزة الاتصالات، وذلك لأسباب أمنية وطنية. هذا الشهر اقترحت واشنطن حظر المبيعات الأجنبية لبرامج التصوير بالأقمار الصناعية دون ترخيص - وهو الأول في سلسلة سلع مستهدفة من أجل فرض قيود تجارية بناء على قانون صدر في 2018 ووقعه ترمب.
مراقبون على اطلاع وثيق بالعلاقات التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين يحذرون من أن بكين ستحاول الرد بطريقتها الخاصة. "بعد مواجهتها حظرا أمريكيا على تصدير مدخلات تكنولوجية رئيسية، فإن هدف بكين الآن ليس أقل من إنشاء شركات وطنية رائدة في كل قطاع من سلاسل التوريد التكنولوجية لديها - من تجميع الإلكترونيات إلى صناعة الرقائق، بل إلى تصميم الرقائق أيضا"، حسبما يقول بول تريولو، رئيس قسم جيوتكنولوجي في مجموعة أوراسيا في واشنطن.
بحسب زوليك "نحن بالفعل في عصر انقسام الإنترنت. أتوقع أن أرى انفصالا في خدمات الاتصالات والإنترنت وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وأنظمة تكنولوجيا الجيل الخامس. سنكون جميعا في وضع أسوأ، على أي حال، إذا حل حظر شامل وحواجز محل تقييمات المخاطر". أضاف: "أفضل استجابة أمريكية لخطط الابتكار في الصين هي تعزيز قدراتنا الخاصة وجذب المواهب والأفكار ورجال الأعمال ورؤوس الأموال المغامرة في العالم إلى شواطئنا. سننجح من خلال مواجهة عيوبنا، وليس إلقاء اللوم على الآخرين".
في منتصف عام 2019، مع وصول التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى درجة عالية، تزايد القلق من أن الانفصال سيمتد إلى أسواق رأس المال. كان ذلك في الوقت الذي طرحت فيه إدارة ترمب مقترحات للحد من الإدراج الصيني في أسواق الأسهم الأمريكية والحد من الاستثمارات الأمريكية في الشركات الصينية.
تلك الأفكار، إضافة إلى أفكار مفادها أن بكين قد تقرر بيع ممتلكاتها الضخمة من سندات وزارة الخزانة الأمريكية، لا يبدو أنها تجاوزت مرحلة نموها المبكر. هذا يشير إلى أنه لا تزال هناك حدود للانفصال المتطور.
كبار المسؤولين التجاريين في إدارة ترمب لم يتبنوا مصطلح "الانفصال" وينكرون أنهم يحاولون تفكيك اقتصادات الولايات المتحدة والصين، حتى لو كان أكثر أعضاء فريق ترمب تشددا يعتقدون أن هذا يمكن أن يكون صحيا. روبرت لايتيزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة، قال إن اتفاق "المرحلة الأولى" المتفق عليه مع الصين كان "خطوة أولى في محاولة دمج نظامين مختلفين جدا من أجل مصلحة كلا الطرفين".
كيفن رود، رئيس الوزراء الأسترالي السابق، ورئيس معهد سياسة مجتمع آسيا، قال إن "العلاقة الاقتصادية الحالية والمستقبلية مترابطة أكثر بكثير مما قد يوحي به الاستخدام الشائع بشكل متزايد لمصطلح الانفصال". أثناء محاضرة في كاليفورنيا في تشرين الثاني (نوفمبر)، حذر أيضا مسؤولون من أن "اللغة الفضفاضة أو التحريضية" يمكن أن تصبح "نبوءة تحقق ذاتها".
أضاف رود: "عالم منفصل تماما سيكون مكانا مزعزعا جدا للاستقرار". سيقوض "افتراضات النمو الاقتصادي العالمي خلال الـ40 عاما الماضية، ويؤذن بعودة الستار الحديدي بين الشرق والغرب وبداية سباق تسلح تقليدي ونووي جديد، مع كل ما يصاحب ذلك من عدم استقرار استراتيجي ومخاطر".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES