أخبار

تغير المناخ .. خطر حقيقي أم تشاؤم أزلي؟

تغير المناخ .. خطر حقيقي أم تشاؤم أزلي؟

انقضى منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا أخيرا، بعد أن هرول إليه صناع السياسة، بحثا عن حلول اقتصادية أو عن غطاءات سياسية، للخروج من الأزمات والأوضاع الصعبة التي تعيشها الدول، وكان تعامل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في "دافوس" مع أغلبية القضايا الكبرى، التي تشغل السياسة الأمريكية، بحرفية وهدوء، مروجا من خلال تلك المنصة لنفسه انتخابيا، ليستهل حملته الانتخابية بفرد العضلات فيما يخص إنجازاته كرئيس للدولة الأقوى عسكريا واقتصاديا في العالم، رافعا من المنتدى شعار التحدي للديمقراطيين، الذين ينوون الإطاحة به، نظرا إلى ما يواجهه من إجراء لعزله، ومديرا ملفاته بحالة كبيرة من الثقة والبرود بشكل لافت للانتباه.
لكن سرعان ما تلاشت هذه الصورة بعد أن تقدمت جريتا جوتنبرج الناشطة البيئية السويدية المراهقة، بمطالبة الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بإيجاد حلول حقيقية وناجعة للحد من مشكلة التغير المناخي، وهي الناشطة ذاتها، التي سخر ترمب من اختيارها من قبل مجلة "تايم" الأمريكية كـ"شخصية عام 2019"، ليواصل ترمب هجومه عليها من دافوس بوصفها ومن يحذو حذوها بـ"أنبياء الشؤم"، الذين يحذرون من أن العالم على شفير أزمة بيئية كبيرة، فخلال خطابه في المنتدى، قال ترمب "أنا مؤمن كبير جدا بالبيئة"، مضيفا "لكن علينا رفض طرحهم وتنبؤاتهم بنهاية العالم"، وجاء تنديد ترمب بعد ساعات من مخاطبة جوتنبرج المدافعة عن البيئة منتدى دافوس، حيث أشارت إلى أن الحكومات لم تقم "بشيء" لمواجهة التغير المناخي.
وكان الرئيس ترمب، عد اختيار جوتنبرج كشخصية عام 2019، "أمرا سخيفا للغاية"، وذكر في تغريدة نشرها في حسابه الرسمي على تويتر، "يجب على جريتا أن تتحكم في مشكلات الغضب لديها، ثم تذهب لمشاهدة فيلم قديم مع صديق، اهدئي يا جريتا! اهدئي".
ولم يقتصر الهجوم على الناشطة المراهقة من شخص الرئيس ترمب، ليتابع الهجوم ستيفن منوتشين وزير الخزانة الأمريكي، الذي قال "أنصح الناشطة البيئية السويدية بأن تتعلم أولا وتدرس الاقتصاد، قبل أن توجه الانتقادات إلى السياسة الأمريكية"، وتابع الوزير الأمريكي قائلا "هل جوتنبرج من كبار الاقتصاديين؟ إن ما تقوله يعد مزاحا، قبل أن تخبرنا بما علينا فعله، أعتقد أنه تجب عليها دراسة الاقتصاد في الجامعة".
بدورها ردت جوتنبرج على منوتشين في تغريدة على حسابها الرسمي في "تويتر" قالت فيها "لا يتطلب الأمر شهادة جامعة في الاقتصاد لإدراك أن بصمتنا الكربونية البالغة 1.5 درجة ودعمنا المستمر للوقود الأحفوري لا يضيفان كثيرا إلى استثماراتنا"، وتابعت قائلة "عليك أن تخبرنا، كيف يمكن أن تحقق هذا التخفيف أو تشرح للأجيال القادمة أو تلك المتأثرة بالفعل بحالة الطوارئ المناخية، لماذا يجب علينا التخلي عن التزاماتنا المتعلقة بالمناخ".
في الحقيقة يدفعنا الفضول إلى معرفة هذه الاستماتة الأمريكية في الدفاع عن مسألة التغير المناخي خصوصا بعد الحرائق التي ضربت الغابات الأسترالية أخيرا، التي امتدت على طول الساحل الشرقي لأستراليا، فالجواب يظهر مما أدت إليه هذه الممارسات من نتائج، إذ نتج عن حرائق أستراليا وحدها انبعاث بنحو 400 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، ما زاد من حدة التغير المناخي الذي يؤدي أصلا إلى ازدياد شدة الحرائق حول العالم، ليتجاوز هذا الرقم إجمالي الانبعاثات السنوية مجتمعة لـ116 دولة منخفضة الانبعاثات، ويبلغ تسعة أضعاف الكمية المنبعثة خلال موسم الحرائق 2018 في كاليفورنيا، كما أنه يعد إضافة إلى انبعاثات غازات الدفيئة المسطحة في أستراليا في عام 2019، التي تمثل في الأحوال العادية ما يقرب من ثلاثة أرباع الانبعاثات في أستراليا.
كما سبق أن شهد العالم في 2019، تسجيل حرائق غابات الأمازون المطرية رقما قياسيا، وسط تحذيرات من تداعيات الأمر على بيئة الأرض، حيث قال حينها مركز أبحاث الفضاء البرازيلي "إنه أحصى وجود 72 ألف حريق في الغابات الشاسعة، التي يقع الجزء الأكبر منها في البرازيل، ويرتفع هذا الرقم بنسبة 83 في المائة عن الحرائق التي حدثت في الفترة نفسها من عام 2018، والحرائق التي اندلعت في 2019 هي الأعلى منذ بدء عملية تسجيل الحرائق في غابات الأمازون منذ عام 2013، ورصدت الأقمار الصناعية نحو 9500 حريق في غابات الأمازون الموجودة في البرازيل، إذ توصف هذه الغابات بكونها "رئة الأرض"، وتبلغ مساحتها نحو 5.5 مليون كيلو متر مربع، وتعد أحد الأماكن المهمة لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري".
السؤال هنا: ما علاقة الولايات المتحدة بالحرائق في أستراليا والبرازيل وعملية التغير المناخي؟ يظهر الجواب جليا من كون الولايات المتحدة الدولة الأولى على الترتيب العالمي للدول حسب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويكشف تقرير للأمم المتحدة عن المناخ والقابلية الغذائية، أنه ينتج كل مواطن من مواطني الولايات المتحدة انبعاثات كربونية بقدر ما ينتج 581 شخصا في بوروندي في شرق إفريقيا، ما سيكون له تأثير غير متوازن لتغير المناخ في الأمن الغذائي العالمي، وللحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى 1.8 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، فإن الانبعاثات يجب أن تكون قطعا أبعد من ذلك، لا تزيد على 34 مليار طن من مكافئ CO2 بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من الجهود الدولية لمواجهة مخاطر التغير المناخي، ودعوات الناشطين كالسويدية جوتنبرج وغيرها، فعلى الدول أن تقوم بتحديث تعهداتها والتزاماتها ومساهماتها المحددة وطنيا في نهاية العام الحالي، ومن الضروري خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 7.6 في المائة، لتجنب التخفيضات السنوية الحادة.
ومن المتوقع أن تقوم معظم الدول بتعزيز التزاماتها المتعلقة بالمناخ في العام الحالي، إذ توجد لدى 71 دولة و11 منطقة - التي تمثل نحو 15 في المائة، من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية في المجموع - أهداف طويلة الأجل لتحقيق الانبعاثات الصفرية، وتمثل مجموعة العشرين، التي ستعقد قمتها في العاصمة الرياض فرصة لقيادة العالم إلى مستقبل بيئي مزدهر ومتجدد.
ختاما سبق أن أخطرت الحكومة الأمريكية الأمم المتحدة رسميا بانسحابها من اتفاقية باريس للمناخ، وكان الرئيس ترمب، أعلن ذلك في 2017، إذ تلزم الاتفاقية الدول الموقعة أن تبقي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أقل بكثير من درجتين مئويتين، وفقا لمستويات ما قبل زمن الصناعة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار