FINANCIAL TIMES

الأسواق الناشئة .. التضخم في أعلى مستوياته منذ 6 أعوام

الأسواق الناشئة .. التضخم في أعلى مستوياته منذ 6 أعوام

ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفع التضخم في جميع أنحاء الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوياته منذ ستة أعوام، ما يعكس اتجاها انكماشيا سيطر على العالم النامي مباشرة عقب الأزمة المالية العالمية.
موجة من تضخم أسعار الوقود، مدفوعة إلى حد كبير من الآثار الأساسية، من المحتمل أيضا أن تتصاعد في الأشهر المقبلة، ما يساعد على الحفاظ على ارتفاع مستويات التضخم الرئيسي الواسعة.
في هذه المرحلة، لا يتوقع المحللون حدوث تحول في دورة السياسة النقدية في معظم الأسواق الناشئة، حيث تراجع التضخم وأسعار الفائدة القياسية في عديد من الدول في الأعوام الأخيرة.
مع ذلك، ارتفاع التضخم قد يحد من نطاق مزيد من التسهيل النقدي في دول مثل المكسيك وجنوب إفريقيا والهند والبرازيل والفلبين، فضلا عن مسحة متشددة لصناعة السياسة في أوروبا الشرقية.
ارتفع معدل التضخم في جميع أنحاء الأسواق الناشئة إلى 4.6 في المائة، على أساس سنوي، في كانون الأول (ديسمبر)، مقارنة بـ3.4 في المائة في أيلول (سبتمبر)، وذلك وفقا لمؤشر يستند إلى 62 دولة (مع استثناء الأرجنتين وفنزويلا حيث ارتفع التضخم إلى مستويات قياسية) ـ المؤشر تحت إدارة شركة كابيتال إيكونوميكس.
هذه هي القراءة الأعلى منذ عام 2014، عندما كان سعر النفط 110 دولارات للبرميل، وهي تأتي حتى مع استمرار ضعف ضغوط الأسعار بشكل استثنائي في العالم المتقدم.
"مستقبلا هناك كثير من الإيجابيات في التضخم الرئيسي" في العالم النامي، كما قال كاماكشيا تريفيدي، الرئيس المشارك لوحدة النقد الأجنبي العالمي وأسعار الفائدة وأبحاث استراتيجية الأسواق الناشئة في "جولدمان ساكس".
أضاف: "بعد عام 2019 المليء بمفاجآت التضخم السلبية في أنحاء الأسواق الناشئة كافة، كانت الابتكارات في الأسابيع الأخيرة في الأساس على الجانب الآخر، مع بعض المفاجآت الإيجابية الملحوظة في الهند والتشيك والفلبين وبولندا وتركيا".
مقياس تسارع التضخم في "جولدمان"، الذي يهدف إلى قياس الزخم والآثار الأساسية في 16 من دول الأسواق الناشئة، الذي يصفه المصرف بأنه "مؤشر جيد إلى حد ما للتغيرات المستقبلية في التضخم على أساس سنوي"، ارتفع بشكل ملحوظ بعد انخفاضه إلى أدنى مستوياته في أيلول (سبتمبر).
كان الارتفاع مدفوعا إلى حد كبير من الارتفاع في تضخم أسعار المواد الغذائية الذي ارتفع 8.2 في المائة، مسجلا بذلك أعلى مستوياته منذ ثمانية أعوام، وفقا لـ"كابيتال إيكونوميكس".
السبب الأكبر لهذا كان حمى الخنازير الإفريقية التي أدت إلى انخفاض قطيع الخنازير في الصين أكثر من الثلث ـ نحو 100 مليون خنزير ـ وانتشرت إلى وسط أوروبا.
هذا رفع أسعار لحوم الخنزير في الصين إلى مستويات قياسية. وتوسع الارتفاع بعد زيادة واردات الصين من اللحوم 63 في المائة في أول 11 شهرا من عام 2019، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، إلى 16.3 مليار دولار، وفقا لبيانات الجمارك.
مثلا، زيادة الطلب الصيني أدت إلى ارتفاع أسعار اللحوم البرازيلية ـ أغلبها من لحوم البقر ـ 25.7 في المائة على أساس سنوي في كانون الأول (ديسمبر)، مقارنة بـ7.8 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر).
"هذا وحده أضاف 0.5 نقطة مئوية إلى المعدل السنوي للتضخم الرئيسي بين أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) وأوائل كانون الأول (ديسمبر)"، كما قال وليام جاكسون، كبير الاقتصاديين للأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، وهو ما يمثل شريحة كبيرة من الارتفاع في تضخم أسعار المواد الاستهلاكية تبلغ 1.2 نقطة، إلى 3.9 في المائة.
بشكل عام، معدل تضخم أسعار اللحوم في 14 من الأسواق الناشئة الرئيسية يبلغ 33.5 في المائة، وفقا لمؤشر أنشأته "كابيتال إيكونوميكس".
سيكون لهذا تأثير أكبر على التضخم الإجمالي مما في الدول المتقدمة بسبب الوزن المرجح الأعلى الذي تمثله المواد الغذائية في سلة مؤشر أسعار المواد الاستهلاكية في العالم الناشئ.
كما ارتفع تضخم أسعار المواد الغذائية أيضا بسبب الارتفاع الحاد في أسعار الخضراوات في الهند، بعد أن ألحقت الفيضانات الشديدة ضررا بالمحاصيل.
يرى إدوارد جلوسوب، خبير اقتصاد الأسواق الناشئة في "كابيتال إيكونوميكس"، أن تضخم المواد الغذائية في الأسواق الناشئة "ربما كان قريبا من الذروة"، مع احتمال أن يبدأ تضخم أسعار الخضراوات في الهند بالتراجع بعد الربع الأول من العام.
بحسب جلوسوب، أسعار لحوم الخنزير الصينية انخفضت على أساس شهري في كانون الأول (ديسمبر) للمرة الأولى منذ أوائل عام 2019، مع انخفاض معدل التضخم السنوي من 110 في المائة إلى 97 في المائة، وهو اتجاه يتزامن مع ارتفاع في مخزونات الخنازير في كل من الصين وبولندا.
قال: "هذا يعزز التعليقات من صناع السياسة في الصين أنهم يسيطرون على حمى الخنازير الآسيوية ويمنعون انتشارها. هذا يشير إلى أن أسوأ انتشار ربما حدث. إذا أصبحت أسعار لحوم الخنزير ثابتة، فينبغي أن نبدأ في رؤية انخفاض حاد في معدل التضخم على أساس سنوي".
مع ذلك، أحد العيوب المحتملة قد يكون الجفاف وحرائق الغابات في أستراليا، التي أدت إلى انخفاض عدد الماشية.
صادرات أستراليا من لحوم البقر إلى الصين ارتفعت 81 في المائة في أول 11 شهرا من عام 2019، وفقا لوزارة الزراعة الأسترالية، على الرغم من أن إجمالي صادرات البلاد من لحوم البقر ارتفع 7 في المائة فقط بسبب إعادة توجيه شحناتها إلى الصين من أسواق أخرى، مثل اليابان وإندونيسيا وكندا والفلبين.
تتوقع "كابيتال إيكونوميكس" أن يميل مؤشرها الرئيسي لمعدل التضخم في الأسواق الناشئة نحو الأسفل. مع ذلك، قال جلوسوب إن التضخم في الواقع قد يرتفع أكثر في معظم دول الأسواق الناشئة.
أولا، من المرجح أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى ارتفاع التضخم. لأن أسعار النفط بشكل عام كانت منخفضة في عام 2019 مقارنة بعام 2018، فإن تضخم الوقود على أساس سنوي كان سلبيا بشكل عام، ما أدى إلى انخفاض معدلات التضخم الرئيسية. إلا أن فروقات أسعار النفط على أساس سنوي تحولت إلى إيجابية أخيرا، ما يعني أنها ستؤدي إلى ارتفاع تضخم مؤشر أسعار المواد الاستهلاكية وليس خفضه.
يقدر جلوسوب أن تضخم أسعار النفط في أنحاء الأسواق الناشئة كافة سيرتفع من سالب 4.5 في المائة في الوقت الحالي إلى 3 في المائة، على افتراض أن أسعار النفط الفورية ستبقى في المستويات الحالية. هذا سيكون كافيا لرفع التضخم الشامل نصف نقطة مئوية.
ثانيا، التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار المواد الغذائية والوقود، قد يرتفع أيضا في الدول التي خففت أخيرا السياسة النقدية، مثل الهند، حيث تم تخفيض أسعار الفائدة من 6.5 في المائة إلى 5.25 في المائة في العام الماضي، بينما النمو القوي ونقص العمالة ينبغي أن يحافظا على ارتفاع التضخم في أوروبا الشرقية.
بالنظر إلى أن كثيرا من الضغط الصعودي يأتي من أسعار المواد الغذائية والوقود غير الأساسية، فإن بعض البنوك المركزية قد تختار عدم الرد من خلال تشديد السياسة النقدية، أو التوقف عن تخفيفها.
بشكل عام، قال جلوسوب إن البنوك المركزية "الأكثر تطورا" في آسيا ووسط وشرق أوروبا وتشيلي من الأرجح أن تنظر في مثل هذا التضخم.
مع ذلك، بعض البنوك الأخرى، مثل بنوك كولومبيا والمكسيك، تميل لتكون متشددة جدا لأن أسعار المواد الغذائية والوقود المرتفعة كانت من الناحية التاريخية أكثر عرضة لتأثيرات التضخم الثانوية وزيادة توقعات التضخم. نتيجة لذلك، تعتقد "كابيتال إيكونوميكس" أن السياسة النقدية في المكسيك، فضلا عن جنوب إفريقيا، ستكون أكثر صرامة مما يتوقعه كثير من المراقبين هذا العام. قالت الشركة الاستشارية إن مزيدا من تخفيضات أسعار الفائدة في الهند قد تكون خارج جدول الأعمال على المدى القريب بعد أن ارتفع التضخم الرئيسي إلى 7.35 في المائة في كانون الأول (ديسمبر)، من 5.5 في المائة قبل شهر، وهو أعلى بكثير من هدف البنك المركزي البالغ 4 في المائة. وبالمثل فإن الارتفاع الأخير في التضخم في البرازيل ربما يعيق مزيدا من التسهيل في السياسة النقدية.
قال "جولدمان ساكس" إن الارتفاع في التضخم في الفلبين، من 1.3 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى 2.5 في المائة في كانون الاول (ديسمبر)، أعلى بكثير من توقعات الإجماع، يعني أن مخاطر توقعاته بزيادة تخفيف السياسة بواقع 50 نقطة أساس أصبحت الآن في "اتجاه أكثر تشددا".
مع ذلك، الاختلافات الأكبر قد تكون في أوروبا الشرقية. بالنظر إلى أن التضخم في التشيك ارتفع إلى أعلى مستوياته منذ سبعة أعوام بنسبة 3.2 في المائة، وهو أعلى من هدف البنك المركزي الذي يراوح بين 1 في المائة و3 في المائة، قال "جولدمان" إن المخاطر "تميل نحو أسعار الفائدة الأعلى في الأشهر المقبلة"، على الرغم من أن الأسواق تحتسب التخفيضات في الربعين أو الأرباع الثلاثة المقبلة.
على نحو مماثل في بولندا، حيث ارتفع التضخم من 2.6 في المائة في تشرين الثاني (نوفمبر) إلى أعلى مستوياته منذ سبعة أعوام بنسبة 3.4 في المائة في كانون الأول (ديسمبر)، قال "جولدمان" إن أي مناقشة لخفض أسعار الفائدة في عام 2020، التي كانت السوق تقوم بتسعيرها، أصبحت "غير مطروحة" الآن.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES