FINANCIAL TIMES

الأدوية «اليتيمة» .. مليونا دولار لعلاج جيني يستخدم لمرة واحدة

الأدوية «اليتيمة» .. مليونا دولار لعلاج جيني يستخدم لمرة واحدة

الحملة لعلاج الأمراض المميتة على وشك دخول مرحلة جديدة وذات متطلبات، في الوقت الذي تستعد فيه صناعة الأدوية لأول مرة لاختبار الرغبة في العلاجات الجينية عالية التكلفة في أوروبا.
سيكون هناك علاجان يبلغ سعر الواحد منهما مليوني دولار، هما إلى حد كبير الدواءين الأكثر تكلفة في أوروبا. هذا يضع ليس فقط مصير المرضى - والتوقعات لمجموعات الأدوية التي تصنع العلاجات - على المحك، بل أيضا استعداد أنظمة الصحة الأوروبية التي تعاني تقليديا ضائقة مالية، للدفع مقابل هذه العلاجات المبتكرة، الأمر الذي يؤثر في الاستثمار المستقبلي في هذا المجال.
في الطليعة يوجد عقار "زينتيجلو"، وهو علاج لاضطرابات الدم "بيتا تلاسيميا" النادرة، وهو من إنتاج شركة بلوبيرد بيو. وقد تم إطلاقه في ألمانيا هذا الأسبوع، تمهيدا لإطلاق أوروبي أوسع.
كذلك يستعد لدخول السوق الأوروبية دواء اسمه "زولجينسما" من شركة نوفارتيس، وهو علاج لمرة واحدة لمرض ضمور العضلات الشوكي النادر في مرحلة الطفولة، الذي يؤثر في ما يصل إلى 600 طفل جديد سنويا في الاتحاد الأوروبي.
من المرجح أن تحصل شركة صناعة الأدوية السويسرية على رأي إيجابي من لجنة المنتجات الطبية للاستخدام البشري، التابعة لوكالة الأدوية الأوروبية - وهو بشكل عام مقدمة للموافقة التنظيمية - في مطلع هذا العام. التأخير بعد طلب الحصول على مزيد من المعلومات، الذي على ما يبدو أنه يعكس عدم المعرفة في هذا المجال بالنسبة للهيئات التنظيمية، لم يضعف ثقة الشركة.
تم تحديد كلا العلاجين بأنهما دواءين "يتيمين" من قبل الهيئات التنظيمية، اعترافا بندرة الحالات التي تعالجها.
"الجيل التالي من العلاجات الحيوية"، مثل هذين الدواءين، يشكل أقل من 10 في المائة من حجم أعمال البحث والتطوير في المرحلة الأخيرة، بحسب معهد IQVIA لعلوم البيانات البشرية، الذي يرسم اتجاهات الأدوية العالمية. لكن هذا الرقم زاد أكثر من الضعف في الأعوام الثلاثة حتى عام 2018، ما يؤكد الشعور المتزايد بقوة الدفع التي تحرك هذا المجال.
في الشهر الماضي قدمت شركة روش أدلة جديدة على حيوية هذا المجال عندما أعلنت عن أكبر صفقة من نوعها لترخيص العلاج الجيني. حيث ستدفع لـ"سربتا ثيرابيوتكس" Sarepta Therapeutics، شركة التكنولوجيا الحيوية القائمة في ماساتشوستس، 750 مليون دولار نقدا مقدما للحصول على حقوق العلاج الجيني لضمور العضلات Duchenne خارج الولايات المتحدة، فضلا عن استثمار 400 مليون دولار في أسهم الشركة.
في تبرير أسعارهما، تقول كل من "نوفارتيس" و"بلوبيرد" إن العلاجات الحالية، على مدى فترة أطول بكثير، تعني أن أنظمة الرعاية الصحية تدفع بالفعل فواتير أعلى بكثير مما قد تدفع مقابل علاجاتها الشافية لمرة واحدة.
لكن إذا لم تعتمد أنظمة الصحة الأوروبية العلاجات الأكثر تكلفة على نطاق واسع، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف حماس المستثمرين لتقديم تمويل كبير لهذا المجال.
براد لونكار، الرئيس التنفيذي لشركة لونكار الاستثمارية والمستثمر البارز في علوم الحياة، أشار إلى أن الحكومات الأوروبية تميل إلى رفض أسعار الأدوية المرتفعة أكثر بكثير من شركات التأمين وجهات أخرى في الولايات المتحدة، لأن كثيرا منها لديها أنظمة صحة تقودها حكومات تفرض قيودا مشددة على الإنفاق.
مع ذلك، من المهم أن إطلاق "زولجينسما" و"زينتيجلو" في أوروبا سار بشكل جيد "لأن الاستثمار في تلك الأشياء محفوف بالمخاطر، كما قال لونكار "وكان المستثمرون بحاجة إلى التأكد أن هناك سوقا تجارية قوية".
ديف لينون، رئيس AveXis، الشركة التابعة لشركة نوفارتيس التي تصنع عقار زولجينسما، يتخذ موقفا متحفزا عندما يشار إلى أن سعره – الذي يعتقد أنه الأعلى لأي دواء – هو الأمر الأكثر أهمية. يقول: "آمل أن يكون الجانب الأكثر أهمية لهذا العلاج هو أننا ننقذ حياة الأطفال".
يضيف أن سعر عقار زولجينسما البالغ 2.1 مليون دولار هو "نحو نصف القيمة الاقتصادية التي نعتقد أننا نوجدها"، ومع أخذ المدخرات طويلة الأجل في الحسبان، فقد كان "نحو نصف سعر أدوية الأمراض النادرة المعروفة الموجودة في السوق".
بحلول الوقت الذي حصلت فيه على الموافقة من الهيئات التنظيمية الأمريكية في أيار (مايو) الماضي، قالت شركة نوفارتيس إنها أنفقت أكثر من مليار دولار على تطوير العقار. مع نهاية الربع الثالث من العام الماضي، كانت قد حققت إيرادات بلغت 175 مليون دولار من المبيعات في الولايات المتحدة.
الشركة أبلغت المستثمرين في تشرين الأول (أكتوبر) أن 90 في المائة من المرضى المؤمنين تجاريا ونحو 30 في المائة من مرضى نظام المساعدة الطبية Medicaid تتم تغطيتهم في الولايات المتحدة.
لكن السؤال هو ما إذا كانت أنظمة الصحة الأوروبية، خاصة تلك التي لديها عملية راسخة لتحديد فعالية الأدوية من حيث التكلفة، ستكون قادرة على تكييف نماذجها لتجاوز التكلفة المقدمة الفورية وأخذ المدخرات طويلة الأجل في الحسبان.
موراي أتكين، المدير التنفيذي في معهد IQVIA لعلوم البيانات البشرية، قال: "الدول الأوروبية غير متناسقة بعض الشيء من حيث المدى الذي تنظر فيه إلى ميزانية تكلفة الرعاية الصحية والاجتماعية الأوسع". وجادل بأن عديدا من الدول كانت لا تزال "تحاول إدارة شؤونها ضمن مبلغ محدد لميزانية الأدوية"، وهو نهج كان مناسبا في القرن الـ20 "لكنه ليس كذلك في القرن الـ21 على الإطلاق".
عندما سئل عن فحوى المحادثات التي أجرتها شركة نوفارتيس مع السلطات الأوروبية، قال لينون: "عندما نجري مناقشات حول القيمة، من الواضح أننا نحصل على رد الفعل الأولي نفسه فيما يتعلق بالأسعار، لكن بمجرد أن نناقش الحجج الاقتصادية الصحية، غالبا ما يكون هناك مستوى عال من القبول وفهم للفرصة التي يتيحها فعلا لتوفير أموال النظام الصحي ويؤدي في الوقت نفسه إلى نتائج أفضل للأطفال.
"لذلك لن يقف أي أحد ويقول: ’نحن نحب سعركم‘. لكن في الوقت نفسه، لم نشهد بعد كثيرا من المقاومة لتغطية المنتج من أجل المرضى المناسبين".
أضاف لينون إن علاجات الأمراض النادرة "غالبا ما تكون بتكلفة تراوح بين 300 ألف دولار و500 ألف دولار سنويا. وإذا نظرت فقط إلى علاج طفل ربما لمدة عشرة أعوام، فإنك تتحدث عن نحو ثلاثة ملايين إلى خمسة ملايين دولار".
وقال إن نقطة البداية في المحادثات عن التكلفة هي "التفكير دائما في كيفية المشاركة بشكل مرن" مع أنظمة الصحة. "إحدى الطرق التي يمكننا من خلالها القيام بذلك هي نشر المدفوعات على فترة زمنية، إذا كان ذلك من مصلحة المشتري أو شركة التأمين". أضافت شركة نوفارتيس إن كثيرا من الدول في أوروبا والشرق الأوسط بصدد الموافقة على "حلول الوصول المبكر"، ما يسمح لبعض المرضى بتلقي عقار زولجينسما حتى قبل الحصول على ترخيص للتسويق. لكنها رفضت تسمية هذه الدول.
على عكس شركة AveXis، التي أطلقت عقار زولجينسما أولا في الولايات المتحدة، اختارت شركة بلوبيرد بيو طرح منتجها في أوروبا، حيث هناك تركيز على مرضى بيتا تلاسيميا. يعتقد أن ما يصل إلى نحو تسعة آلاف شخص يعانون هذه الحالة في الدول الأوروبية الأربعة التي ستكون أول ما يحصل على الدواء، مع نحو أربعة آلاف شخص آخر في بقية أوروبا. عدد السكان المرضى المحتملين في الولايات المتحدة يبلغ نحو 1500، وفقا لشركة بلوبيرد.
أعلنت الشركة الإثنين أنها "دخلت في اتفاقيات دفع على أساس القيمة مع عدة ’صناديق أمراض‘، أو صناديق التأمين الصحي القانونية، في ألمانيا للمساعدة على ضمان وصول المرضى ومقدمي الرعاية الصحية إلى عقار زينتيجلو.
مع ذلك، سداد قيمة العقار البالغة 1.8 مليون دولار لا يزال أمرا غير مضمون على المدى الطويل. قدمت شركة بلوبيرد ملفا إلى اللجنة الفيدرالية المشتركة في ألمانيا، التي تبحث فيما إذا كان العقار جديدا بالفعل ويوفر فائدة أكبر من العلاجات الحالية المماثلة. ستكون هناك حاجة إلى حكم إيجابي إذا كانت الحكومة ستوافق على سداد تكلفة العقار.
قالت الشركة إن المناقشات جارية أيضا بشأن إطلاق العقار في المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا.
أندرو أوبيشاين، الرئيس الأوروبي لشركة بلوبيرد حتى الآونة الأخيرة، قال إن المشترين سيقومون فقط بتمويل العام الأول من العلاج، من خلال دفع خمس السعر الإجمالي، ما لم تكن لديه طريقة "مستقلة لنقل الدم". يضطر كثير من المرضى حاليا إلى الخضوع لما يصل إلى ثمانية عمليات نقل دم سنويا للسيطرة على حالتهم.
من خلال وصف العقار بأنه "علاج لمرة واحدة مقابل فائدة لمدى الحياة"، أضاف: "اعتقد أن ذلك يضع المحادثات بشكل مختلف جدا مع المشترين".
دوج دانيسون، رئيس استراتيجية الوصول والقيمة والأدلة، قال إنه حتى إذا كان المرضى قادرين على تقليل عدد عمليات نقل الدم التي يحتاجون إليها "فإننا نقول إن هذا لا يلبي معاييرنا وبالتالي لن يدفعوا. لذلك هناك قدر معين من الفوائد التي نتخلى عنها".
المفاوضات التي أجرتها شركة بلوبيرد في ألمانيا ساعدت على إيجاد أنموذج يمكن أن تستخدمه الشركة، وربما شركات أخرى، أو تكييفه بسبب الانتشار الكبير لهذه الأدوية المكلفة، لكن من المحتمل أن تكون تحويلية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES