ثقافة وفنون

وداعا نجيب الزامل .. رجل المعرفة والتطوع

وداعا نجيب الزامل .. رجل المعرفة والتطوع

وداعا نجيب الزامل .. رجل المعرفة والتطوع

وداعا نجيب الزامل .. رجل المعرفة والتطوع

وداعا نجيب الزامل .. رجل المعرفة والتطوع

وداعا نجيب الزامل .. رجل المعرفة والتطوع

تكبلنا الحيرة ومشاعر الفقد قبل الكتابة عن مبدع كالدكتور نجيب الزامل، فتفاصيل حياته مليئة بالخصائص الإنسانية والمشاعر النبيلة، التي عرفت عنه وارتبطت به، تاركا خلفه طيب الذكر، حاضرا وغائبا.
شاء الله أن تودع المملكة يوم السبت الماضي الدكتور نجيب الزامل، عضو مجلس الشورى السابق والكاتب الصحافي، الذي شيع إلى مثواه الأخير الإثنين، ووري الثرى في مكة المكرمة، بعد الصلاة عليه في المسجد الحرام، مدونا آخر وصاياه في تغريدة كتبها عبر حسابه في "تويتر"، قال فيها "يجب أن تملك المعرفة كي تعرف متى تتحدث، وأن تملك الحكمة كي تدرك متى تصمت".

رثاه المحبون
وفاة الزامل المفاجئة وحدت محبيه في منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، ولم يكن هذا مستغربا؛ إذ ترك الراحل بصمات في ميادين الإعلام والتطوع والثقافة، وكان سلاحه الكلمة العذبة، ورسائله الإنسانية المحفزة ذات العمق الكبير، التي كان يبثها في مقالاته وكتاباته، ونالت منها "الاقتصادية" جانبا كبيرا طيلة أعوام على صفحتها الأخيرة.
رثى المحبون الزامل بكل أطيافهم، كبارا وصغارا، كتابا وقراء، مواطنين بسطاء، ومسؤولين، ومنهم الأستاذ بدر العساكر مدير مكتب ولي العهد، إذ كتب معلقا على رحيل الكاتب الراحل في تغريدة "الأخ الكبير ‫نجيب الزامل له صنائع من المعروف، عرفته كريم نفس، وصاحب عطاء، من المؤلم أن أنعيه أو أكتب في غيابه عنه، أتأمل أحاديثه ومقولاته.. وأعرف عمقها".
وكان الدكتور الزامل قد رحل بعد معاناة مع مرض مزمن في الكلى، صاحبه منذ الولادة، ما جعل جسمه سهلا أمام الأمراض والفيروسات، إلا أنه لم ييأس نتيجة ذلك، بل على العكس؛ فالمرض الذي حمله في جسده غير نظرته إلى الحياة، وجعله يحترم المرض، لما رأى فيه من جوانب إنسانية، وبدا ذلك جليا في كتاباته، حتى وافاه الأجل في ماليزيا، أثناء وجوده هناك في رحلة مع عائلته.

المحب للخير
اشتهر الراحل بأعماله البارزة في المجال التطوعي، إذ كان يؤمن بأن العمل التطوعي باستطاعته أن يكون مؤثرا في صنع القرارات.
وكان يرى - وفقا لمحاضرة له عن ثقافة العمل التطوعي في غرفة الرياض - أن التطوع أبو الذكاء المعرفي، واصفا المتطوع بأنه ينام سعيدا ليس لأنه أسعد الآخرين؛ ولكن لأنه أرضى ذاته.
ولمحبته الخير، تولى عديدا من الأعمال الخيرية، وسخر جزءا كبيرا من وقته وجهده لمناشط الشباب، وكان نشطا في مد أواصر العلاقة بين الفاقدين أسرهم، ونشر ثقافة التطوع، حتى حاز في عام 2010 جائزة "شخصية العمل التطوعي في العالم العربي" في نسختها الأولى.
خلال مسيرته، أسس ورأس مجلس إدارة جمعية العمل التطوعية، التي تعد من أكبر جمعيات العمل التطوعي الميداني، كما أسس فرق "أبناء وبنات المدن"، التي عمت معظم مدن المملكة مع بداية العقد الماضي، وانتقلت فكرتها إلى دول الخليج العربي، إذ أنشأ مجموعته في الأحساء تحت اسم "فريق أولاد وبنات الأحساء التطوعي".
وفي عام 2006، قادته الصدفة إلى تأسيس مشروع خيري يحمل اسم "العودة للجذور"، حينما التقى في الفلبين طفلة فلبينية الأم سعودية الأب، فأسس مشروعه الهادف إلى عودة أبناء السعوديين الذين تزوجوا بفلبينيات وأنجبوا منهن، ومن ثم تركوا أبناءهم في تلك الدولة الآسيوية من دون حتى إثبات لأبوتهم.
أيقونة للرجل المثقف
السيرة العطرة التي خلفها الزامل، جعلت منه أيقونة للرجل المثقف، الذكي، حصيف المفردة، القامة الفكرية التي تخبئ وراءها علما ومعرفة واسعة.
نشأ أبو يوسف في المنطقة الشرقية، فهو ابن مدينة الخبر، الذي نهل علومه من مدارس "أرامكو السعودية"، ومنذ سن مبكرة أحب المعرفة والقراءة، وكان مطلعا على المؤلفات الأدبية العربية والأجنبية، وساعده على ذلك تمكنه من اللغة، رغم انطوائيته أو "جبنه" - كما يصف نفسه - قبل أن تخرجه والدته من هذه الصفات السلبية، كونها من أكثر المؤثرين في حياته.
وتعلم من مدرسته الاعتماد على النفس، إذ قال غير مرة "إنه منذ دخوله الصف الأول المتوسط وحتى الآن لم يطلب من والده نقودا"، حيث كان يعمل في الطباعة باللغتين العربية والإنجليزية.
كان يؤمن بأن من غيروا الناس هم من قرأوا كثيرا، ويرى أنه يتميز عن خلق الله بأن بصماته وجيناته لا تشابه بصمات أي منهم ولا جيناته، و"ما عدا ذلك فنحن سواء"، على حد تعبيره.
وثق الزامل يومياته في سبع تجارب ذهنية وفكرية، في الأفق السياسي والفلسفي والتاريخي والجغرافي والثقافي، من خلال كتابه "نزهة في سبعة أيام" بجزأيه، وكتاب "رسالة لابنتي"، إضافة إلى عشرات المقالات المتداولة على الشبكة العنكبوتية، لعل أبرزها مقاله البارز "يوم تركت الصلاة"، الذي بدأه بقوله "السر في الصلاة أنها لا تغير العالم، الصلاة تغيرنا نحن، ونحن نغير العالم".

وصيته لأطفاله وأحفاده
حمل الزامل في قلبه أرفع القيم الإنسانية، وكان يخاطب الجميع بالمحبة ذاتها، ولا سيما أن نهجه في الحياة كان عبارته الشهيرة "يا حبي لكم"، التي تعبر عن محبته لكل من يصادفه، حتى وثقها في حسابه على "تويتر"، وباتت علامة يعرف بها.
في معرض رده على أحد المغردين، يبدو كأن الأديب الزامل قد شعر بأنه سيفارق محبيه، فرد عليه "نسأل الله لنا ولك أن يجمعنا مع الحبيب المصطفى في رياض الجنة. آمين".
ولأن الشيء بالشيء يذكر، سئل الزامل سؤالا ذا بعد عميق في لقاء له مع الشقيقة "الرياضية" قبل أشهر، جاء بصيغة "حينما تسمع بوفاة مفكر عربي كبير.. هل ينتابك الحزن أم يمر عليك الخبر مرور الكرام؟"، فأجاب "أحزن، ويسليني أن فكره باق"، وكأنما يتحدث بذلك عن نفسه وفكره الباقي في عقول كثيرين، مدونا وصيته في سؤال آخر، حينما طلب منه أن يكتب رسالة مفتوحة إلى أطفاله وأحفاده، فكتب فيها "كونوا أحسن مني.. وهذا أمر".

وسم «فجريات»
سيفتقد كثيرون وسمه الشهير على "تويتر"، "فجريات"، الذي كان يغرد فيه بحكم وكلمات مستنبطة من تجاربه، قبل بزوغ شمس النهار، وهي العادة التي درج عليها منذ عام 2012.
في "فجريات" كتب حول الكون، الفلسفة، الفكر، القيم، تجارب الشعوب، العلاقات والمحبة، وكذلك المعنى الروحاني للعبادات، ومن آخر ما كتبه في بداية هذا العام "الخاسر الحقيقي هو الذي يرى في الناس علاقات يستغلها، والرابح الحقيقي هو الذي يرى في الناس علاقات يُسأل عنها".
فيما كان آخر ما كتبه في عام 2019 "ليس للزمن حدود ولا مقاطع؛ هو نهر أوقات متدفق متصل ولا ينقسم. نحن من تخيلنا قواطع الزمن بأعوام وأشهر وأيام وساعات، لنقيس بها زمننا الضيق، لكنه بتدفقه سيواصل تسجيل أحداث الحاضر، ولن يمحو أحداث الماضي، وسيخط في تدوين الزمن أحداثا جديدة.. لذا كل وقت وأنتم بخير"، ليترك الدنيا محبا ومتمنيا الخير للعالم.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون