FINANCIAL TIMES

ثورة الأجهزة تدفع الذكاء الاصطناعي إلى التيار العام

ثورة الأجهزة تدفع الذكاء الاصطناعي إلى التيار العام

في الأعوام الأخيرة تصدرت الخوارزميات الذكية قائمة التطورات المهمة في الذكاء الاصطناعي، في الوقت الذي أظهر فيه الكمبيوتر تفوقا على البشر في أداء مهمات معقدة بشكل متزايد.
لكن هذه الأيام هناك قوة أخرى ربما يكون لها أثر أكبر حتى من ذلك في دفع الذكاء الاصطناعي إلى الأمام. التطورات في الرقائق المختصة وغير ذلك من المعدات عملت على تعزيز قدرات أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تطورا، وفي الوقت نفسه تأخذ التكنولوجيا إلى التيار العام. لكن إن كان هذا سيعمل على تحقيق منافع ملموسة للأعمال فهذه مسألة أخرى.
أهمية الثورة في معدات الذكاء الاصطناعي واضحة من أحدث مؤشر للذكاء الاصطناعي AI Index، وهي مبادرة من إحدى مجموعات الأبحاث في جامعة ستانفورد. باعتباره محاولة سنوية لتلخيص التطورات في أهم تكنولوجيا للأغراض العامة في هذا الجيل، فهو يعطي صورة عن التحول الذي حدث على مدى 18 شهرا في مركز أكبر التطورات في الذكاء الاصطناعي.
بمختلف المقاييس، الخوارزميات لا تحقق القفزات التي شهدناها في الأعوام الأخيرة. بعض الأسباب في هذا يعود إلى أنه في بعض المهام لا توجد أمور يمكن أن تكسبها أكبر كثيرا من قبل: في التعرف على الصور، مثلا، يتفوق الكمبيوتر على الإنسان منذ الآن.
هذا أيضا دلالة على حقيقة أن المشكلات التي لا تزال بحاجة إلى حل تصبح أصعب ويصبح التقدم أبطأ. اللغة، وهي الجبهة التالية في ذكاء الآلة، مشهورة بصعوبتها. وفي حين أن المهام التي من قبيل التعرف على الكلام والترجمة اللغوية تم تطويعها، إلا أن عملية الفهم والتحليل المنطقي هي مجالات لا يزال يهيمن عليها الإنسان.
بدلا من ذلك كانت أكثر التطورات اللافتة للنظر تأتي من الأجهزة والمعدات. تقوم هذه على رقائق مختصة مصممة لمعالجة كميات ضخمة من البيانات اللازمة لتعلم الآلة إلى جانب أنظمة لأغراض خاصة مصممة للعمل.
مجموعة الأبحاث الأمريكية OpenAI تشير إلى نقطة انعطاف في المعدات حدثت عام 2012. قبل ذلك الوقت كان قانون مور، القانون الأساس الذي يقول إن قوة المعالجة تتضاعف كل عامين، هو المسيطر في عالم حوسبة الذكاء الاصطناعي.
منذ ذلك الحين أنظمة الذكاء الاصطناعي تتبع قانون مور، لكن على نحو أسرع بكثير. فمع تسليط أنواع جديدة من المعدات وموارد أكبر على المشكلة، أصبحت قدرات أكثر أنظمة الذكاء الاصطناعي تطورا تتضاعف مرة كل 3 ــ 4 شهر.
هناك مفارقة في هذا التسارع في المعدات. من جانب على أطراف العلم عمل التسارع على تحويل الذكاء الاصطناعي إلى سباق تسلح لا تقدر عليه إلا قلة من الناس.
الشركات الكبرى والحكومات التي تستطيع تسخير موارد حاسوبية ضخمة ستكون هي الجهات الوحيدة القادرة على هذا المجال. شركة OpenAI التي عملت على نظرية أن باحثي الذكاء الاصطناعي الذين لديهم أكبر كمبيوتر سيرثون الأرض، جمعت أخيرا مليار دولار من "مايكروسوفت" من أجل البقاء في اللعبة.
لكن المفعول الآخر لثورة المعدات دفع التكنولوجيا لتدخل التيار العام. وحدات معالجة التنسور TPUS التي طورتها "جوجل" التي هي من بين أكثر الرقائق تطورا في العالم، من أجل معالجة تعلم الآلة، يمكن استئجارها بالساعة عن طريق منصة الحوسبة السحابية التابعة للشركة (مقابل 1.35 دولار في الساعة، إذا لم يكن مقدار العمل لديك حساسا من الناحية الزمنية ولا تمانع أن تكون في آخر الطابور).
الادعاءات بـ"إضفاء الطابع الديمقراطي" على أي تكنولوجيا جديدة مبالغ فيها في وادي السيليكون، لكن هذه حالة يجوز الحديث حولها. ولأن الخدمات السحابية مثل خدمات "أمازون ويب" تتيح على نطاق واسع المعدات وأدوات التعلم الآلي بتكلفة قليلة، فإن تدريب شبكة محايدة -وهو أكثر الأجزاء التي تستهلك القوة الحاسوبية في الذكاء الاصطناعي- يصبح فجأة ميسرا للعموم.
وفقا لمشروع Dawn Bench في جامعة ستانفورد، الذي يقدم طريقة لقياس أنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الوقت اللازم لتدريب نظام على مجموعة بيانات Image Net التي تستخدم على نطاق واسع، تراجعت من ثلاث ساعات إلى 88 ثانية فقط خلال أقل من عامين. هذا يترجم إلى هبوط هائل في الأسعار، إذ هبطت التكلفة من 2323 إلى 12 دولارا.
لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت هذه التخفيضات الهائلة في الوقت والتكاليف تجعل الذكاء الاصطناعي المتقدم تكنولوجيا عملية. من الصعب تحديد الأثر الأرحب لتعلم الآلة، لكن مؤشر الذكاء الاصطناعي يشير إلى مقياس مشجع. نحو 1.32 في المائة من إعلانات الوظائف في الولايات المتحدة في تشرين الأول (أكتوبر) كانت مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ0.26 عام 2010. هذا الرقم لا يزال صغيرا، ولا يزال تعريف "وظيفة في الذكاء الاصطناعي" موضع أخذ ورد، لكن الاتجاه واضح.
إريك برينيولفسون، أستاذ في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا ويدرس أثر التكنولوجيات الجديدة في الاقتصاد، يقول إن هذا دفعة أولى صغيرة فقط بالنسبة للأثر المرجو من الذكاء الاصطناعي. وحذر من أن الشركات التي عينت علماء البيانات وخبراء تعلم الآلة لن تشهد منفعة فورية: فهي بحاجة أولا إلى التغلب على مناطق الاختناق الداخلية من خلال تطوير عمليات العمل الجديدة اللازمة للاستفادة إلى أقصى حد ممكن من التكنولوجيا.
هذا يؤدي إلى نشوء ما يطلق عليه اسم "منحنى جيه" J-curve في الإنتاجية، الذي ربما يكون مرئيا منذ الآن في الاقتصاد الأوسع في الوقت الذي تتقدم فيه التكاليف المرتبطة بالتكنولوجيا على المنافع المرجوة. بدأ سباق الذكاء الاصطناعي الآن نحو حصاد الفوائد في العالم الحقيقي من تكنولوجيا تم الترويج لها إلى حد كبير.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES