FINANCIAL TIMES

اسم الشهرة .. مفهوم غامض يزعج واضعي معايير المحاسبة

اسم الشهرة .. مفهوم غامض يزعج واضعي معايير المحاسبة

مسألة كيف تتعامل الشركات مع اسم الشهرة في حساباتها لفتت انتباه واضعي المعايير المحاسبية في أمريكا عدة مرات خلال العقود السبعة الماضية.
لم تكن رحلة مريحة. أسهمت حالتا جدل متعلقتان بالشهرة في زوال واضعي المعايير أنفسهم؛ الأولى في 1959 عندما تم استبعاد لجنة الإجراءات المحاسبية بعد اتهامها بالرضوخ إلى "وول ستريت" من خلال تخفيف المعايير المحاسبية للاستحواذ، ثم في 1973، حين كان لدى مجلس مبادئ المحاسبة جرأة لمحاولة تشديدها.
مجلس معايير المحاسبة المالية، واضع المعايير الحالي، تم الضغط عليه من جهة المصرفيين وأصدقائهم في الكونجرس الأمريكي عندما حاول أخيرا أن ينظر في الموضوع في نهاية تسعينيات القرن الماضي. ما يدل على أن الأمر يستحق الاهتمام إذا كان ينبغي النظر فيه مرة أخرى.
اسم الشهرة يزعج المحاسبين لأنه مفهوم غامض. تم تعريفه على أنه المبلغ الذي تدفعه إحدى الشركات إلى شركة أخرى زيادة على القيمة المقدرة لأصول الشركة المستهدفة، بعد خصم أي التزامات مفترضة، بالتالي يصعب تصنيفه. في الواقع هو ليس أحد الأصول، كونه غير قابل للبيع، كما أنه عديم القيمة تقريبا في حال جرت تصفية الشركة. إلى ذلك هو لا يعبر عن أي شيء مفيد حول التقييم الحالي للشركة.
وفقا لكارتيك رامانا، أستاذ إدارة الأعمال والسياسة العامة في كلية بلاجاتنيك الحكومية في جامعة أكسفورد، هو يمثل أكثر من مجرد "أرباح مستقبلية تخمينية يأمل مدير مستحوذ أن يحققها من خلال عملية استحواذ".
مع ذلك، بفضل طفرة عمليات الاندماج والاستحواذ التي استمرت فترة طويلة، فإن الميزانيات العمومية في الولايات المتحدة غارقة في قيمة اسم الأمل هذا. منذ عام 2007، نرى أن قيمة اسم الشهرة في الميزانيات العمومية للشركات المدرجة في مؤشر إس آند بي 500 ارتفعت من 1.8 مليار دولار إلى 3.5 مليار دولار في العام الماضي. بغض النظر عن التدهور الدوري، مثل عملية شطب جنرال إلكتريك الضخمة لعملية استحواذها على أعمال الطاقة في ألستوم مقابل 22 مليار دولار، فإن الأرقام تستمر في الارتفاع.
مجلس معايير المحاسبة المالية ربما يضع حياته في خطر من خلال إعادة فتح مسألة قيمة اسم الشهرة. لكن من الصواب فعل ذلك. النظام الحالي لا يفتقر إلى الاتساق فحسب، بل يخالف علنا مبدأ المحاسبة الأساسي المتمثل في ضرورة التكافؤ بين الإيرادات والنفقات المرتبطة بها.
اعتادت الشركات على إطفاء قيمة اسم الشهرة سنويا بهدف شطب المبلغ بالكامل على مدار فترة زمنية محددة - بشكل عام نحو 20 عاما. صحيح، ربما يبدو ذلك اعتباطيا. إلا أنه سمح للمستثمرين برؤية ما إذا كانت المكاسب الناتجة عن الصفقة تبرر الإنفاق المرتبط بتنفيذها، ما يجعل الرؤساء أكثر عرضة للمساءلة. كان ذلك نوعا من الحصافة، بالنظر إلى حالة عدم اليقين بشأن قيمة "الأصول" المشتراة. في النهاية، لا يزال هناك شركات تطفئ أصولا أخرى غير ملموسة مثل البرامجيات وقوائم العملاء بسبب قيمتها غير المؤكدة، والحاجة إلى تجديدها مع مرور الوقت.
قارن ذلك مع النظام المعمول به منذ عام 2001 (الذي تتم محاكاته في جميع أنحاء العالم من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولية منذ 2004). المديرون يمكنهم التعامل مع اسم الشهرة باعتباره أصلا دائما، كل ما عليهم هو تخفيض قيمته في حال اعتباره "ضعيفا" من قبل الشركة ومدققي حساباتها. يتم تحديد ذلك استنادا إلى اختبار سنوي لتخفيض القيمة.
المشكلات في ذلك واضحة. أولا، يتيح للمديرين استخدام السلطة التقديرية لتجنب تخفيض القيمة في الوقت الذي ينبغي تخفيضها. خذ مثلا، دراسة أجريت في 2009 على المصارف الأمريكية بعد الأزمة المالية. أظهرت الدراسة أن من بين أكبر 50 مؤسسة مالية أمريكية، 15 مؤسسة فقط خفضت قيمة اسم الشهرة في 2008، على الرغم من أن نحو 40 منها كانت تتداول بأقل من القيمة الدفترية في ذلك الوقت. مجموعة كاريليون البريطانية لتوفير التمويل الخارجي بالكاد خفضت قيمة اسم الشهرة في عمليات استحواذ مكلفة وغير ناجحة أجرتها قبل أن تفشل في 2018.
وهي ليست مجرد قضية مديرين يقيمون أداءهم ذاتيا. من خلال السماح للرؤساء بحساب الأرباح من عمليات الاستحواذ، مع تجاهل بعض النفقات، فإن النظام الحالي يسمح بـ"حساب مزدوج" يخفف المعايير الخاصة بصفقات الاندماج والاستحواذ، ويشجع صفقات مهدرة للمال إلى الحد الذي يؤدي إلى خسارة مضاعفة للمستثمرين الذين يدفعون أقساط تأمين غير مبررة ورسوما مرتفعة للوسطاء.
المستثمرون غالبا يحدقون دون تعابير عندما يتم ذكر اسم الشهرة، ويلجأون إلى فكرة أنه عنصر "غير مكلف". لكن القيم المحاسبية لا تدفع فقط قرارات الأطراف المقابلة والموظفين، بل يمكن أن تؤدي إلى دفع مكافآت كبيرة للرؤساء.
المبالغة في الميزانية العمومية يمكن أن تخدع الدائنين بشأن ملاءة الشركة وتسمح باستخراج أرباح غير مبررة توزع على المساهمين. مع كل مليار ونيف في اسم الشهرة، تزداد المخاطر.
المستثمرون ربما يتساءلون بشكل معقول من الذي يستفيد من النظام الحالي. كثير من الشركات "أجنوستية" - لا أدرية، وهو توجه فلسفي يُؤمن بأن القيم الحقيقية للقضايا الدينية أو الغيبية غير محددة ولا يمكن لأحد تحديدها - تكره التكلفة وإضاعة الوقت في اختبارات تخفيض القيمة السنوية.
الجواب بالطبع هو جماعات الضغط الكبيرة في مجال الخدمات المالية. في تسعينيات القرن الماضي، "وول ستريت" قادت الحملة ضد الإصلاح الفاشل الذي أجراه مجلس معايير المحاسبة المالية، والذي كان سيضطر جميع الشركات بعد ذلك إلى إطفاء اسم الشهرة، وسد ثغرة عمليات اندماج الشركات المتكافئة. المصارف الكبرى بدأت في الظهور بالفعل بصفتها ناقدة لأي تحول مزعوم إلى الإطفاء، مع تحذير "بانك أوف أمريكا" بصراحة مثيرة للإعجاب بأنه قد يعطل سوق الصفقات الأمريكية. اعتراض أقل أهمية يصعب تصوره.
اليوم، ليس كل اسم شهرة يعد هراء، ويمكن لكثير من الشركات دون شك تبرير القيم الدفترية لشركاتها الفرعية. لكن هذا ليس سببا للتهرب من محاسبة حكيمة للأصول غير الملموسة. واضعو المعايير السابقون ربما عانوا مع حساب قيمة اسم الشهرة. لكن يجدر بمجلس معايير المحاسبة المالية أن لا يفوت هذه الفرصة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES