FINANCIAL TIMES

معاهدة حظر الانتشار النووي تبلغ سن الـ50

معاهدة حظر الانتشار النووي تبلغ سن الـ50

في آذار (مارس) المقبل تحل الذكرى السنوية الـ50 لدخول معاهدة الأمم المتحدة للحد من انتشار الأسلحة النووية حيز النفاذ. خلال الحرب الباردة وبعدها، كانت المعاهدة واحدة من أنجح اتفاقيات الحد من الأسلحة في العصر الحديث. لكنها لم تكن محكمة أبدا، ومن المؤكد أن الاحتفالات بمناسبة الذكرى السنوية الـ50 لتأسيس المعاهدة ستكون صامتة.
في عالم يتزايد فيه التنافس بين القوى العظمى وتتزايد النزعات القومية الإقليمية القوية، تبرز ثلاثة اتجاهات.
الأول هو الانهيار البطيء الذي لا يمكن إيقافه على ما يبدو لاتفاقيات الحد من الأسلحة النووية التي تم التوصل إليها بين واشنطن وموسكو، المستمرة على مدى خمسة عقود.
إذا لم تتفاوض الولايات المتحدة وروسيا على بديل لمعاهدة ستارت الجديدة، التي تنص على تخفيض الترسانات النووية الاستراتيجية للبلدين، والتي من المقرر انتهاء سريانها في شباط (فبراير) المقبل، فلن تكون هناك قيود قانونية ملزمة على مخزونهما للمرة الأولى منذ عام 1972.
الاتجاه الثاني هو التنافس بين الدول التسع، المعروفة، المسلحة نوويا التي تنفق جميعها مبالغ كبيرة على تطوير ترساناتها. وهي: الولايات المتحدة وروسيا، اللتان تمتلكان أكثر من 90 في المائة من الأسلحة النووية في العالم، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والهند، وباكستان، وإسرائيل، وكوريا الشمالية.
الاتجاه الثالث هو ظهور توترات حول القوى النووية الجديدة، أو التي تطمح أن تكون كذلك، مثل كوريا الشمالية وإيران، على التوالي. شبه الانهيار الحالي للاتفاق النووي المبرم عام 2015، الذي بموجبه وافقت إيران على الحد من مخزونها وأنشطتها في تخصيب اليورانيوم، هو موضوع مثير للقلق بشكل خاص.
كل الاتجاهات الثلاثة تلقي بظلالها على آفاق عدم الانتشار.
الرئيس دونالد ترمب سحب الولايات المتحدة من الاتفاق الخاص بإيران في عام 2018، قائلا: "في قلب الاتفاق الإيراني هناك خيال واسع - النظام القاتل لا يريد سوى برنامج سلمي للطاقة النووية". العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة والعداء المتزايد بين واشنطن وطهران دفعا الإيرانيين إلى الشروع في ما يسميه ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك "عملية بطيئة، ولكن ثابتة للتخلص من كثير من قيود الاتفاق".
هاس يرى خطرا في أن "تقود تصرفات إيران الولايات المتحدة، أو على الأرجح إسرائيل، إلى توجيه ضربة وقائية تهدف إلى تدمير جزء كبير من برنامجها النووي".
أكثر الجهود طموحا للتخلص من الأسلحة النووية هي معاهدة حظر الأسلحة النووية، وهي مبادرة من البرازيل والمكسيك والسويد ودول أخرى غير نووية. وافق نحو 122 دولة على المعاهدة في عام 2017، وصدق عليها أكثر من 30 دولة. سيكون للمعاهدة قوة قانونية إذا أكملت 50 دولة عملية التصديق.
مع ذلك، تتضاءل قيمة المعاهدة بسبب رفض الدول التسع النووية - وجميع حلفاء واشنطن من الدول الأوروبية - المصادقة عليها. الرافضون ينتقدون المبادرة باعتبارها موقف سياسي غير واقعي يمكن أن يقوض معاهدة حظر الانتشار النووي التي دخلت حيز التنفيذ عام 1970.
وبحسب ما أشار شانون كايل، من معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام في عام 2017، برامج تحديث الأسلحة النووية طويلة الأجل تجري حاليا في جميع الدول التسع: "هذا يشير إلى أنه لن تكون أيا من هذه الدول مستعدة للتخلي عن ترسانتها النووية في المستقبل القريب".
النجاح الجزئي لمعاهدة 1970 كان يستند من البداية إلى قبولها الضمني بأن الأسلحة النووية وجدت لتبقى. وفي حين وافقت الدول غير النووية، الموقعة، على عدم امتلاك أسلحة نووية، وافقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين وفرنسا والمملكة المتحدة على متابعة نزع السلاح النووي ومشاركة مزايا التكنولوجيا النووية السلمية.
يقول هاس إن المعاهدة أثبتت أنها "قوية للغاية، ويعزى ذلك جزئيا إلى أنها مدعومة من جهود مبذولة لمنع تصدير التكنولوجيات الحرجة، وتحديد الأسلحة، والعقوبات، وقوة التحالفات، ما يقلل من حاجة البلدان إلى الاعتماد على نفسها".
مع ذلك، نادرا ما بدا عنصر نزع السلاح في المعاهدة في وضع سيئ كما هو الآن. لم تكن الصين قط طرفا في أي اتفاق لخفض الأسلحة النووية. في الأوساط الرسمية والأكاديمية في روسيا، يعتبر مفهوم الردع المتبادل في الحرب الباردة أفضل من الجهود المبذولة لبناء عالم خال من الأسلحة النووية.
"سيكون من المستحسن (...) تحويل التركيز في السياسة المشتركة نحو تعزيز الردع الاستراتيجي النووي المتبادل الذي كان، بغض النظر عن عيوبه، العامل الرئيسي للسلام في الماضي وسيكون أكثر من ذلك في المستقبل القريب"، كما جادل العالمان البارزان، سيرجي كاراجانوف وديمتري سوسلوف، بعد مؤتمر عقد العام الماضي في وزارة الخارجية الروسية.
لكن على مدى نصف القرن الماضي، لم يثبت الردع المتبادل ولا معاهدة 1970 أنهما يكفيان لمنع بعض الدول من إطلاق برامج الأسلحة النووية. تخلت ليبيا وجنوب إفريقيا عن برامجهما النووية طوعا. وتم إيقاف برامج العراق وسورية النووية بالقوة الإسرائيلية. لكن الهند وباكستان وإسرائيل لم توافق على المعاهدة قط، في حين تجاهلتها كوريا الشمالية.
أحد هذه المخاطر الرئيسية في نهاية المطاف أنه إذا لم تتم السيطرة على البرامج النووية لكوريا الشمالية وإيران، فإن الدول المجاورة التي تشعر بأنها مهددة ستحصل في يوم من الأيام على أسلحة نووية خاصة بها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES