ثقافة وفنون

«1917» .. فيلم اللقطة الواحدة

«1917» .. فيلم
 اللقطة الواحدة

«1917» .. فيلم
 اللقطة الواحدة

في خضم ما يدور من تجاذبات سياسية في معظم الدول، وفي ظل مخاوف كثيرين من نشوب حرب بين دول محورية كبيرة، جاء الفيلم الملحمي "1917" لينتشلنا من القرن الـ20 ويعود بنا إلى الحرب العالمية الأولى، لكن ليس إلى الدماء والمعارك الطاحنة، بل إلى حالات الجنود الإنسانية، وكمية المعاناة التي يعيشونها، فهل سيكون أمثولة لتغيير مسار الكون، والحث على نشر السلام؟‬

الرسالة الأولى‬
تدور أحداث فيلم 1917 في شمال فرنسا، حيث يعطى جنديان بريطانيان - هما شوفيلد، يؤدي دوره جورج ماكاي، وبليك، يؤدي دوره دين تشارلز تشابمان - مهمة مستحيلة من قبل الضابط القائد، يؤدي دوره كولين فيرث، ويجب عليهما عبور أراضي العدو وإيصال رسالة من شأنها إيقاف الهجوم المميت على مئات الجنود، من بينهم شقيق بليك نفسه، وبعد فترة وجيزة من التراجع الألماني إلى خط هيندنبيرج خلال عملية البيرش، يتسابق المجندان مع الزمن، لعبور أراضي العدو وإيصال التحذير، من أجل الحفاظ على كتيبة بريطانية من 1600 رجل، ومن أجل تجنب الوقوع في مصيدة يعدها لهم العدو من دون معرفتهم، لذلك يجب على الجنديين بذل قصارى جهدهما لإنجاز مهمتهما من خلال البقاء على قيد الحياة وإنقاذ الأرواح.‬

فيلم اللقطة الواحدة‬
لم تقف حدود الفيلم عند أهمية فكرته وحواراته، بل ثقله جاء في تقنية اللقطة الواحدة الطويلة لكل الفيلم، رغم أنه لم يتم تصويره فعليا بلقطة واحدة، لكن باستخدام خدع سينمائية ذكية ولقطات مركبة وغيرها، ليبدو كما لو أنه قد تم تصويره بلا توقف، ولقد أبدع المخرج سام مينديس في تقديم تحفة فنية رائعة ومشوقة، وليس غريبا على مينديس هذا الإبداع وهو الذي قدم عملا رائعا عندما أخرج فيلمي جيمس بوند مع دانيال كريج وهما فيلم Skyfall الذي حقق نجاحا فنيا وتجاريا كبيرين، وفيلم Spectre الذي حقق نجاحا تجاريا كبيرا، لكنه متوسط فنيا.‬
ويعد أسلوب اللقطة الواحدة مميزا لكنه ليس جديدا، فلقد تم استخدامه عدة مرات من قبل، حيث ظهر في فيلم Birdman الذي تم تنفيذه ليبدو لقطة واحدة بألاعيب متنوعة ومماثلة لفيلم 1917، كما ظهر في فيلم The Revenant الذي تميل فيه أغلب الأحداث إلى الاعتماد على الحضور البدني والأداء الجسدي للممثلين، وتم تصوير أغلبه خارج الاستوديوهات في مناطق طبيعية، وابتكار مشاهد تتحرك فيها الكاميرا بألف شكل وعلى عشرات المعدات، لتواكب حركة الشخصيات وسط بيئات وأجواء فوضوية ومتنوعة، لكن رغم تشابه الفيلمين يوجد اختلاف بسيط هو أن الخدع في فيلم 1917 لا تبدو ظاهرة، بل يترك الفيلم المشاهد منغمسا بالكامل في رحلة بلايك وسكوفيلد، وسيشعر بالخطر والحيرة والقلق من مهمتهما في كل خطوة شاقة على الطريق، كأنه معهما في ساحة المعركة.‬

إبداع في التصوير
لم ينحصر نجاح الفيلم في الإبداع الإخراجي، بل لروجر ديكينز - المصور السينمائي المشهور الحاصل على جائزة أوسكار كأفضل تصوير سينمائي عن فيلم Blade Runner 2049، والمشهور بفضل أعماله المميزة مثل Skyfall وSicario، - دور كبير أيضا في مشاهد الليل والنهار، حيث استخدم كاميرات HD أصغر وأخف من المعتاد، التي قدمت صورة عالية الدقة وحركة انسيابية تنقلت بسهولة مع حركة الشخصيات، إضافة إلى كاميرات علقت على عدة حبال، لتلتقط مشاهد مثل تلك التي يقفز فيها الجندي سكوفيلد من على الجسر، كما تمت الاستعانة بـ"درون"، أو الكاميرا بطائرة بدون طيار، لالتقاط بعض المشاهد الأخرى. ‬

أبطال بأداء مبهر
تجري أحداث جزء كبير من النصف الثاني من دون أي حوار، وهذا دليل على قوة أداء البطلين اللذين نفهمهما تماما ويجعلاننا ننغمس في الرحلة المؤثرة والمروعة التي يقومان بها من دون الحاجة إلى الكلام، وفي حين إن ما سيعلق بأذهاننا لفترة طويلة هو الأداء البدني المرهق الذي يتطلبه دوراهما، إلا أن تشابمان وماكاي يظهران أيضا - بشكل مثير للإعجاب في لحظاتهما الأكثر هدوءا ويأسا - الجانب الضعيف لشخصيتيهما والخوف، والإرادة القوية التي يشعران بها، تلك هي المشاهد التي ستتركك مأسورا في الدراما الإنسانية، وسط كل هذا المشهد الكئيب.‬
ومن جهة أخرى يظهر عديد من الممثلين المشاهير على طول الفيلم بمشاهد قصيرة رائعة في أدوار ضباط، من بينهم كولين فيرث، بنديكيت كامبرباتش، إضافة إلى مشهد معين يختطف الأضواء من قبل أندرو سكوت، لكنهم لا يصرفون انتباهنا عن الثنائي الرئيس. يلعب أولئك النجوم أدوار الرجال الأكبر سنا، الذين يتبعهم الشباب قليلو الخبرة إلى المعارك من دون تردد، والذين على الأرجح لن يعودوا إلى منازلهم.‬

أصل القصة
‬ القصة ليست محض سينمائية بل هي مستوحاة من قصة حقيقية، حكاها ألفريد مينديز جد المخرج سام مينديز له وهو صغير، بعد أن شارك في الحرب العالمية الأولى، فأخبره عن هذه الأحداث، وعن رسول كان عليه حمل مسؤولية مهمة انتحارية، وتبين له لاحقا أن هذا الرسول كان جده نفسه، وجرت الأحداث في يوم 12 أكتوبر 1917، عندما كلف مئات من الجنود البريطانيين، ومن ضمنهم ألفريد مينديز، باسترجاع قرية بولكابيل، القريبة من مرتفع باشنديل التي استولى عليها الألمان، وهجم الجنود البريطانيون تحت أمطار منهمرة وتكبدوا خسائر فادحة.‬
هناك قتل 158 رجلا من إجمالي 484 كانوا في كتيبة ألفريد، وكان الرجال المفقودون موزعين عبر أميال من حفرات الانفجار الممتلئة بالمياه داخل المنطقة المحرمة الغارقة في الطين، عاجزين عن الإبلاغ عن مواقعهم.‬
وحين طلب قائد ألفريد أن يتولى رسول تحديد مواقع الرجال الناجين والإبلاغ عنها، تطوع ألفريد لتلك المهمة الخطيرة.‬
كتب ألفريد عن تولي المهمة في مذكراته الني نشرها تحت اسم Autibiography of Alfred H Mendes، وعلى الرغم من أن قصة ألفريد مينديز ساعدت حفيده لاحقا في فيلم "1917"، إلا أن جزءا آخر من قصة الفيلم هو من خيال مخرجه.‬

جوائز متعددة‬
يذكر أنه خلال حفل توزيع جوائز "الجولدن جلوب" في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية انتزع فيلم 1917، جائزة "أفضل فيلم درامي"، من منصة البث الرقمي "نتفليكس" الأمريكية، بمنافسة قوية، إذ كانت المنصة تسيطر لأول مرة في تاريخها على هذه الجائزة، بفيلمين تصدرا التوقعات، "قصة زواج" و"الإيرلندي"، كما نال سام منديز مخرج فيلم 1917، جائزة "أفضل مخرج"، كما فاز بجائزة أفضل فيلم درامي.‬
ولقد حقق ‬الفيلم أعلى إيردات في شباك تذاكر السينمات في أمريكا الشمالية منذ عرضه في 25 ديسمبر 2019، حيث بلغت إيراداته 5 ,36 مليون دولار.‫‬
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون