FINANCIAL TIMES

نذر الحرب الضريبية تتزايد عبر الأطلسي

نذر الحرب الضريبية تتزايد 
عبر الأطلسي

الأمريكيون والأوروبيون يختلفون بشأن عديد من الأشياء، من ضمنها الأسلحة، والدين، وما إذا كانوا سيأكلون البطاطا المقلية الفرنسية (أو بطاطا الحرية) مع الكاتشب أو مع المايونيز.
لكن اختلافاتهما التوجهية والسياسية العميقة بشأن الضرائب أصبحت الآن في خطر الانجراف إلى حرب تجارية بركانية عبر الأطلسي. في صميم الخلاف يكمن تساؤل حول ما إذا كان يتعين إجبار شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى، مثل "جوجل" و"أمازون"، على دفع ضرائب أعلى في الدول التي تحصل فيها على إيراداتها.
الحكومة الفرنسية قادت هذه الهجمة الأوروبية من خلال فرض ضريبة مؤقتة على الخدمات الرقمية تستهدف بالدرجة الأولى شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى. هذا النهج أثار رد فعل غاضب من واشنطن التي تعده انتزاع ضرائب على نحو تمييزي.
الولايات المتحدة تهدد على سبيل الانتقام بفرض رسوم جمركية 100 في المائة على 2.4 مليار دولار من الصادرات الفرنسية، ما يضر بمنتجي الشمبانيا من دول الغال - وطلاب جامعة جورج تاون.
المواجهة ستحدث في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في وقت لاحق هذا الشهر، عندما يبذل برونو لو مايير، وزير المالية الفرنسي، وستيفن منوشين، وزير الخزانة الأمريكي، جهدا نهائيا لحل النزاع. في حال فشلا في التوصل إلى حل، فإن نحو 35 حكومة، بما فيها المملكة المتحدة، ستصدر ضرائبها الرقمية. الأمور يمكن أن تصبح فوضوية للغاية، وبسرعة كبيرة.
من ناحية، يبدو أن هذا النزاع يؤكد الانطباع بأنه عندما يتعلق الأمر بالضرائب، مثلما هو في الشأن العسكري، نجد أن الولايات المتحدة من كوكب المريخ وأوروبا من كوكب الزهرة. لا يزال كثير من الأمريكيين متمسكين بأيديولوجية الدولة الصغيرة منخفضة الضرائب، في حين أن عديدا من الأوروبيين أكثر سعادة لدفع ضرائب أعلى باعتبارها تكلفة المعيشة في دولة الرفاهية.
الرئيس دونالد ترمب كشف عن نفيه الشديد لسداد الضرائب خلال إحدى مناظراته الرئاسية مع هيلاري كلينتون خلال الحملة الانتخابية عام 2016. عندما اتهمته كلينتون بأنه لم يدفع ضرائب فيدرالية لأعوام، أجاب ترمب: "هذا يجعلني ذكيا".
عديد من الشركات المتعددة الجنسيات، ليس فقط الأمريكية، تتبنى الموقف نفسه وقد حولت أرباحها الخارجية بسرعة إلى ملاذات ضريبية لتقليص التزاماتها. تقول إن عليها مسؤولية ائتمانية تحتم عليها تقليل مدفوعاتها الضريبية ضمن حدود القانون.
ورقة بحثية صادرة عن المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، تم نشرها في 2018، ألقت الضوء على "الامتياز الضريبي الباهظ" الذي تمتعت به الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات. معدلات الضريبة على الأرباح الأجنبية للشركات المتعددة الجنسيات غير النفطية انخفضت من نحو 35 في المائة في أوائل تسعينيات القرن الماضي إلى نحو 20 في المائة أخيرا. المؤلفون قدروا أن ما يقارب نصف هذا الانخفاض نتج عن تحويل الأرباح إلى ملاذات ضريبية.
الحكومات المتضررة تريد استرداد بعض تلك الإيرادات المفقودة. "تاكس واتش"، مركز أبحاث استقصائي في المملكة المتحدة، وجد أن خمس شركات تكنولوجيا أمريكية كبرى تعمل في بريطانيا تحملت التزامات ضريبية بقيمة 191 مليون جنيه استرليني فقط في 2017. تحويل الأرباح ساعدها على تجنب مبلغ إضافي مليار جنيه استرليني من الضرائب كان عليها أن تدفعها لولا تحويل الأرباح، حسبما جادل "تاكس واتش".
التحدي يكمن في أن الشركات المتعددة الجنسيات تعيش على مستوى عالمي، لكنها تخضع للضريبة على مستوى وطني ويمكنها التلاعب بنظام ضريبي ضد آخر. لكن الضغوط المتزايدة من الناخبين المنهكين من التقشف أجبرت السياسيين في النهاية على تنسيق رد دولي.
على عكس كل التوقعات، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تتخذ من باريس مقرا لها، نجحت في اقتراح حل وسط عملي، حتى لو كان غير كامل، استنادا إلى دراسات "تآكل الأساس وتحويل الأرباح" Base Erosion and Profit Shifting. حظيت مقترحاتها بدعم دولي واسع النطاق، بما في ذلك في البداية من الولايات المتحدة.
هذه الخطوة لترشيد الضرائب الدولية كانت أحد المجالات النادرة التي دعمت فيها إدارة ترمب مبادرة متعددة الأطراف. كما حازت على دعم من الحزبين في الكونجرس، ومن عديد من الشركات الأمريكية، خوفا من حدوث الأسوأ.
لكن الضغط المكثف من جانب بعض الشركات الأمريكية المتأثرة بدا أنه عكس موقف إدارة ترمب. في كانون الأول (ديسمبر) أذهل منوشين نظراءه الدوليين بالتأكيد على أن مقترحات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يجب أن تكون اختيارية وليست إلزامية، محيدا بذلك أثرها. بعد أن وعد الفرنسيون بتخفيض الضريبة الرقمية إذا تم اعتماد مخطط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مضوا قدما في تنفيذ تحركهم الخاص.
الآن ليس من الواضح كيف يتطور هذا النزاع الثنائي المعقد والمفاوضات المتشابكة المتعددة الأطراف. المفاوضون الأوروبيون يعبرون سرا عن إحباطهم مع من يبدو أنهم "محاورون عشوائيون" من واشنطن. لكن يمكن أن يكون الأمر هو أن مسرحية ترمب غريبة الأطوار ليست إلا مقدمة سياسية ضرورية لصفقة ما.
مثل عديد من خبراء الضرائب، ينتقد مايكل ديفيرو، من كلية سعيد للأعمال في جامعة أوكسفورد، جوانب من مقترحات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ففي حين أنها تساعد على معالجة مسألة تحويل الأرباح، على حد قوله، إلا أنها لن توقف انخفاض معدلات ضرائب الشركات في الوقت الذي تتدافع فيه الحكومات الوطنية لجذب استثمارات أجنبية. يقول: "ربما ينتهي بنا المطاف إلى عدم جمع أي أموال أكثر من ذي قبل".
رغم ذلك، من الواضح أن المبادرة هي أفضل خيار مطروح على الطاولة، لأنها الوحيدة التي ستؤدي إلى أي نوع من النظام والانضباط في عالم الضرائب الفوضوي. انهيار عملية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عقب موجة من ضرائب رقمية وطنية يهدد بحدوث فوضى عالمية. مثلما يحذر البروفيسور ديفيرو: "هذا أمر خطير للغاية".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES