FINANCIAL TIMES

التعاون الاقتصادي ضحية الخلافات السياسية

التعاون الاقتصادي ضحية الخلافات السياسية

أي شخص تجول في الممرات البراقة لمقر صندوق النقد الدولي خلال اجتماعه السنوي الأخير سيكون لديه انطباع بأن الحوكمة الاقتصادية العالمية كانت في حالة ممتازة. دول العالم اختارت بالإجماع كريستالينا جورجيفا لتكون المديرة الإدارية الجديدة لصندوق النقد الدولي، ولم يكن هناك أي تذمر حول ما إذا كانت أهلا للمنصب أم أن تعيينها كان نتاج توافق أوروبي.
قال ليسيتيا كانياجو، محافظ بنك الاحتياطي في جنوب إفريقيا، إن الاجتماع كان "تاريخيا" لأنه، بصفته رئيسا لمجلس إدارة صندوق النقد الدولي، هو والمديرة الإدارية "كلاهما من دول الأسواق الناشئة". جورجيفا، وهي مواطنة بلغارية، بادلته الإطراء ورحبت في بيان أوسع حول الحوكمة الاقتصادية العالمية بـ"التماثل في الآراء المعرب عنه (...) والإجراءات التي يجب اتخاذها".
لكن وراء العبارات الحارة والشعور الإيجابي العام حول صندوق النقد الدولي في شارع 19 في واشنطن، كانت هناك بعض المخاوف المظلمة التي أحاطت بالاجتماعات. مع قول كثير من الناس إن الاقتصاد العالمي يعاني مسبقا نقصا في التعاون الفعال، كانت هناك تحذيرات من أنه إذا ساءت الأمور، فلن يجتمع العالم كما فعل في 2008-2009 لحل الأزمة المالية العالمية.
التجارة تقع في لب المخاوف بشأن التعاون العالمي. منذ أن بدأ دونالد ترمب في رفع الرسوم الجمركية، أدت رغبة الرئيس الأمريكي في النزاعات التجارية إلى تراجع الاقتصاد العالمي. صندوق النقد الدولي قدر أنه بحلول عام 2020 سيخفض الإنتاج العالمي 0.8 في المائة. شبح هذا الاختلال أدى إلى تجميد خطط الاستثمار لأن الشركات لا يمكنها ضمان أن الفرص التي تراها لن تتم إزالتها عن طريق المماحكات السياسية.
منظمة التجارة العالمية، الهيئة التي تم إنشاؤها للإشراف على التجارة العالمية وإقرار مجموعة من القواعد للعمل ضمنها، أثبتت أنها غير فاعلة في النزاعات التجارية المتبادلة وفقدت كثيرا من صلاحياتها. رفض الولايات المتحدة الموافقة على التعيينات في محكمة الاستئناف التابعة لمجلس تسوية النزاعات في المنظمة يجعل المنظمة غير قادرة على قبول قضايا جديدة.
وإذا كان محافظو البنوك المركزية هم منقذو العالم في الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمان، بشروعهم في تخفيف منظم للسياسة النقدية، فلن يحدث هذا مرة أخرى مع استمرار الانخفاض الحاد الراهن في أسعار الفائدة الذي لا يسمح بأي مجال للمناورة. أسوأ من ذلك أن أسعار الفائدة المتدنية إلى الحضيض في العقد الماضي ساعدت على تراكم ديون ضخمة، ما يهدد بجعل الاقتصاد العالمي أكثر عرضة للخطر، كما يحذر صندوق النقد الدولي.
يقول إريك نيلسن، كبير الاقتصاديين في المصرف الإيطالي "يوني كريديت": "الحالة المحزنة للسياسة العالمية تمت مناقشتها فعليا في كل استراحة قصيرة لشرب القهوة خلال (اجتماعات صندوق النقد الدولي)"، مضيفا أنه لم يجد في هذا "المعقل للتعددية" أي شخص واثق من المسار الذي تمضي فيه السياسة التجارية للولايات المتحدة، أو سياسات "بريكست"، أو النفوذ الأجنبي الصيني، أو الحوكمة الاقتصادية العالمية.
مع اضطراب العلاقات التجارية بشدة قد تبدو آفاق التعاون الاقتصادي في جميع أنحاء العالم قاتمة، إلا أن هناك بعض المجالات التي ستختبر ما إذا كان التقدم لا يزال ممكنا.
الأكثر وضوحا من هذه المجالات هو فرض الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات. بتشجيع من صانعي السياسة في جميع أنحاء العالم، شرعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في محاولة لإيجاد حل وسط جديد في فرض الضرائب على الشركات الرقمية العملاقة والشركات متعددة الجنسيات ذات العلامات التجارية القوية. إذا تم تطبيقه، فإن الإصلاح سيسقط القواعد الضريبية الدولية المطبقة منذ قرابة قرن.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تواصل مبادرتها بسرعة فائقة، على أمل إيجاد إجماع جديد بحلول الصيف المقبل. وهذا يعني بشكل أساس إزالة الفجوات العميقة في النظام الحالي من خلال ابتكار نظام عالمي يفرض رسوما أكثر على الشركات، ويعيد توزيع بعض الإيرادات من البلدان منخفضة الضرائب مثل إيرلندا وهولندا.
مجلس محافظي صندوق النقد الدولي، الذي يضم وزراء المالية من الدول الأعضاء رحب بهذه المبادرة. واستجابة لها قال المحافظون: "إننا نعمل من أجل إنشاء نظام ضريبي دولي عادل عالميا وحديث، ولا سيما فرض ضرائب مرتبطة بالرقمنة، وسنعالج المنافسة الضريبية الضارة، وتحويل الأرباح بشكل مصطنع، والتحديات الضريبية الأخرى".
النجاح سيكون إنجازا كبيرا وسيمنع حدوث مزيد من التصعيد في النزاعات التجارية التي ستكون حتمية تقريبا، إذا فشلت المبادرة واتخذت الدول إجراءات من جانب واحد.
في اللوائح المالية أيضا، كانت هناك حالات قليلة من الدول التي تسعى إلى الاستفادة من التخفيف الكبير في لوائحها لجذب أعمال جديدة، بينما كان هناك جهد عالمي لضمان تطبيق القواعد على التكنولوجيا الجديدة، مثل "ليبرا"، وهي نظام مدفوعات دولية جديد مقترح من شركة فيسبوك.
قبل اجتماع صندوق النقد الدولي، أشار "مجلس الاستقرار المالي العالمي"، المدعوم من مجموعة السبع ومجموعة العشرين، إلى أنه سيمنع تأسيس "ليبرا إلى أن يتم "تقدير مجموعة من التحديات والثغرات التنظيمية ومعالجتها باعتبارها أولوية".
وعلى الرغم من أن البنوك المركزية ربما لم تعد قادرة على التعاون في السياسة النقدية، إلا أنها تمهد الطريق من أجل تعاون أكبر بشأن المخاطر التي يشكلها المناخ على الاستقرار المالي.
متحدثا في الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر)، أشاد محافظ بنك إنجلترا، مارك كارني، بدور التعاون التنظيمي في إكمال سياسات المناخ الأخرى الأكثر مباشرة. تضمنت المبادرات التي أشار إليها إجبار المصارف وشركات التأمين على الكشف عن تعرضها لمخاطر المناخ وفقا للمعايير الدولية، وتعزيز معايير عالمية مماثلة من أجل الاستثمارات "الخضراء".
مثل هذه الأمثلة تظهر أن حوكمة الاقتصاد العالمي بعيدة كل البعد عن أن تكون ميتة. لكن ما يحتاج المنظمون الدوليون إلى إظهاره الآن هو بعض المكاسب السريعة، ولا سيما في مجال فرض الضرائب، لإظهار أن الفوائد تتدفق من التعاون. وإلا سيكون من الصعب مواجهة رسالة الانقسام القاسية التي تنتجها السياسة العالمية في الوقت الحالي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES