FINANCIAL TIMES

فشل خطة إنقاذ من صندوق النقد في إصلاح اقتصاد باكستان

فشل خطة إنقاذ من صندوق النقد في إصلاح اقتصاد باكستان

تحمس المستثمرون إزاء باكستان منذ أن ضمنت الحكومة خطة إنقاذ بقيمة ستة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في تموز (يوليو) الماضي، ما أزال أي تهديد فوري لوقوع البلاد في خانة العجز السيادي عن السداد.
مؤشر مورجان ستانلي المركب للأسهم الباكستانية ارتفع بأكثر من الثلث من أدنى مستوياته في آب (أغسطس) الماضي، مقارنة بمكسب يزيد قليلا على 10 في المائة في مؤشر مورجان ستانلي المركب الرائد للأسواق الناشئة.
حقق المستثمرون الأجانب عائدا مؤقتا في سوق السندات المحلية في البلاد، حيث اشتروا بـ1.2 مليار دولار سندات حكومية مقومة بالعملة المحلية منذ تموز (يوليو) الماضي، بعد الابتعاد عنها خلال معظم العامين الماضيين.
على أن الاقتصاد المتعثر في جنوبي آسيا، سيحتاج إلى أكثر من مساعدة صندوق النقد الدولي لحل مشكلاته المزمنة.

دوامة الازدهار والكساد القصيرين
كانت باكستان عالقة لأعوام في دورة ازدهار وكساد لم تدم فيها أي طفرة نمو أكثر من أربعة أعوام.
فترات الإنفاق الحكومي والاستهلاك المنزلي المرتفع عادة ما تنتهي مع فرض البنك المركزي كوابح على الاقتصاد، حيث تفشل البلاد في تحقيق أرباح الصادرات التي تحتاج إليها للدفع مقابل الواردات التي تعتمد عليها.
أحدث برنامج لصندوق النقد الدولي هو حزمة الإنقاذ الـ 13 لباكستان منذ الثمانينيات، وتأتي بعد أقل من ثلاثة أعوام من إكمالها حزمتها السابقة.
فشلت الحكومات المتعاقبة في معالجة اللعنة التوأم المتمثلة في العجز الكبير في المالية العامة والعجز في الحساب الجاري، أو تقليص حجم الديون العامة الخارجية، الذي يبلغ حاليا 84.5 مليار دولار، أي ما يعادل 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
التعامل مع هذا الحجم الكبير من الديون الخارجية هو التحدي الفوري الذي يواجه حزب الحاكم برئاسة عمران خان الذي يتولى السلطة منذ آب (أغسطس) من عام 2018.
لاعب الكريكيت الذي أصبح سياسيا ورث إدارة عامة مثقلة بالديون. لطالما كافحت باكستان لزيادة إيرادات الضرائب أو تصويب أوضاع شركات القطاع العام الخاسرة. بدلا من ذلك، اعتمدت على طرح السندات.
هذا العام، ستنفق الحكومة 43 في المائة من إجمالي إيراداتها المتوقعة على مدفوعات الفائدة وحدها.
في مواجهة مثل هذه الاختلالات زادت إدارة خانة الرسوم على الواردات، وخفضت الدعم الحكومي عن الكهرباء والغاز، وسمحت للعملة بالانخفاض بما يزيد على 20 في المائة واستحدثت موازنة تقشفية، من أجل تلبية شروط مرتبطة بقرض صندوق النقد الدولي.
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عاد الحساب الجاري إلى الفائض لأول مرة منذ أربعة أعوام، بعد أن فرضت الحكومة قيودا على الواردات، من خلال سياسة شبه حمائية، عبر زيادة الرسوم الجمركية، في الأساس.
بيد أن احتياطيات البلاد من الدولارات لا تزال منخفضة للغاية، كما ارتفع العجز المالي إلى ما يعادل 8.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوياته منذ سبعة أعوام، وذلك وفقا لأرقام الحكومة.

خان على طريق شريف
كان خان ناقدا صريحا لرئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي كانت حكومته تعتمد على الاقتراض قصير الأجل لسد العجزين التوأم، وتم إنقاذها من قبل صندوق النقد الدولي عام 2013.
بيد أنه سار في الطريق نفسه، ما ترك الحكومة عرضة لأي تقلبات في رغبة المستثمرين في اتخاذ المخاطر.
قال رضا جعفري، مدير الأبحاث في "إنتر ماركت للأوراق المالية" القائمة في كراتشي، "هناك خطر مستمر لمدة عام من الآن، إلا أن تدفقات استثمارات المحافظ الداخلة تمنح الحكومة بعض الوقت لجمع التمويل من مصادر أخرى".
بدأ تدفق الدولار في تموز (يوليو) الماضي، بعد أن سمح بنك الدولة الباكستاني، وهو البنك المركزي، للروبية بالانخفاض إلى أدنى مستوياتها، ورفع سعر الفائدة الرسمي إلى أعلى مستوياته منذ ثمانية أعوام بنسبة 13.25 في المائة، ضمن خطوات كانت ضرورية للتأهل للحصول على برنامج إنقاذ صندوق النقد الدولي.
قال بلال خان، مدير الأبحاث لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان في بنك ستاندرد تشارترد: "قرارات سعر الصرف وأسعار الفائدة الأخيرة خطوات ضرورية في الاتجاه الصحيح، ينبغي أن تساعد تدريجيا في تصحيح الاختلالات الخارجية والمالية العامة".
صندوق النقد الدولي في مراجعته الفصلية الأولى للبرنامج، قال إن باكستان قد استوفت جميع معايير الأداء مع هوامش مريحة، وهذا التقدم استمر نحو تلبية المعايير الهيكلية.
من المتوقع الحصول على الموافقة الرسمية على صرف الدفعة الثانية من القرض هذا الشهر.
قال صندوق النقد الدولي إن برنامجه كان متوقعا أن يفتح تمويلا إضافيا من مقرضين متعددي الأطراف وثنائيين، بحجم 38 مليار دولار على مدار حياته.
وفي حين أن ذلك سيكون كافيا لتسديد الديون العامة الخارجية حتى حزيران (يونيو) من عام 2022، إلا أنه سيغطي أقل من نصف متطلبات التمويل الإجمالية في البلاد، بما في ذلك خدمة ديون القطاع الخاص وعجز الحساب الجاري، خلال تلك الفترة.
خلال الأعوام الخمسة المنتهية في حزيران (يونيو) من عام 2024، يقدر صندوق النقد الدولي أن يكون ما قيمته 155 مليار دولار متاحا لباكستان، مقابل إجمالي متطلبات التمويل البالغة 140 مليار دولار، وهو ما يسمح بتراكم احتياطي يبلغ 15 مليار دولار. من المتوقع أن يأتي 39 في المائة من التمويل المتاح على شكل ائتمان خاص.
وقال صندوق النقد الدولي إن باكستان قد ضمنت في الأصل تمويلا من مقرضين متعددي الأطراف وثنائيين، خلال العام الأول من البرنامج.

وتبقى الشكوك
"بالنظر إلى مسار سداد الديون على المدى المتوسط، فإن التمويل الخارجي سيشكل نوعا من التحدي"، كما قال صادق بشيراني، الرئيس التنفيذي لشركة ماكرو إيكونوميكس إنسايتس في إسلام أباد، والعضو السابق في المجلس الاستشاري الاقتصادي لرئيس الوزراء.
وأضاف أن: "التحسن في عجز الحساب الجاري يقابله ارتفاع مدفوعات الدين الخارجي. إضافة إلى ذلك لم ترتفع تدفقات رأس المال الداخلة حتى الآن كما كان متوقعا".
تستعد باكستان لجمع ما يصل إلى ثلاثة مليارات دولار من خلال إصدار سندات اليورو والصكوك (السندات الإسلامية) وسندات الباندا (السندات الصادرة خارج الصين والمقومة بالرنمينبي).
أحدث إصدار للسندات السيادية في البلاد كان في تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2017، عندما جمعت 1.5 مليار دولار من خلال سندات اليورو لأجل عشرة أعوام بنسبة 6.875 في المائة، ومليار دولار آخر من الصكوك بنسبة 5.635 في المائة.
في ذلك الوقت، كانت باكستان تتألق بسبب تحولها الاقتصادي. كان الاقتصاد ينمو بأسرع معدل له منذ عقد، وكان لدى البنك المركزي احتياطات بقيمة 16 مليار دولار، أي نحو ضعف مستوى اليوم.
إما الآن، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي في أدنى مستوياته منذ سبعة أعوام، ومن المتوقع أن يتباطأ أكثر العام المقبل.
مع ذلك، لم يخفض البنك المركزي أسعار الفائدة في اجتماعي السياسة الأخيرين، وإذا كان شيراني محقا، فقد لا يفعل ذلك في أي وقت قريب.
كتب شيراني في مقالة أخيرا: "مع زيادة دفتر الحركة السريعة لرأس المال، واعتماد البنك المركزي على زيادات هذه التدفقات الداخلة، سيبقي البنك المركزي على أسعار الفائدة المحلية أعلى مما قد تكون، لضمان استمرار جذب مديري الصناديق الأجانب". وأضاف: "هذا من شأنه إحباط الاستثمار المحلي، وإثقال القطاع المصرفي بالقروض المتعثرة المحتملة، وفرض عبء كبير على الموارد المالية العامة".

تساؤلات حول موقف «المركزي»
يعتقد آخرون أن البنك المركزي الباكستاني لا يزال يستخدم احتياطاته للسيطرة على سعر الصرف، بدلا من تركه ليعوم في السوق. البنك يعترض على هذا الرأي.
قال البنك المركزي إنه انتقل إلى نظام سعر صرف قائم على السوق منذ أيار (مايو) من هذا العام، ومنذ ذلك الحين، على استعداد "لاتخاذ إجراءات لمعالجة ظروف السوق المضطربة إذا نشأت".
وقال في بيان إن التطورات الإيجابية، منذ أيار (مايو) الماضي "في وضع ميزان المدفوعات في باكستان، سمحت للبنك المركزي ببناء واقيات من العملات الأجنبية، كما يتضح من الزيادة في إجمالي الاحتياطات (بنحو 2 مليار دولار منذ حزيران (يونيو) الماضي، وانخفاض مقايضة العملة الأجنبية والالتزامات الآجلة (بنحو ثلاثة مليارات دولار في الفترة بين تموز (يوليو) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2019).
يبلغ التضخم رقما من خانتين وتجاوز الآن هدف الحكومة البالغ 12 في المائة. مع ذلك، يعتقد البنك المركزي أن الاقتصاد يظهر علامات مبكرة على الاستقرار، ويأمل في إنهاء دوامة الازدهار والكساد القصيرين في باكستان.
قال خان من بنك ستاندرد تشارترد: "تتمتع باكستان بفرصة جيدة للاستفادة من تدفقات المحافظ الأجنبية الداخلة ليس في إصدارات سندات اليورو فحسب، بل أيضا في سوق السندات الحكومية بالعملة المحلية".
وأضاف أن الظروف المالية العالمية مناسبة لمصدري الأسواق الناشئة أكثر مما كانت عليه بداية العام.
مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض سعر الفائدة الرسمي مرتين منذ تموز (يوليو) الماضي، حيث عكس المسار بعد رفع أسعار الفائدة خلال الأعوام الثلاثة السابقة.
انخفضت العوائد على سندات اليورو في باكستان مرة أخرى إلى أدنى من 6.5 في المائة، من ذروة بلغت أكثر من 9 في المائة أوائل عام 2018.
يغلب على خبراء الاقتصاد أن يتفقوا على أن عمليات شراء الإصدار المقبل للسندات الدولية من باكستان المتوقع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ستفوق الكمية المصدرة. إلا أن من المشكوك فيه أن تستطيع باكستان فطم نفسها عن طلب المال للإنقاذ.
قال شيراني الذي توقع بشكل صحيح أزمة ميزان المدفوعات في باكستان أوائل عام 2017: "نحن في المراحل الأولى من تصويب أوضاع المالية العامة، وتثبيت استقرار الحساب الخارجي".
"مدى قوة وفائدة جهود الإصلاح الحكومية في المرحلة المقبلة، سيحدد ما إذا كان الاقتصاد الباكستاني سيبدأ في التعافي،" أم لا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES