FINANCIAL TIMES

على الرغم من الهواجس .. المال الصيني نعمة على العالم الناشئ

على الرغم من الهواجس .. المال الصيني نعمة على العالم الناشئ

في معظم تاريخ البشرية، لم تكن المخاوف الأخلاقية والمتعلقة بالحوكمة نبراسا يهتدى به عندما يتعلق الأمر بتمويل حكومات العالم النامي.
بدلا من ذلك، تلخصت الروح الراسخة في اقتباس نسب إلى الرئيس الأمريكي الأسبق، فرانكلين روزفلت، الذي يقال إنه قال عن ديكتاتور نيكاراجوا المناهض للشيوعية، أناستاسيو سوموزا، إنه "قد يكون ابن امرأة ساقطة، لكنه ابن المرأة الساقطة الخاص بنا".
فقط بعد سقوط جدار برلين، بدأ الغرب في الإصرار على التزام الزعماء السياسيين بمعايير الحوكمة، من حيث قمع الفساد، أو التمسك بالمعايير البيئية والأعراف الاجتماعية، مقابل التمويل.
لكن في الآونة الأخيرة برزت الصين باعتبارها مصدر تمويل بارز بالنسبة إلى دول العالم الناشئ، في الوقت الذي أطلقت فيه مبادرة الحزام والطريق الضخمة. من المحتمل أن يعوق ذلك الجهود الرامية إلى ربط التمويل بالمعايير السلوكية، لأن سياسة المصارف الصينية لا تميل إلى الإصرار على مثل هذه المعايير الصارمة.
جين ستولب، شريكة في الممارسة المصرفية والمالية لدى شركة بيكر ماكينزي للمحاماة في جوهانسبرج، تقول: "مؤسسات التمويل الإنمائي الغربية مطالبة بتقديم تقارير حول الأثر الاجتماعي لإقراضها، مثل عدد الوظائف التي تم استحداثها. لا يمكنها إقراض أي كيانات خاضعة لعقوبات، فهناك كثير من التركيز على مكافحة الفساد. المصارف الصينية كانت أقل صرامة حيال ذلك".
يحظى نهج بكين باهتمام متزايد. بالنسبة إلى مشاريع الطاقة الإفريقية، مثلا، المصارف الصينية توفر 53 في المائة من التمويل المقدم من مؤسسات التمويل الإنمائي خلال العقد الماضي، مقارنة بـ22 في المائة من الوكالات المتعددة الأطراف و3 في المائة فقط من المؤسسات الأمريكية، وفقا لقاعدة بيانات "آي جيه جلوبال" IJGlobal.
أي إشارة إلى أن "الإقراض الغربي جيد، والإقراض الصيني سيئ" ستكون تبسيطا صارخا. وفقا لكيفن جالاجر، الأستاذ في كلية باردي للدراسات العالمية في جامعة بوسطن ومدير مركز سياسات التنمية العالمية فيها، الغرب "ارتكب كثيرا من الأخطاء"، مشيرا إلى قروض ساعدت على إيجاد أزمة ديون سيادية لإفريقيا خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، ما أدى إلى عمليات شطب هائلة قرب مطلع الألفية الجديدة.
تشارلز روبرتسون، كبير الاقتصاديين العالميين في المصرف الاستثماري "رينيسانس كابيتال"، الذي يركز على الأسواق الناشئة، يقول إن تمويل البنك الدولي يأتي الآن مع أشياء بيروقراطية غير ذات صلة، كأن يقول: "لا يمكنك بناء طريق في نيجيريا دون أن تقول كيف سيؤثر ذلك في النساء الشابات".
التمويل الصيني له عوامل جذب أخرى بالنسبة إلى السياسيين أيضا. يقول روبرتسون: "إذا ذهبت إلى البنك الدولي سيستغرق الأمر أكثر من عامين للحصول على موافقة لبناء طريق، والتحقق من الأمور التي تتعلق بالبيئة والحوكمة. في حين يقول الصينيون: سيكون لديك انتخابات في غضون عام، سنفعل ذلك الآن، سيستغرق الأمر ستة أشهر لينتهي بناء الطريق. التمويل أيضا رخيص وأقل إرهاقا من حيث الالتزامات ذات الصلة".
الانقسام واضح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بتمويل مشاريع توليد الطاقة. بين عامي 2005 و2017 ـ الوقت الذي استجاب فيه البنك الدولي للمخاوف بشأن تغير المناخ ـ تم توجيه 1.7 في المائة من قروض البنك المتعلقة بالطاقة إلى مشاريع خاصة بالفحم و30.8 في المائة إلى مشاريع رياح وطاقة شمسية، وفقا لحسابات البروفيسور جالاجر وزملائه.
في المقابل، تم توجيه 41.8 في المائة من التمويل الصيني نحو مشاريع الفحم، و5.3 في المائة نحو مشاريع الرياح والطاقة الشمسية.
البروفيسور جالاجر يعتقد أن كثيرا من هذه المصانع الجديدة ستصبح غير اقتصادية في غضون 20 عاما بسبب الطاقة المتجددة واستمرار انخفاض تكاليفها. يقول: "الفحم مجال الصين فعلا لم تؤد فيه واجبها المنزلي".
لكن ستولب ترى دعم الصين لمشاريع الطاقة التي تعمل على الفحم من منظور مختلف. تقول: "كل شيء جيد وفي مصلحة الدول الغربية التي استفادت من محطات التوليد (التي تعمل على الفحم) لأعوام عديدة ولديها رفاهية الانتقال تدريجيا إلى مزيد من المصادر المتجددة. لكن لدينا دول في إفريقيا تملك موارد كبيرة من الفحم ولم تصل إلى هذا المستوى من الكهربة بعد".
بصورة عامة، يعتقد البروفيسور جالاجر أن كثيرا من الانتقادات الموجهة للصين كانت غير عادلة، بالنظر إلى أن الغرب ارتكب كثيرا من الأخطاء في الماضي - مثلا، اختفاء الأموال المخصصة للتنمية في جيوب السياسيين الفاسدين. نتيجة ذلك، تتم مقارنة الجهات الصينية المقرضة، التي ما زالت تتعلم قواعد المهنة، بالوكالات الغربية التي تم إصلاحها، وتعلمت الدروس بالطريقة الصعبة. وإذا كان هناك انتقاد مشروع فهو أن بكين "لا تبذل العناية الواجبة فيما يتعلق بالأخطاء التي ارتكبها الغرب".
يعارض البروفيسور جالاجر الرأي السائد على نطاق واسع، الذي يرى أن المقرضين الصينيين الجشعين سعيدون بإثقال كاهل البلدان الفقيرة بالديون أملا في الاستيلاء على الأصول الأساسية إذا تخلفت عن السداد، مثلما حدث مع ميناء هامبانتوتا السريلانكي. في عام 2017، حصلت الصين على عقد مدته 99 عاما لاستئجار الميناء بعدما عانت سريلانكا الوفاء بخدمة ديون حجمها 1.1 مليار دولار، وبذلك تكون كولمبو سلمت بكين موقعا استراتيجيا على ممر مائي تجاري وعسكري رئيسي بالقرب من الهند المنافسة.
يقول البروفيسور جالاجر: "يهتم بنك الشعب الصيني بأمواله مثل أي بنك في وول ستريت، لأن هناك جزءا كبيرا من أصوله الموجودة في الخارج تحتفظ به في الوقت الحالي بلدان تعاني أزمة ديون". ويضيف أن المشكلة الأكبر هي أنهم "لم يفكروا في أن ما يصلح في الصين قد لا يصلح (مثلا) في زامبيا".
من جانبه، يرى روبرتسون أن هناك دلائل تشير إلى أن بكين أصبحت "أكثر حذرا في الأشهر الستة الماضية أو نحو ذلك"، وسط تقارير تفيد بأن المصارف التي تنفذ سياسة الحكومة تشعر بقلق متزايد من تمويل مزيد من مشاريع السكك الحديدية في إثيوبيا وكينيا، بعدما فشلت مشاريع سكك حديدية سابقة، بنتها الصين، في تحقيق الإيرادات المتوقعة.
تعتقد ستولب بأن المصارف الصينية تضاعف عنايتها اللازمة، ما تسبب في انخفاض الإقراض، حتى في الوقت الذي تسعى فيه بعض المؤسسات الغربية إلى أن تصبح أقل بيروقراطية.
بشكل عام، هناك رأي مفاده أنه على الرغم من بعض المشكلات، إلا أن طفرة الإقراض الصيني كانت مفيدة للعالم.
روبرتسون عدها "شيئا جيدا في الأساس، لأن هذه الديون أرخص من سندات اليورو، وأسواق الدين المحلية، والمصارف المحلية". وهذا يسمح لحكومات الأسواق الناشئة بزيادة الاستثمار في البنية التحتية، ما يرفع مستويات التنمية والدخل.
يقول البروفيسور جالاجر: "التمويل الإنمائي الصيني في الخارج لديه القدرة على المساعدة على حل بعض أكبر المشكلات الإنمائية في العالم". وما لم يكن الغرب "مستعدا لفعل ما ينبغي" وسد فجوة الاستثمار في البنية التحتية، فليس هناك كثير من الخيارات سوى قبول دخول الصين.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES