FINANCIAL TIMES

أقدام على اليابسة .. أهوال دون حلم الوصول إلى أوروبا

أقدام على اليابسة .. أهوال دون حلم الوصول إلى أوروبا

آلاف القصر من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون، مراهقين فتيين، إلى سواحل أوروبا سنويا، هم أكثر الفئات المستضعفة في القارة. في أغلبية الأحيان عانى كثير منهم رحلات مأساوية للغاية، فقط ليزجوا في بيئة جديدة مربكة مشتتة، مع قليل من الدعم أو استيعاب ما سيكون عليه مستقبلهم.
في 2017، دانييل كاسترو جارسيا، المصور الفوتوغرافي والسينمائي البريطاني-الإسباني الأصل،، وجاد موريس، زميلته ومنتجة أعماله، وصلا إلى مركز هجرة ريفي للقاصرين غير المصحوبين بذويهم في صقلية. أصر الاثنان على عدم التعامل مع الأولاد الذين يعيشون هناك باعتبارهم مواضيع فوتوغرافية، بل العمل معهم لتوثيق تجاربهم التي انتهت بوصولهم إلى أوروبا.
مشروعهما، "أقدام على اليابسة" Feet on the Ground هو نتيجة ما يقارب عامين من العيش بجوار مركز استقبال كان سابقا ديرا للراهبات في مدينة إنا، حيث تعرفا على المراهقين الذين يحاولون فهم حياتهم الجديدة ـ المركز أغلق في أيار (مايو) 2019.
عمل كاسترو جارسيا وموريس تم تمويله بواسطة منح من مؤسسة ماجنوم، وبعد ذلك من خلال صندوق دبليو يوجين سميث التذكاري.
يقول كاسترو جارسيا: "عاش الأولاد هذا الحلم المتمثل في ما تعنيه الحياة في أوروبا. الواقع كان مختلفا جدا". كان كثير من الشباب الذين التقيا بهم، وكونا معهم روابط قوية، قد عانوا رحلات فظيعة إلى إيطاليا.
أبدى بعضهم أعراض اضطرابات ما بعد الصدمة. يقول: "تم وضع بعض الأولاد في مراكز الاحتجاز لثمانية أشهر". "شهد كثير منهم القتل. ركب عديد منهم السفن عبر البحر الأبيض المتوسط ورأوا الناس يموتون من الإرهاق بعد رحلة استمرت خمسة أيام".
"بدأت أفهم مقدار الضرر النفسي الذي كانوا يتحملونه. عانى الأولاد نوبات هلع واكتئاب، وأرق، وقضاء أيام على حافة السرير في غرفة مظلمة. كل هذه الأشياء تمر دون تشخيص ودون علاج، بسبب التقصير في نظام اللاجئين".
بدأ بعض الأولاد في المركز التفكير في الانتحار. يقول كاسترو جارسيا: "هناك حاجة ملحة إلى وجود اختصاصيين نفسيين في هذه المنطقة - أو على الأقل، بذل منظمات اللاجئين مزيدا من الجهود لتوفير هذه الخدمات".
مع مرور الوقت، رأى المصور أيضا ما يحدث بمجرد بلوغ الأولاد سن الرشد ولم يعودوا يصنفوا قاصرين - ما يعني أنهم يضطرون للخروج إلى العالم الأوسع بحثا عن عمل، لكن من دون حصولهم على الوثائق اللازمة.
وكثيرا ما أدى ذلك إلى أن يصبحوا بلا مأوى، أو يضطروا إلى دخول سوق العمل غير الرسمي في إيطاليا، حيث يتم استغلالهم أو وضعهم في أماكن خطرة.
نصف مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في البلاد حتى 2018، وفقا لمؤسسة "إسمو" Ismu وهي مجموعة باحثين إيطالية مستقلة. نحو 60 ألفا من الذين وصلوا إلى إيطاليا بين عامي 2014 و2018 كانوا دون سن 18 عاما، وفقا لمنظمة اليونيسيف.
وصل عثمان من جامبيا، وهو الابن البكر لعائلته. تركها تعيش في حالة فقر في منطقة ريفية، من أجل العثور على عمل في أوروبا. في أول محاولة له لعبور البحر الأبيض المتوسط، توقف محرك القارب عن العمل وسط البحر وعلق 150 شخصا على متنه، بمن فيهم نساء وأطفال، لمدة ثلاثة أيام دون طعام أو ماء.
يتذكر كاسترو جارسيا الصبي الذي أخبره كيف بدأ المهاجرون على متن القارب يصابون بالمرض. "كان الجميع يصلون، المسلمون والمسيحيون كانوا يقولون، الله أكبر، الله أكبر. كنت أقول لنفسي إذا انتهت حياتي هنا، فمن سيساعد والدي وعائلتي، لأنني البكر؟ وبدأت أبكي. لو رأيت الأمواج، كانوا مثل الجبال. ظننا جميعا أننا سنموت".
بعد مغادرة عثمان المركز، وجد عملا محليا، وعاد كاسترو جارسيا لزيارته. لسوء حظه، بدون أوراق رسمية - أصبح الحصول عليها أكثر صعوبة في العامين الماضيين بسبب قوانين جديدة - انتهى به الأمر في عمل غير آمن وخطير.
عرض عليه مزارع محلي وظيفة حارس أمن مقيم في مزرعة مهجورة في الريف ووعده بالحصول على تصريح عمل قانوني، وكان هذا الدافع الرئيسي له لقبول هذه الوظيفة. يقول كاسترو جارسيا: "كان هناك كهرباء، لكن لا توجد مياه جارية أو تدفئة، وكانت هناك فئران في جميع أنحاء المبنى".
كان عثمان مضطربا، لكنه يشعر بالتزام تجاه عائلته يحمله على البقاء والعمل في صقلية. يتذكره كاسترو جارسيا وهو يقول: "لم يتغير شيء. أنا في وضع أسوأ مما كنت عليه في موطني. لكنني فقط أفكر في (عائلتي) وأريد مساعدتهم وإخراجهم من الفقر (...) أعيش في وضع سيئ للغاية، لكنهم يعيشون في وضع أسوأ مني".
يتقاضى بعض الأولاد 25 يورو في اليوم مقابل العمل الزراعي، نصف هذا المبلغ يرسل إلى أسرهم عبر "ويسترن يونيون"، أو شركات تحويل مالي أخرى.
منذ مغادرة المركز، سافر كاسترو جارسيا إلى بعض بيوت الأولاد في إفريقيا والتقى بعائلاتهم. التقى أيضا بصبيان غادروا إيطاليا إلى أجزاء أخرى من أوروبا.
يقول: "هذه ليست مجرد مقالة فوتوغرافية. لقد دخلنا نحن في حياة هؤلاء الأولاد ولدينا مسؤولية تجاههم. قد يقول ممارسو التصوير الصحافي إننا نعبر بعض الخطوط الحمراء، لكنني لا أحاول رفع مستوى الوعي. أنا شاهد على ما يحدث - وهذا يخرق بعض القواعد والحدود التقليدية".
يأمل كاسترو جارسيا وموريس في أن يساعد عملهما على زيادة فهم طبيعة الهجرة إلى أوروبا، وتعميق الوعي باحتياجات الشباب المصابين بصدمات نفسية، الذين سيكبرون ويصبحوا راشدين في القارة.
"هذه قضية معقدة للغاية، ومن المستحسن بالنسبة لنا كمجتمع أن نتبنى التعقيدات، بدلا عن البحث عن الراحة في الأنماط التاريخية والثقافية التي تشكل معظم تغطية القضية. هذه ليست قصة نرويها، إنها شهادتهم. إنها حياتهم".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES