FINANCIAL TIMES

بعد صفقة «المرحلة الأولى» .. إلى أين يتجه الرنمينبي؟

بعد صفقة «المرحلة الأولى» .. إلى أين يتجه الرنمينبي؟

عندما كسرت العملة الصينية حاجز سبعة رنمينبي مقابل الدولار للمرة الأولى بعد الأزمة المالية العالمية، شعر بعض المحللين بالقلق من أن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين قد تمتد إلى حرب اقتصادية شاملة.
لكن الرنمينبي انتعش في الأشهر التي تلت تخطيه ذلك الحاجز في آب (أغسطس) الماضي، ما دفع وزارة الخزانة الأمريكية إلى وصف الصين بأنها "متلاعبة بالعملة". هذا الارتفاع استمر الأسبوع الماضي بعد أن اعتبرت واشنطن أن بكين لم تعد مذنبة بأي عمل مخادع في سوق العملات، بعدما وصل الرنمينبي إلى أعلى مستوى في أكثر من خمسة أشهر مقابل الدولار.
يحاول استراتيجيون الآن تحديد المرحلة التالية للرنمينبي المثير. يحذر بعضهم من أن هذا الارتفاع قد يتلاشى طالما ظل اتفاق التجارة الأكثر شمولية بين أكبر اقتصادين في العالم بعيدا عن الأنظار. هانا أندرسون، خبيرة استراتيجية في الأسواق العالمية لدى "جيه بي مورجان أسيت مانجمينت" في هونج كونج، قالت: "أعتقد أن نهاية عام 2020 لن تشهد رنمبيني قويا بقدر ما هو عليه الآن". جاء وصف إدارة دونالد ترمب للصين بأنها متلاعبة في الصيف الماضي بعد اتهامات متكررة من الرئيس الأمريكي بأن بكين أضعفت الرنمينبي لتحقيق مكسب غير عادل لمصدريها. البنك المركزي الصيني يحدد نقطة مركزية يومية يمكن أن يتحرك حولها سعر الصرف المحلي 2 في المائة في أي من الاتجاهين صعودا وهبوطا. يتم تداول نسخة منفصلة خارجية من الرنمينبي بحرية أكبر في مدن مثل هونج كونج ولندن. لكن عند نحو 6.89 رنمبيني لكل دولار، العملة الآن أضعف بكثير مما كانت عليه قبل أن تفرض الولايات المتحدة في البداية تعريفات جمركية على السلع الصينية، ما يؤكد مدى بقاء العلاقة التجارية مشحونة.
كريستي تان، كبيرة الخبراء الاستراتيجيين في أسواق آسيا في بنك أستراليا الوطني، ذكرت أن المكاسب التي تحققت أخيرا للرنمينبي تعود جزئيا إلى عوامل موسمية لا علاقة لها بتأرجح الجيوسياسة العالمية هبوطا وصعودا. وتشمل هذه العوامل مزيدا من الطلب من الشركات الصينية، التي تميل إلى تحويل أرصدتها من العملات الأجنبية إلى الرنمينبي من أجل دفع مكافآت العمال السنوية قبل عطلة العام القمري الجديد في أواخر كانون الثاني (يناير). وهذا الطلب سيزول قريبا.
أضافت تان أن المستثمرين قد يكونوا متفائلين بشكل مفرط بأهمية ما يسمى صفقة "المرحلة الأولى" التجارية. هذه الصفقة ستؤدي إلى زيادة الصين واردات من الولايات المتحدة، مع وعدها بحماية حقوق الملكية الفكرية بشكل أفضل. الاتفاق الذي تم توقيعه في واشنطن يوم الأربعاء، يخفض التعريفات الأمريكية الحالية على 120 مليار دولار من السلع الصينية إلى النصف ويزيل خطر فرض رسوم جديدة من على الطاولة.
لكن التعريفات الجمركية بنسبة 25 في المائة على 250 مليار دولار أخرى من الصادرات الصينية ستظل سارية، ويعتمد مستقبلها على مسار المفاوضات التجارية اللاحقة. وتأتي الصفقة أيضا دون أي ضمان بأن تلغي الصين على الفور رسومها الجمركية على السلع الأمريكية. قالت تان: "ليس الأمر كما لو أن الحرب التجارية قد انقضى أمرها وانتهت، وهدأت، وسكنت".
قال الرئيس ترمب إن المحادثات حول صفقة "المرحلة الثانية" ستبدأ على الفور، لمعالجة بعض المصادر الأعمق للتوترات الاقتصادية بين البلدين، بما في ذلك استخدام الصين للإعانات الصناعية وسرقات الفضاء الإلكتروني. لكن بعض المحللين متشككون. "لسنا متفائلين بشأن المرحلة الثانية"، كما قالت تان، مضيفة "ربما لن يحدث هذا في وقت قريب وليس هناك حافز لدى أي من الجانبين للبدء فعليا".
النقاد اتهموا وزارة الخزانة الأمريكية باستخدام تهمة التلاعب أداة سياسية لمعاقبة الصين ومبررا لفرض مزيد من الرسوم الجمركية على السلع الصينية.
قالت أندرسون، من "جيه بي مورجان"، على الرغم من أن تهمة التلاعب فتحت الباب أمام إجراءات أمريكية قوية لمعالجة الاختلالات التجارية، إلا أن التأثير الحقيقي كان في معنويات السوق، إذ شعر المستثمرون بالقلق من أنها آذنت بنقطة اللاعودة في التوترات بين الولايات المتحدة والصين.
في بداية أيلول (سبتمبر) 2019، انخفض الرنمينبي المتداول في الداخل 4.5 في المائة مقابل الدولار على أساس سنوي. لكن مع استئناف المفاوضات التجارية تقلصت تلك الخسائر وأنهى الرنمينبي العام منخفضا 1.2 في المائة فقط مقابل الدولار.
وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشن، الذي أعلن سحب صفة "المتلاعبة بالعملة"، قال هذا الأسبوع إن الصين تعهدت "بالتزامات واجبة النفاذ تمتنع بموجبها عن التخفيض التنافسي لقيمة العملة". المحللون الآن يخمنون ما هذه الالتزامات.
هيلين تشياو، الخبيرة الاقتصادية في "بانك أوف أمريكا"، قالت: "قد يكون هناك (خط) مرسوم على الرمال" في إطار صفقة "المرحلة الأولى" لوضع حد لأي انخفاض مقابل الدولار. يشير هذا إلى أن الصين ربما تكون قد وافقت على نوع من الحد الأدنى لسعر الصرف.
لكن تشياو أضافت أن اتجاه الرنمينبي يعتمد أيضا على اقتصاد الصين المتراجع. نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث انخفض إلى أدنى مستوى في ثلاثة عقود. لكن بيانات شهرية أحدث أشارت إلى انتعاش في الصادرات والإنتاج الصناعي، ما يزيد من احتمال حدوث تحول في الاقتصاد رقم اثنين في العالم.
بغض النظر، يشك المتداولون في أن بكين ستسمح للعملة بالتداول بحرية في أي وقت قريب. "أعتقد أن أكثر ما يمكن أن تلتزم به الصين هو عدم إجراء أي تخفيض تنافسي"، كما قالت فرانسيس تشيونج، الخبيرة الاستراتيجية في "ويستباك".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES